إلا أن الغايات الخفية لهذا الميثاق، أثارت قلق قيادات «جبهة النصرة» التي سارعت إلى رفضه ووصفه بالتخاذل والانبطاح، الأمر الذي يطرح على بساط البحث مصير العلاقة بين «النصرة» و«الجبهة الإسلامية».
عبد الله سليمان علي
وقّعت مجموعة من أكبر الفصائل والجبهات المسلحة في سوريا «ميثاق شرف ثوري» بهدف توحيد الجهود لمواجهة خطورة المرحلة الحالية.
إلا أن الغايات الخفية لهذا الميثاق، أثارت قلق قيادات «جبهة النصرة» التي سارعت إلى رفضه ووصفه بالتخاذل والانبطاح، الأمر الذي يطرح على بساط البحث مصير العلاقة بين «النصرة» و«الجبهة الإسلامية» في ظل اتساع تباينات المواقف بينهما حول عدد من القضايا.
واتفقت أمس الأول، كل من «الجبهة الإسلامية» و«الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» و«جيش المجاهدين» و«فيلق الشام» و«ألوية الفرقان» على ما أسمته «ميثاق شرف ثوري للكتائب المقاتلة»، بينما غابت عن التوقيع فصائل أخرى، أهمها «جبهة ثوار سوريا» و«جبهة النصرة» و«جبهة الأصالة والتنمية».
وإذ اعتبر الميثاق «أن الغاية السياسية من الثورة السورية هي إسقاط النظام برموزه وركائزه»، مشيراً إلى أن «الثورة تستهدف عسكرياً النظام السوري ومن يسانده»، إلا أنه أكد في المقابل على أن «العمل العسكري يستهدف كذلك «كل من يعتدي على أهلنا ويكفرّهم مثل داعش».
ورغم أن الظاهر يوحي أن الميثاق يستهدف كلاً من النظام السوري وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، إلا أن المعطيات المتوفرة تشير حقيقةً إلى أن الغاية من هذا الميثاق تختلف كلياً عن ظاهره. فلا يوجد خلاف بين الفصائل الموقّعة على الميثاق، على قتال النظام، كما أنها جميعاً تشارك في القتال ضد «داعش»، وبالتالي فإن هذا الهدف من باب تحصيل الحاصل ولا يحتاج إلى إصدار ميثاق موحد لإثباته. لذلك تتجه الأنظار إلى البنود الأخرى، التي تشكل القطبة المخفية في الميثاق أو المؤشر على غاياته الحقيقية.
فالبند السادس من الميثاق نص على أن «قوانا الثورية تعتمد في عملها العسكري على العنصر السوري»، بينما أكد البند السابع على أن «الشعب السوري يهدف إلى إقامة دولة العدل والحرية».
وهذا يطرح سؤالاً حول موقف موقعي الميثاق من ظاهرة «المقاتلين الأجانب» في سوريا، والتي تحولت إلى هاجس يقض مضاجع حكومات غالبية دول العالم. فهل بدأت مرحلة تخلّي «رفاق السلاح» عن بعضهم البعض؟ وهل الحرب ضد «داعش» ستكون غطاءً لإعلان الحرب على أي «مقاتل أجنبي» وبغض النظر عن الفصيل الذي ينتمي إليه؟.
ورغم أن قائد «جبهة ثوار سوريا» جمال معروف لم يوقّع على هذا الميثاق، إلا أن تصريحه منذ أيام بأنه «ضد أي مقاتل يأتي من الخارج» يمكن أن يكون إشارة لوصول «إيعاز من الخارج» بضرورة محاربة هؤلاء قبل أن يرتدّ خطرهم على الدول التي جاؤوا منها، خصوصاً أن جمال معروف أصبح من أمراء الحرب المدلّلين غربياً، ومقرّباً من دوائر استخباراتها، باعتباره الأكثر اعتدالاً، وقد خصّته واشنطن في الأسابيع الماضية بصفقة صواريخ «تاو» المضادة للدروع.
وإضافة لما سبق، ينبغي التساؤل لماذا تراجعت «الجبهة الإسلامية» عن هدف إقامة «الدولة الإسلامية» الوارد في ميثاق تأسيسها، واكتفت بـ«دولة العدل والحرية»، حتى من دون الإشارة إلى أن تكون هذه الدولة محكومة بالشريعة الإسلامية؟.
هذه القطب المخفية في بنود الميثاق الإشكالية (6 و7) أثارت على الفور قلق، بل خوف «جبهة النصرة»، التي يبدو أنها فهمت منه أنه يستهدفها ويستهدف مقاتليها، لذلك لم تتردد في إعلان رفضها للميثاق عبر مواقف صدرت من بعض قادتها. وكان أقوى هذه الردود ما صدر عن «مفتي النصرة في درعا» سامي العريدي الذي وصف الميثاق بأنه «تخاذل وانبطاح».
واعتبر العريدي أن «الجهاد يمر هذه الأيام بمرحلة ابتلاء وتمحيص»، معلناً براءته من «كل دعوة أو ميثاق أو جماعة لا تنادي بكل وضوح ولا خفاء ولا مداراة بحاكمية الشرعية». وفي توصيف لوضع «جبهة النصرة» في هذه المرحلة قال إن «أهل الحق غرباء بين أهل الانبطاح والتنازلات وبين أهل الغلو والإفراط».
ووقع سجال غير مباشر بين العريدي وبين رئيس الهيئة السياسية لـ «الجبهة الإسلامية» حسان عبود على موقع «تويتر». إذ بينما دافع عبود عن الميثاق قائلاً «سوف نمضي في دربنا، ولا نلتفت إلى من يريد الانتهاء بنا في شعف الجبال والغابات وقفار البوادي لنخوض جهاد النخب»، رد عليه العريدي بالقول إن «الحياة في الجبال والكهوف في ظل حاكمية الشريعة خير من الحياة في القصور في ظل غيرها، ولنا في حركة طالبان آية».
يشار إلى أن «حركة أحرار الشام»، التي تهيمن على «الجبهة الإسلامية»، لا تمانع في التنسيق مع أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية للوصول إلى أهدافها. ومع أن الميثاق الموقَّع ينص على وعي الموقعين «للبعد الإقليمي والدولي للأزمة السورية»، معلناً ترحيبه «باللقاء والتعاون مع هذه الأطراف الإقليمية والدولية بما يخدم الثورة السورية»، إلا أن النظام الداخلي لـ«أحرار الشام» كان أكثر وضوحاً، عندما نص صراحة على «تنظيم العمل مع استخبارات الدول المجاورة، حسب تعليمات قائد الحركة».
http://www.assafir.com/Article/1/351144
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه