27-11-2024 02:44 AM بتوقيت القدس المحتلة

ردع مُقسّط .. مقابل استراتيجية الحماية الشاملة

ردع مُقسّط .. مقابل استراتيجية الحماية الشاملة

تُعتبر محطة الإتفاق بشأن الكيميائي في سوريا من العام الماضي منعطفا كبيرا وتحولاً هاما في مسارات الصراع في المنطقة برمتها

حسن شقير

تُعتبر محطة  الإتفاق بشأن الكيميائي في سوريا من العام الماضي منعطفا كبيرا وتحولاً هاما في مسارات الصراع في المنطقة برمتها ، وعلى كافة الأصعدة ، كونها كانت الدلالة الأبرز على الواقع التراجعي الذي انحدرت نحوه أمريكا، ولتتظهر معه أكثر فأكثر مستوى الخلافات التي نشبت مع حلفائها  على خلفيته .

مسوغات الحماية

من المهم جدا ً في هذه العجالة - كونها تخدم الفكرة التي نحن بصددها - أن نرجع إلى تلك الموانع الحقيقية وغير  المعلنة ، في حقيقة كبح جماح العدوان الأمريكي على سوريا ، أقلّه من وجهة نظرنا ، وذلك فيما كتبت حوله في مقالة ( العدوان المبتور.. وحقائق الموانع المستورة  ) وقد خلصت فيها أن السبب الرئيسي في تلك الموانع ، كانت الإستراتيجية الذكية التي اتبعتها أطراف الممانعة لبتر العدوان ، وذلك من خلال استراتيجيا إرسال الرسائل الحاشرة لأمريكا ومن وراءها الكيان الصهيوني بين سندان حصر المعركة في الجغرافيا السورية فقط ، مع اشتراك الجميع فيها .. وبالتالي الفرض  على الكيان الصهيوني جغرافية الصراع مع تكامل المشاركين .... هذا من زاوية ، أو حشره في زاوية أخرى تحت مطرقة فتح الكيان الصهيوني للجبهات بنفسه ضد جغرافيات الممانعة الأخرى ، دون أن تنطلق رصاصة واحدة ، بشكل إبتدائي منها ، فيُحشر الكيان في موقف المعتدي ، وليس المعتدى عليه ، فضلا ً عن تقديمه ورقة  مهمة جدا ً - لو أقدم على ذلك - لصالح محور الممانعة في تكريس مشروعية وصوابية استراتيجياتهم ، في بلدانهم ، وخصوصا ً في الجغرافيا اللبنانية ...

إذا ً بُتر العدوان يومها ، وبُترت معها الحرب الشاملة ، التي سعت إليها أمريكا والكيان الصهيوني ، بشروطهما ، وليس بشروط محور الممانعة ، وكان ما كان في إتفاق سوريا - الكيميائي ، وتلاه إتفاق إيران - النووي ، ودخلت المنطقة برمتها في عصر جديد .

مع الزيارة الأخيرة لسوزان رايس إلى الكيان الصهيوني ، والتي تلتها زيارة وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل إليه ،  حُكي عن تطمينات متجددة حول الهواجس الأمنية الصهيونية من فقدان الرعاية الأمريكية المباشرة ، وخصوصاً مع تعثر السير بمنظومات دفاعية صهيونية وبعض عربية ، عملت عليها واشنطن ردحا من الزمن ... ومع تعثر المسار التفاوضي الفلسطيني وتقدم المصالحة الوطنية عليه ، وتهديد السلطة الفلسطينية الميطن بوقف التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني ، فضلا ً عن التطورات الميدانية الإستراتيجية في سوريا بغير ما تشتهي السفن الصهيونية ... دون أن نغفل ذاك التقدم الذي أحرزته المقاومة اللبنانية في الميدانين السياسي ( داخل لبنان ) والعسكري في سوريا ، وانعكاس ذلك على تأمين بيئتها الحاضنة بنسبة عالية .. كل ذلك وأكثر حمل بالوزير الأمريكي إلى التأكيد مجددا على الإلتزام الأمريكي السرمدي في نشر المظلتين الأمنيتين فوق الكيان ، الفوق تقليدية منها والتقليدية على حد سواء ، وقد ظهر ذلك  في التحضير الصهيوأمريكي للمناورة العسكرية  المشتركة الأضخم بينهما والتي تُحاكي سقوط ألاف من الصواريخ التقليدية على الكيان الصهيوني دفعة واحدة ، في أي حرب قد تقع مستقبلاً .

المعادلة - العرض

المعلومات التي تسرّبت من اجتماعات هاغل بالقادة الصهاينة ، أفادت بأنه أتى إلى الكيان مطمئنا ً ، وذلك في أجواء انعقاد جولة جديدة من المفاوضات للدول الخمسة زائد واحد مع إيران بخصوص الإتفاق النووي النهائي حول برنامجها النووي ، دون أن نغفل اجتماعات هاغل بوزراء دفاع الدول الخليجية ، والتي رافقها دعوة الوزير السعودي لنظيره الإيراني للتفاوض بشأن القضايا العالقة بين الطرفين .. والتي عُدت مؤشراً إيجابياً ، خصوصا أنها ترافقت مع إكمال مسيرة السعودية في إعادة ترتيب بيتها الداخلي .

إذاً المعادلة المطروحة أمريكياً على الكيان الصهيوني ، أضحت على الشكل التالي : حماية فوق تقليدية من خلال اتفاقي سوريا الكيميائي وإيران النووي ، بضمانة أمريكية - على ما يبدو - في عدم ولوج هذا الأخير العتبة التهديدية النووية لكيان العدو ، وذلك مقابل الحصول الأمريكي على الرضا  الصهيوني على الإتفاق المزمع إبرامه مع إيران قبل نهاية تموز القادم ... يُضاف إلى تلك الحماية غير التقليدية ، حماية تقليدية في حال اشتعال الجبهات دفعة واحدة حول الكيان.

منذ فترة ليست بوجيزة ، يسير الكيان الصهيوني في تكريس معادلات أمنية لمرحلة ما دون الحرب الشاملة التقليدية وغير التقليدية ، وقد بانت خيوط تلك المعادلات ، في الجغرافيا الفلسطينية ، والإصرار على الوجود الصهيوني المباشر " والمقونن " في غور الأردن ، بحسب اتفاقية الإطار التي  روّج لها جون كيري في كل المرحلة السابقة ، وبمعادلتي الجدار الطيب  وإدامة الاإستنزاف في سوريا ، وإشغال المقاومة في بيئتها الحاضنة ، ومحاولة العبث بميادين جديدة - فصلّنا بعض منها في مقالة سابقة - ، ناهيك عن تلك الروافع الصهيونية التي يجهد في السير بها في داخل فلسطين العام ٤٨  ، وذلك يهدف فيما يهدف صهيونياً لنزع صفة الاوبرتهايد عن الكيان الصهيوني في مشروع نتنياهو الأخير في   تكريس يهودية الدولة ... هذا كله معطوفا على الإستراتيجية الصهيونية القديمة -المتجددة في ضرب البرنامج النووي الإيراني وذلك بالتركيز على حرب السايبر ... في ظل انتفاء القدرة الصهيونية وحتى الأمريكية ،  على القيام بالعمل العسكري المباشر .

 السؤال المحوري : ما الذي يمكن أن تكون عليه استراتيجية محور الممانعة حيال ذلك ؟ وخصوصاً أن المؤشرات لغاية اليوم ، توحي بأن أطرافه منفردين ومجتمعين ، ليسوا راغبين حالياً بفتح الجبهات ابتداءً مع الكيان الصهيوني ، ولأسباب متعددة  ، لا مجال للتفصيل فيها حالياً .
الردع المُقسّط
إذاً ، والحال كذلك ، لم يعد أمام محور الممانعة ، لمنع الكيان الصهيوني من تكريس تلك المعادلات الأمنية - المشار إليها أعلاه - ، إلا اللجوء إلى استراتيجيات جديدة للتعامل مع تلك المعادلات الجديدة ، والتي لا بد أن تعتمد على الردع المُقسّط ، فكيف يمكن أن تكون ملامحها ؟

- فلسطينيا : انفتاح محور الممانعة مجدداً على كافة الأطياف الفلسطينية ، وتجاوز الخلافات السابقة في وجهات النظر حول قضايا أخرى ، والدفع قدماً في تعزيز المصالحة الوطنية ، واستثمار التعنت الصهيوني وطروحاته العنصرية فيما خص المفاوضات ، والإستيطان المسعور على الأرض ، وغيرها من المشاريع التهويدية .. في أخذ التيارات الفلسطينية مجتمعة نحو الخيارات المقاوِمة ، ولو تدرّجاً .

- سورياً : متابعة السير باستراتيجية تيئيس الإستنزاف في مختلف ميادينه ، والإندفاع نحو متابعة الإمساك بالجغرافيا السورية الإستراتيجية ، وخصوصاً على جبهة الجولان - درعا ، وذلك بغية إفقاد الكيان الصهيوني لورقة الأمن والإستقرار في تلك المنطقة ، عن طريق الجماعات المسلحة التي يرتبط بها هناك .. وجعل الثلاثية الذهبية ممتدة من الحدود اللبنانية إلى الحدود السورية ، وذلك لتكريس معادلة  عبوات شبعا والجولان ، عقب غارة جنتا .

-إيرانياً : استثمار فرصة التحولات التي تطرأعلى المشهد السياسي في السعودية ، ودعوات الإنفتاح ، إلى قيامها - أي إيران - بهجوم دبلوماسي معاكس ، تُطرح فيه كل الهواجس المشتركة على الطاولة ، ومحاولة الإستثمار بالمشتركات ، وتحديداً في ملفي التكفير والإرهاب ، وضرورة العمل المشترك لتكريس عزلهما عن المجتمعات الإسلامية ، فضلا عن تعريتهما بشكل مطلق ، إضافة إلى إحياء مشروع رابطة الجوار ( الذي كان قد أطلقه الامين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى في قمة سرت في العام ٢٠١٠ )

- لبنانياً : الإستمرار في استراتيجية حماية بيئة المقاومة وظهرها ، وبناء مزيد من الثقة مع اللاجئين السوريين ، لمنع الكيان الصهيوني ، أو أية جهة أخرى من محاولة اللعب بورقتهم ، وإفشال التخطيط الصهيوني في البعد الأمني لهم (كنا قد كتبنا عن ذلك ضمن مقالة ميادين العدوان على سوريا .. ما بعد النكبات) ، وكذلك الأمر استثمار ما تحقق من انجازات ميدانية على  الحدود اللبنانية - السورية ، في تهديد وردع الكيان الصهيوني ، بتكريس معادلة ما بعد جنتا .

نخلص إلى القول ، إلى أنه في حال تم إنجاز الإتفاق المقبل مع إيران ، بعد تلك الزيارة لتشاك هاغل إلى المنطقة والكيان الصهيوني تحديداً ، فإن المحصلة ستكون هي أن تلك الصفقة قد حازت على الحد الأدنى من الرضا الصهيوني لما يقابلها من المظلة الأمنية الأمريكية  التي حملها هاغل إلى الكيان ، والقائمة على الحماية الشاملة دبلوماسياً (للأسلحة فوق التقليدية ) ، مضافا إليها الحماية العسكرية ( للأسلحة التقليدية ) ، مشروطةً  هذه الثانية بحربٍ يشنها ابتداءً محور الممانعة  .. يقابلها في الجهة المقابلة  ردعٌ  مُقسّط  على  كافة الجبهات  ، تعلو وتيرته وتنخفض ، بحسب الإلتزام الصهيوني بقواعد الإشتباك الجديدة ، التي فرضتها التطورات السياسية والميدانية الأخيرة في المنطقة .