قد يكون انقلاباً على الذات وعلى الآخرين، وقد تكون شجاعة استثنائية في المجاهرة بالقناعات. لا يحسب ميشال سليمان حساباً لمضبطة الاتهام التي طوّقته في آخر عهده
«لست نادماً على مواقفي من حزب الله.. هم يجب أن يندموا»
ملاك عقيل
قد يكون انقلاباً على الذات وعلى الآخرين، وقد تكون شجاعة استثنائية في المجاهرة بالقناعات. لا يحسب ميشال سليمان حساباً لمضبطة الاتهام التي طوّقته في آخر عهده. هو يعدّ الساعات الفاصلة عن مغادرته قصر «النعمة والنقمة». يقلب الصفحة الأخيرة من يومياته الرئاسية بـ«فرح كبير»، كما قال. أخطأ أو لم يخطئ.. هذا شأن آخر. مَن يحاسِب مَن في هذه الجمهورية التعيسة المتهالكة!
في الرسالة التي وجّهها الى الرئيس نبيه بري، والتي لم يَكشف عن مضمونها، أراد سليمان من خلالها، كما قال لـ«السفير»، «حثّ النواب، في محاولة أخيرة منه، للحضور الى مجلس النواب، لأن أصول الديموقراطية تقتضي الحضور والتصويت وليس التعطيل». الرسالة موجّهة الى النواب وليس الى رئيس المجلس الذي يقوم، كما يؤكد رئيس الجمهورية، بواجباته على أكمل وجه.
لا يريد افتراض النيات السيئة بتوقّع مقاطعة بعض النواب لدعوة بري لمناقشة مضمون رسالته يوم غد، لكنه يشدّد على أن «جوهر الطائف وزّع السلطات ميثاقيا لتكوين شراكة حقيقية في السلطة، وتغييب أي سلطة من هذه السلطات هو ضرب لهذه الميثاقية».
قرار الرئيس سيصبح بين يدي 24 وزيراً
ويشير سليمان الى «خلل أساسي قد يتأتى من ممارسة الحكومة صلاحيات رئيس الجمهورية، ما يوجب منع الفراغ. فالرئيس المنتخب، انطلاقا من مسؤولياته الدستورية، يستطيع عند اللزوم أن يتفرّد بأي موقف يراه ضرورياً من أجل المصلحة العامة، بينما سيتعيّن على رئيس الحكومة العودة الى مجلس الوزراء مجتمعا، وهذا ما يؤدي الى الأخذ والرد والنقاش. سيصبح قرار الرئيس بين يدي 24 وزيرا».
رسالة الرئيس تناولت ضرورة احترام الميثاقية ورفض تعطيل النصاب والتشديد على المفهوم الديموقراطي الذي أراد من خلاله المشترع التأكيد أن الغياب عن الجلسات يكون فقط عند تعذّر المجيء، وليس بنية التعطيل المقصود.
واذا سئل هل تتوقّع أصلا انتخاب الرئيس قبل انتهاء المهلة الدستورية؟ يجيب: «حتى اللحظة لا بوادر توحي بحصول الانتخاب، لقد قمت بواجبي لحث النواب على الحضور وانتخاب الرئيس، لكن ربع الساعة الأخير قد يقلب المعطيات، تماما كما حصل عند تشكيل الحكومة».
لا يحبّ الرئيس الدخول في معمعة تحميل أي طرف مباشرة مسؤولية تعطيل عملية انتخاب رئيس الجمهورية، لكنه يتحدث عن «طموحات أفراد، وعن قوى تملك كتلاً نيابية قادرة على التعطيل».
«مش فارقة معي المرشّح الوفاقي»
لا مرشح مفضّلا لميشال سليمان. يصعب نزع هذا الاعتراف منه. «أنا مع من ينال الأكثرية في مجلس النواب، ومع من يكمّل المسيرة التي بدأتها».
هو يعني بذلك، من يحمي إعلان بعبدا «برموشه»، ويرفض ازدواجية السلاح، ويدرس الاستراتيجية الدفاعية بعد تخطّي سلاح المقاومة الحدود اللبنانية ليستخدم في سوريا، ويتحصّن بالإقرار النوعي من مسلمي لبنان، بلسان الرئيس نبيه بري، بالحفاظ على المناصفة.
هذا لا يعني أن دور الرئيس انتهى عند هذا الحد. ها هو يتحضّر للبقاء في قلب المعادلة، جغرافياً وسياسياً. في اليرزة تملّك شقة وليس قصراً كما يروّج البعض. زوجته وابنه شربل انتقلا اليها منذ فترة، وسيوزّع نشاطه بعد الخروج من القصر بين اليرزة وعمشيت.
أما في السياسة فيتحضّر ليلعب «دوراً وطنياً». ألف باء هذا الدور إدخال سلاح المقاومة ضمن الاستراتيجية الدفاعية، «وسأضغط على الرئيس الجديد ليسلك هذا المسار»، كما يؤكد لـ«السفير».
لا ينتمي سليمان بالتأكيد الى نادي من يؤيّد وصول أحد القادة الموارنة الى قصر بعبدا، «أنا كمواطن، قبل أي شيء آخر، عشت صراعات هؤلاء القاسية التي يبدو أنها لن تنتهي. أخاف وصول أحدهم لينتقم من الآخر. يجب عدم العودة الى زمن الكيدية».
لا يعير اهتماماً كثيراً لشعار المرشّح الوفاقي الذي يرفعه ميشال عون «مش فارقة معي المرشّح الوفاقي. النيات الطيبة موجودة، لكن الواقع شيء آخر. وهو قد يلتزم بهذا الطرح، لكن الممارسة على الأرض والماضي القريب لم يقنعا الناس».
يضيف «هناك طرحان صداميان، فكيف لواحد منهما أن يصل الى سدّة الرئاسة؟ أنا أتخوّف من هذا الاصطدام الفجّ، يكفينا هدراً للفرص. لا أتحدّث هنا عن أهلية المرشحين، فمعظمهم عندهم هذه الأهلية وميشال عون واحد منهم».
هناك من أراد عرقلة إنجازات العهد
هل هناك ما يندم عليه ميشال سليمان في ولايته الرئاسية؟ يجيب بعد لحظة تأمل «قد أندم على ما لم أستطع القيام به». ثم يستطرد موضحاً: ربما، في البداية، كان يجدر بي أن أكون أشدّ (أكثر صرامة). فعندما لعبت دور المصلح والإطفائي، كان فريقاً النزاع «لاطيين» ورائي، وعندما انسحبت من هذا الدور، اتفقوا و«مشيت كل الأمور»، لكن سابقا كانوا يقومون بعرقلة مقصودة ويتهمونني بها. في عهدي رفعوا سقف شروطهم وعظّموا الأمور، ورفضوا التحاور وقبول بعضهم. وها نحن نرى اليوم الصقور، من الجانبين، على طاولة واحدة في مجلس الوزراء بعد أن انسحب الاطفائي.
باختصار، لا يرى سليمان أن المشهد الإقليمي فقط هو الذي قلب معادلة الداخل. ثمة من أراد فعلاً أن يبطئ ويعرقل إنجازات عهده. حتى أبسط الأمور، «وهي التعيينات التي كانت جاهزة ومتفقاً عليها، لكنها عُرقلت».
وفي معرض الحديث عن الندم، هو باق على قناعاته حيال «حزب الله»، وغير نادم على شيء: هم «لازم يندموا» وليس أنا، حين نصحونا «بأن نبلّ إعلان بعبدا ونشرب ماءه»، وحين قالوا عنه إنه مجرد حبر على ورق. هم الذين نكّلوا بالثلاثية وليس نحن، حين قرّوا أن يذهبوا الى سوريا من دون أن يسألوا لا «الجيش» ولا «الشعب» ولا رأس الدولة اذا كانوا يستطيعون تحمّل تبعات التورّط في الحرب السورية.
وفيما لم يتأخرّ رد «حزب الله» على خطاب رئيس الجمهورية في الشوف، حين شدّد على رئيس «يحرص على المقاومة ويتمسّك بالمعادلة الثلاثية ولا يتخلى عنها حين تعرض عليه الإغراءات»، قال سليمان «أنا الحريص الأكبر على المقاومة، لكن من ضمن الاستراتيجية الدفاعية، والإغراءات الوطنية هي دافعي الأول لحماية سيادة البلد».
أربع حكومات، وما بينها ربيع عربي «أزهر» قتلاً ودماراً وإعدامات. صار هناك ميشال سليمان ما قبل وما بعد. الآتي بمباركة سورية تحوّل الى عدو لدمشق. انتظر منذ نحو سنتين اتصالاً لم يأته من قصر المهاجرين.
كسرت الجرّة مع بشار الأسد، لكن ليس هو من كسرها. يوضح «لم أتهجّم يوماً على سوريا، ولم أخاصمها. سئلت مرّة عن قضية ميشال سماحة، وقلت إني أنتظر اتصالا من الرئيس الاسد ليشرح لي الوضع بما ان هناك اتهاما لبنانيا بحق مسؤول سوري (اللواء علي المملوك)، تماما كما حين اتصلت بالأسد حين صدرت مذكرة اتهام سورية بحق 33 شخصية لبنانية. من هاجمني فعليا هم حلفاء سوريا».
وهل يؤيّد انتخاب بشار الأسد لولاية ثالثة يردّ بسؤال «وماذا سيفيد رأيي؟».
من يرد التمديد فليبقَ.. أنا ذاهب إلى بيتي
هكذا يخرج رئيس الإجماع الوطني عام 2008 من القصر، بعد ست سنوات، بشهادة حسن سلوك من الاميركيين والفرنسيين والاوروبيين والسعوديين والخليجيين، وبدعم سنيّ، ونصف رضى مسيحي، واحتضان جنبلاطي عارم لـ«فخامته».
الآخرون رجموه بحجارة التواطؤ والطعن بالظهر. شيطنه «حزب الله»، وأبلسه ميشال عون، وخوّنه سليمان فرنجية. برأيه، هو لم يفعل سوى الصواب.
يخلع الرجل بزّة الرئاسة وضميره مرتاح. يكرّر هذه العبارة كثيرا. أقلّه، في سرّه يردّد، كي يسمع من لا يريد أن يفهم، أن من يحلم بالتمديد، ولو لنهار واحد، لم يكن «ليكابش» «حزب الله» على حلبة إعادة الأمرة الى الجيش والدولة.
سيحلو له التماثل مع مناعة الرئيس فؤاد شهاب على التمديد. «أنا مثله أيضا رفضت التمديد». لا فرق في تناقض المناخات اليوم عن التمديد المقدّم على طبق من فضة عام 1964 حين هدّد الرئيس شهاب مجلس النواب، وكان يرأسه كامل الأسعد، بتأجيل انعقاده لمنعه من تجديد انتخابه، بعد إصرار نيابي على ذلك تجاوز غالبية الثلثين.
عهد المناكفات سينتهي على فراغ حتمي. وبمثل رغبة سليمان بتجنّب الفراغ، كان الالتزام الشخصي الاول، والدستوري ثانيا، بأن لا يحرق أصابعه بمكواة التمديد. لو كان ثمّة نصّ في الدستور يشرعن الولاية الثانية، لربما سعى اليها بأظافره. هو لم يقل ذلك، لكن الكرسيّ فيه من الإغراء ما يذوّب القناعات، فكيف بكرسيّ الرئاسة.
رَفَض سليمان التمديد بقناعة البراغماتي غير الحالم، العالم ببواطن الحسابات الاقليمية، والمتيّقن بأن البقاء ساعة إضافية في القصر عقوبة وليس مكافأة. وللتاريخ هو يقول «التمديد مخالف للدستور»، وألتزم بذلك. في الآونة الاخيرة ردّد مرارا أمام مقرّبين منه «من يرد التمديد فليبقَ هنا وحده. أنا ذاهب الى بيتي».
http://www.al-akhbar.com/node/206874
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه