هناك قاعدة في الحروب يقال فيها إن الهجوم أحد أشكال الدفاع، في الأدب يبدو أنه أصبح ملحّاًّ على أصحاب هذا الميدان أن يقتفوا بهذا الأثر في الانتاج المعرفي والذي يتخذ على عاتقه مهمة الدفاع عن "المقاومة"
هناك قاعدة في الحروب يقال فيها إن الهجوم أحد أشكال الدفاع، في الأدب يبدو أنه أصبح ملحّاًّ على أصحاب هذا الميدان أن يقتفوا بهذا الأثر في الانتاج المعرفي والذي يتخذ على عاتقه مهمة الدفاع عن "المقاومة"..فالأدب المقاوم يصبح مقاوماً شديد الالتحام بالمنظومة الإنسانية القيمية حين تشمّر ساعديه عن فضح ثقافة العدو "الهجينة" ومهاجمته ومحاصرة رموزه بالحقيقة الساطعة التي تكشف علانية عدوانيتهم وعنصريتهم ضد الشعوب الأخرى، ومنها المجتمع العربي.
هذا ما خلص إليه الدكتور وجيه فانوس الأمين العام لاتحاد الكتّاب اللبنانيين في كلمة له في "مؤتمر الأدب المقاوم ومواجهة الحرب الناعمة"، ويعدّ هذا طرحا متقدما شغوفا بالتفاؤل حول قدرة أصحاب الأدب المقاوم في لبنان والعالم العربي للضلوع بهذه المهمة، إذ يقول الدكتور فانوس لموقع المنار "نحن ما زلنا نؤمن بثقافة الدفاع وهذا موقف سلبي فلا بد من ثقافة الهجوم يعني أن تحاربي عدوك في عقر داره وأفكاره. إن عدونا يحاربنا دائما بأفكار مضللة ومعظمها تخرصات وأوهام فلا بد لنا من فضحه فيها وعدم الاستسلام له.. لا يكفي أن ندافع عن أنفسنا فلا بد الان وفي هذه المرحلة بالذات في هذا الزمن المتراجع ان نبدأ الهجوم على العدو ثقافيا كما يتهجم علينا ثقافيا وان نفضح جميع اكاذيبه وضلالاته"..
أما الشاعر محمد علي شمس الدين رأى أن "ثقافة الهجوم" يمكن أن تبدأ بعمل فردي لتتطور إلى عمل جماعي يمكن أن تنظمه مؤسسات أو مراكز دراسات، وفي هذا دعم كبير لحركة الرصاصة التي لا تكفي لوحدها.. فحن أما أن نكون أو لا نكون".
"مؤتمر الأدب المقاوم ومواجهة الحرب الناعمة"، أفتتحت فعالياته بعد الظهر من يوم أمس الاثنين في قصر الأونيسكو في بيروت، في إطار فعاليات يوم العودة برعاية من الدكتور عدنان السيد حسين رئيس الجامعة اللبنانية، وبدعوة من مسيرة العودة إلى فلسطين، وجمعية القدس الثقافية ، وجمعية نساء من أجل القدس ، والمنظمات الشبابية اللبنانية ، والملتقى الثقافي الجامعي .وبحضور ممثلي الفصائل الفلسطينية والاحزاب اللبنانية ونخبة من المثقفين والاكاديميين والطلاب الجامعيين.
الجلسة الإفتتاحية : لا بد من تبني ثقافة الهجوم
بدأت الجلسة الإفتتاحية للمؤتمر والتي تولت الاشراف عليها الزميلة القديرة في اذاعة النور عفاف علوية ، بكلمة رئيس الجامعة، ألقتها بالنيابة عنه، عميدة كلية الآداب والعلوم الأنسانية في الجامعة الدكتور أسماء شبلي، حذرت فيها من خطورة الحرب الناعمة في كي الوعي المقاوم الجمعي، خاصة أنها حرب ممنهجة تتم وفق خطط ودراسات وأهداف ماكرة وبتمويل من مراكز صهيوأمريكية، تهدف إلى شطب قيم الأصالة ، ومحو الهوية الوطنية، وفق خطط عمل وآليات تطال تدمير مفردات الثقافة العربية والأسلامية في كافة أنحاء المنطقة، ويساعد على تنفيذ المشروع الخطير أنتشار وسائل الأتصال التكنولوجية التي باتت منذ زمن طويل، لغة العصر التقني السائد ، للسطو على كل ما له علاقة بالخطاب الثقافي والإعلامي والقيمي ..
من جانبه طرحت كلمة الأمين العام لإتحاد الكتاب اللبنانيين ، الدكتور وجيه فانوس العديد من التساؤلات عن مفهوم ” الحرب الناعمة” ، خاصة وأن للنعومة دلالات تشير إلى كل ما هو لطيف وجميل وجذاب متسائلا، هل ثمة حرب لطيفة جذابة ؟ ملمحا إلى الأفعى الناعمة بين الزواحف التي لا تخوض حربها إلا بأقسى عنف تقدر عليه وحشيتها ضد فريستها !. وقال الدكتور وجيه أن الحرب هي قتل للآخر ، وإلغاء لحقيقته ، وتدمير لوجوده ، وليس في هذا أية ممارسة لما يمكن أن يتصف بالنعومة ، مثل الحوار أو الحجاج أو حتى الجدال ، كما قد تتخذ الحرب ظاهرا واضحا لا يخفى على من تحاربه ، فيستعد لها ، ويبذل في مقاومتها ما يمكنه من تحضير وقوة وعنف ، كما تتسربل الحرب الناعمة بتمويهات قوامها الخديعة ، وعمادها التمويه وسلاحها الدجل ، لتظهر ذاتها “ناعمة ” لمن يجهل حقيقتها وتنطلي عليه حيلها ، فيقع في شباكها ، وينهزم تاليا أمامها، فاقدا حياته أو خاسرا طبيعته ، أو متمرغا في حطام مزر لوجوده..
وقال الدكتور وجيه أن هذه الحرب ليست جديدة على الإطلاق ، فقد بدأت قبل وعد بلفور ، وتعود جذورها إلى أزمنة عريقة في القدم ، وقد جندت لها الحركة الصهيونية عبر قرون التاريخ قوى كبرى ، تعتمد الفعل الثقافي سلاحا ، وكان من بين هذه القوى، وللأسف ، مفكرين يخونون حقيقة الفكر ، مع منظرين عملاء ، وأدباء منافقين ، وزمر من الجواسيس والمندسين الكذبة ، ومن هنا تكمن صفتها المخاتلة المخادعة ، وقسوتها ووحشيتها وإجرامها الذي يعتبر أشد قسوة وأكثر ضراوة من حرب البندقية والبارجة والمدفع والصاروخ ..وأضاف أن الحرب الناعمة هذا التعبير المدسوس ، حرب على القيم لا هوادة فيها ولا معها ، ولا تكون مقاومتها إلا بجيوش جرارة جنودها، أهل الوعي الصحيح، من رواد الفكر والأدب والثقافة الصادقين لا المأجورين ، وأسلحتها أقلام ومنشورات ، وذخائرها ندوات وأبحاث عميقة ومعرفة وإبداعات .
وختم الدكتور فانوس كلمته بالتوجه إلى الأدباء والمثقفين بقوله :"تعالوا نمزج مقاومتنا الدفاعية بمقاومة هجومية نواجه فيها هذا العدو الغاشم ونحن الأولى بمهاجمته وهدم أركان ثقافيته المزيفة التي يصدرّها للعالم".
كلمة اتحاد الكتاب الفلسطينيين:
أضاء الأمين العام لإتحاد الكتاب الفلسطينيين سمير أحمد في كلمته ، على أهمية عقد المؤتمر تزامنا مع الأحداث الأمنية التي تشهدها المنطقة العربية، والتي حملت زورا إسم الربيع العربي ، الذي كانت نتائجه وبالا وخرابا على أبناء كل الأوطان التي أصابها هذا الفيروس التفتيتي ، والأمة جمعاء ، والقضية الفلسطينية خاصة ، وقال أننا نلتقي اليوم في نقطة وسط بين تاريخين هامين وحدثين متناقضين في تاريخنا المعاصر، الأول الخامس عشر من أيار العام 1948 ، عام النكبة التي سجلت تاريخ إحتلال أرض فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني العنصري الإجلائي الإستعماري التكوين والولادة والنشأة والرعاية على نحو ثمانين بالمئة من أرضها ، وتهجير الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب الفلسطيني ، الذين تحولوا إلى نازحين خارج وطنهم ، يناضلون من أجل الحرية والعودة ، أما الثاني فهو تاريخ الخامس والعشرين من أيار 2000 ، عام الأنتصار والتحرير ، الذي حققته المقاومة الباسلة في لبنان والتي أجبرت العدو على الفرار من الأراضي الجنوبية المحتلة دون قيد أو شرط … وبدون أن يحقق مكسبا أو ينال جائزة ترضية كما حصل مع النظام المصري الذي حول إنتصار أكتوبر إلى أتفاق ” كامب ديفيد ” ، ومنظمة التحرير الفلسطينية التي أنهت الإنتفاضة الشعبية المباركة بأتفاق ” أوسلو ” والأردن الذي خضع لوادي عربة ”
وأضاف إن العدو المسكون بهاجس الفناء والزوال ، والذي عمقت هزيمة العام 2006 أزمته ، بدل شكل الإشتباك مع القوى المقاومة في لبنان وفلسطين خاصة ، ومحور المقاومة عامة ، وأنتقل من ميدان المواجهة العسكرية المباشرة ، إلى الحرب الناعمة ، مستنفرا مراكز الأبحاث الأمريكية والغربية ، إلى جانب خلاياه النائمة المزروعة في ثنايا مجتمعاتنا من مسؤولين كبار تصل رتب بعضهم إلى ملوك وأمراء ووزراء ومشايخ ورؤساء ، وإلى قادة أحزاب وجمعيات ، ومسؤولين سياسيين وكتاب وصحافيين ورجال أعلام ، إضافة إلى وعاظ السلاطين الذين ينخرون مجتمعاتنا بفتاوى تجيز ” السلم ” مع العدو الصهيوني حينا ، وتشرعن ” التطبيع ” معه حينا آخر، وتحض على الإقتتال والحرب الأهلية أحيانا أخرى .. فالعدو يحاول عبر حربه الناعمة الوصول إلى الأهداف التي عجز عن تحقيقها بالعدوان العسكري المباشر، وهي أشد فتكا وخطرا من مفاعيل الحرب العسكرية التي تواجه بها قوى المقاومة عدوا محددا ، وقوة نارية بقوة نارية ، في حين أن أدوات الحرب الناعمة ، تبدأ بمراكز الأبحاث والدراسات التي تسخر لها مليارات الدولارات ، وتحشد لها أكبر الكفاءات العلمية والفكرية ، وتمر بوسائل الأتصال والأعلام ، ولا تنتهي بالأدوات المحلية على أختلاف مستوياتها ومسمياتها التي تؤدي أدوارا خطيرة.
ودعا الأمين العام إلى مواجهة كل خطوات التطبيع الرسمية المتسارعة في أكثر من بلد عربي ، والتي تستند على مبادرة توماس فريدمان_ عبد الله ، التطبيع الكامل مقابل الأنسحاب الشامل ، والتي تمثلت بإطلالة رئيس الكيان الغاصب شمعون بيريز على مؤتمر في الأمارات ومشاركة وزير الطاقة الصهيوني سيلفان شالوم بمؤتمر في أبو ظبي وفتح أبواب تونس أمام الصهاينة ، عدا عن تصريحات الأمراء والوزراء للتعامل المباشر مع الكيان ، وصولا إلى مؤتمرات التطبيع الأقتصادي والشبابي التي عقد بعضها في عمان ورام الله وتل الربيع ونابلس .
كما أكد على ضرورة تكاتف الجهود الوطنية لأعلان الرفض القاطع للفتاوى التي تجيز زيارة القدس والأراضي المحتلة ، والتمسك بمواقف الأنبا شنودة و المطران الأب عطا الله حنا ، ومفتي القدس وفلسطين ، الشيخ عكرمة صبري الذين يحرمون زيارة القدس والأراضي المقدسة وهي تحت الأحتلال .
وتضمنت فعاليات الجلسة الأفتتاحية أيضا ، كلمة اللجنة المنظمة للمؤتمر ، تحدث فيها الدكتور عبد الملك سكرية عن أهمية تنمية الفكر المقاوم بين فئة الشباب الفئة المستهدفة الأولى ثقافيا وإعلاميا وفنيا وذائقة وتشويها لوجدانهم ووعيهم الجمعي، وقال أن الحرب الناعمة من أبشع أشكال الحروب في وحشية وإجرامية أهدافها ، لأنها تستهدف العقل والفكر والقيم، وأكد على ضرورة مواجهة كل أشكال التطبيع لتكريس الفكر الأصيل المناهض للتركيع والخضوع لقيم لا تمت لحضارتنا وأصالتنا بصلة .
الجلسة الأولى : القضيّة الفلسطينيّة والحرب الناعمة
هذا وتضمنت فعاليات الجلسة الأولى التي أدارتها الدكتورة هالة أبو حمدان، كلمة للدكتور هشام سلطان من الأردن حول القضية الفلسطينية وعلاقة المثقف فيها التي أكد فيها على أهمية عنوان المؤتمر في ظل الحرب الكونية، ليس على الأراضي العربية فقط بل على كل الأرث الحضاري والقيمي ضمن حملة إبادة مبرمجة ، مؤكدا أنها ليست حربا ناعمة بل حربا عالمية فتاكة بالعقل العربي وأجرام بحق الإنسانية. وقال إننا نواجه أخطر المراحل ، من قيادات عربية متأمرة عميلة ، وقيادات فلسطينية خائنة ، ولم يعد للشعب الفلسطيني في الشتات فرصة التعبير عن رأيه في قيادته ، وهنا تكمن المآساة الكبرى في أقصاء الشعب في المنافي . وقال إن الكيان الصهيوني غدة سرطانية لا بد من أستئصالها حتى تتحرر كل الشعوب، ولا خيار في تحقيق ذلك الا عن طريق واحد (المقاومة) أما الحديث العبثي عن المفاوضات والتسويات، فهو مضيعة للوقت وهدر لدماء الشهداء وقهر الأسرى خلف القضبان .
الدكتور عتريسي : الأبعاد النفسية والاجتماعية للحرب الناعمة
ومن جانب آخر تطرق الدكتور طلال عتريسي، عميد المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية إلى الأبعاد النفسية والإجتماعية للحرب الناعمة ، من حيث زعزعة القيم والعقائد، وإضعاف أقوى سلاح تملكه الأمة ، الأرث الحضاري والتاريخي والإنساني ، وقال أن الحرب الناعمة ليست حربا جديدة، بل أستخدمت أيام الحرب الباردة بين الإأتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية ، وهدفها الأساسي ضرب الإنتماء ، وأشار أن جوزيف ناي لخص معنى الحرب الناعمة ، بأن يجعلونا نفعل ما يريدون في حين نعتقد أننا نفعل ما نريد ، وبأستخدام كل الوسائل التضليلية الدعائية والسياسية والفكرية واللعب أولا على الجانب المذهبي . لأثارة الفتن وقال أن مشروع كوندليزا رايس يختصر تفاصيل هذه الحرب في بث سموم الفتن في المنطقةحين كانت تقول "الحكومات العربية السنية المعتدلة" .. وتحويل وجهة الصراع الوجودي مع العدو الى صراعات فئوية .
وحذر الدكتور طلال من حرب المصطلحات التضليلية، وحملات الجمعيات الدولية ، الداعية الى دورات تدعو الى التسامح المشبوهة في منطقتنا مع أنه الأجدر أن تكون هذه الحملات في الكيان الصهيوني العنصري. وختم أن المسؤولية تقع على عاتقنا بالدرجة الأولى إذ كيف نصنع صورتنا على الأقل لأنفسنا قبل أن نصنعها للغرب.. وهذا المدخل الطبيعي الواقعي للتعامل مع الحرب الناعمة.
الدكتور طي : آليات مواجهة التطبيع
وخصص الدكتور محمد طي من لبنان ، محور كلمته عن آليات مواجهة التطبيع، مؤكدا أن كل الدول الأستعمارية الأستكبارية أستخدمت منذ وقت طويل القوة الصلبة في تنفيذ مؤامرتها على الأمة التي تقوم على التهديد والأكراه أو على الإغراء لتحقيق أهدافها كما أشار جوزيف ناي على المغريات ( الجزرات ) وعلى التهديدات (العصي) ، كما أستخدمت الوجه الثاني للقوة ( القوة الناعمة ) وقال أن مواجهة الحرب الناعمة لا يقتصر على فلسطين فقط ، لأن التخطيط لأحتلال فلسطين كان يستهدف المنطقة بكاملها ، ولأن العدو الصهيوني يهدد اليوم كل أقطارها ، وأخيرا لأن الأمبريالية والصهيونية مقتنعتان بأن شعوب المنطقة كافة تدرك ضرورة التصدي للأحتلال والمؤامرة الصهيونية التي لا حدود لوجودها ، وتحدث عن وسائل الحرب الناعمة على المنطقة ، ومنها مشاريع التبادل الطلابي، وهي برامج منح دراسية ممولة من وزارة الخارجية الأمريكية ، تستهدف الشباب العربي من طلبة المدارس الثانوية لمدة عام دراسي واحد ، بهدف شطب الثقافة التي تربوا عليها ، وأحلالها بالثقافة الأمريكية بكل تفاصيلها ، والتي يكون لها تأثيرها الأكبر حين تكون مباشرة في تفاصيل حياتية يومية، يتشاركون فيها الحياة مع طلاب وطالبات امريكيات ، ويتخللها مواد دراسية عن المجتمع الأمريكي ، عدا عن الوسائل الدبلوماسية.
وتحدث الدكتور طي عن الدور المقصود في إرسال ( الدول الشريكة ) قادة بارزين الى الدورات التدربيبة العسكرية الأمريكية ، ذلك أن ثلاثة وعشرين من خريجي الكلية الحربية للجيش الأمريكي تولوا منصب رئيس الدولة في بلادهم ، كالعاهل الأردني وملك البحرين ، كما حصل ما يقرب من نصف كبار الضباط الذين تلقوا تعليمهم في ( كلية الحرب البحرية ) على رتبة ضابط عام كما تنقل أكثر من 200 ضابط ( حوالي 10 في المائة ) بين الرتب، ووصلوا في النهاية الى قيادة القنوات البحرية لبلادهم إضافة الى الدورات التدريبية الأمريكية المعدة خصيصا لكبار الضباط في الأردن والبحرين ودول النفط التابعة .
وتحدث الدكتور محمد عن خطورة سريان مفهوم ( بدنا نعيش ) الذي تسرب للأسف بين قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني الواقع تحت ضغط كبير بعد إشاعة أجواء اليأس ، وتفريط القيادة الفلسطينية بكل الحقوق والثوابت، والتخلي الكامل عن خيار الكفاح المسلح الى لعبة المفاوضات الطويلة الأمد بلا طائل ، وحذر من خطورة ترداد المصطلحات الصهيونية، وهي من نتائج الحرب الأعلامية الصهيونية ، بحيث أصبحت هذه المصطلحات السيئة الذكر جزءا من المصطلحات الفلسطينية والعربية ومنها ( إسرائيل بدلا من فلسطين المحتلة أو الكيان الصهيوني الغاصب ) وعرب ( إسرائيل بدلا من الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948 ) وفلسطين بدلا من الضفة وقطاع غزة أو الفلسطينيين بدلا من الشعب الفلسطيني مع أن لكل منها مدلولا مختلفا عن الآخر ، الإدارة المدنية بدلا من سلطات الأحتلال . أغلاق … بدلا من منع الدخول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 ، خطوات أمنية بدلا من عمليات أنتقام وعقاب ، العمليات الأنتحارية بدلا من العمليات الأستشهادية .
كلمة اتحاد الكتاب العراقيين : أدوار المثقفين المشبوهة
وكان ختام الجلسة الإفتتاحية ، مع كلمة حسن عبيد عيسى ممثل إتحاد الكتاب العراقيين حول (نجم والي والتطبيع الثقافي) حذر فيها من أدوار المثقفين المشبوهة في ترويج وتسويق التطبيع الثقافي مع العدو الصهيوني ، واصفا أياهم بأكوام القاذورات التي لا بد من التصدي لها، وفق خطة مبرمجة فاضحة ومحاكمة علنية لهم ، ليكونوا درسا في وقت فشل فيه الكيان الغاصب في تطبيع الشعوب العربية …
وقال مع ذكر كلمة تطبيع ، لا بد من أستعادة الحقائق الراسخة كي لا ننسى ، أولها طبيعة هذا الكيان الإستيطاني الإستعماري للأرض والهوية، ثانيا قضية شعب أرض القداسة فلسطين ، الذي هجر من وطنه مقابل مجيء رعاع من كل أنحاء الدنيا، ليستوطنوا أرض كنعان التاريخية أم الحضارات، ثالثا أولوية فضح ممارسات العدو الأرهابية من حملات الأعتقال المستمرة لكل الفئات العمرية مع التركيز أعلاميا على حملات أعتقال الطفولة والتدنيس المستمر للمقدسات من قطعان المستوطنين ، والتذكير دوما بطبيعة الكيان وأهدافه الذي لا يعترف بحدود له، فالكيان الصهيوني هو الوحيد الذي لا يوجد له خرائط تثبت حدوده لأن مشروعه التوسعي مستمر وسط الصمت المخزي .. عن التزوير العلني لحقائق التاريخ .
وأشار عيسى الى خطأ ربط التطبيع بإتفاقية العار كمب ديفيد عام 1977 فقد بدأ التطبيع عام 1947 وقبل ذلك أيضا ، وتحدث عن التطبيع الثقافي، يوم ترجم كتاب( يوميات نائب في الأرياف لتوفيق الحكيم عام 1947) الى العبرية ، وتطرق الى مبادرة كلينتون عام 2012 ، لمحاولة تكريس التطبيع عبر مشروع الصداقة العربية الصهيونية . وأسهب عيسى في الحديث عن (نجم والي ) كنموذج صارخ للتطبيع الثقافي الذي أساء لكثير من نماذج الثقافة والفن الملتزم وهو يكتب في جريدة الحياة وجريدة المستقبل مقالات تبث سموم التطبيع مع العدو الصهيوني ، مما يستوجب محاربة هذه النماذج التي تكتب عن الصهاينة الأعداء ، كأنهم ملائكة في روايات مخصصة تنشر وتوزع على الأجيال لتسئ للتاريخ والوجود …
الجلسة الثانية : شعرية القصيدة المقاومة
تمحورت الجلسة الثانية تحت عنوان "شعريّة القصيدة المقاومة 1"، وترأس إدارتها مدير الآداب الفرع الثاني الدكتور ديزيريه سقّال. المداخلة الأولى كانت للشاعر العربي واللبناني الكبير محمد علي شمس الدين، إذ أكد أن القصيدة المقاومة تنقل من الصراع من حقل الحياة إلى حقل الكلمات لتعمل على المساحة النفسية داخل الإنسان لتكون فاعلة في حقل الانسان فيما بعد .وإذا عدنا إلى العصر الجاهلي فتعتبر معلقة عمر بن كلثوم نموذج المقاومة الأول فضلا عن معلقة عنتر الذي يتحدى فيها الملوك بل لعله يتحدى الناس جميعاً وهنا تبرز الحمية العربية في أبياته .
أصل التحدي هو الدفاع عن القوم عن القبيلة وذروته الملحمية وصف المعركة وذروة النخوة في البيت الأخير (إذا بلغ لنا الفطام له صبي...)، و معلقة عنترة أشد تعبيراً بماتحمل من آنفة وشرف وحب الموت في سبيل الدفاع ،ولا أعتقد أن شاعراً في التاريخ وصل إلى ماقاله عنترة
(أثني عليه بما علمت فإنني سمح مخالقتي إذا لم أظلم
فإذا ظلمت فإن ظلمي باسل مرٌ مذاقه كطعم العلقم ِ)
وتابع الشاعر شمس الدين أن تشبث الانسان الجاهلي بالأرض والعرض والحب والموت فقدت للأسف اليوم هذه المعاني..وفي اللحظة التي انتحر فيها الشاعر خليل حاوي (1982) أثناء الاجتياج الاسرائيلي للبنان يبتعد عن قوة شعر عنترة وعمر بن كلثوم إذ نجد أن الشاعر حاوي كان رد فعله سلبياً انهزامياً ،بينما نجده مع الآخرين ردا ايجابيا حماسيا .
وبيّن الشاعر شمس الدين أنه يوجد هناك ثلاث مستويات للشعر المقاوم :
1- شعر الإقامة في المكان : مثال على ذلك شعراء المقاومة الفلسطينية ، وشعراء جنوب لبنان ..وهنا يعيش الشاعر في المكان الذي ينتمي إليه مثال الشاعر موسى شعيب.
2-الاغتراب : شعر المنفى ،،ربما كان هذا الشعر أعذب لأن فيه شيء من العذاب ،كان المتنبي يقيم في غربة نفسه ويقيم في قصائده . والانتقال بالشعر من حيز الإقامة إلى حيز الرحيل إلى الاقامة في اللغة .
3-اللغة:اللغة هي ابتكار الأوطان تتغير ولكن الذي يخترق الأزمنة هو الابداع ،اللغة هي الكيان .
الشاعر خالد أبو خالد : ليس من واجب الشعر تمجيد البطولات فقط
أشار الشاعر خالد أبو خالد في البداية إلى حسن اختيار مصطلح يوم العودة وليس حق العودة ،والفرق يعود إلى مابعد اتفاقية اوسلو على مبدأ أن الوطن عاد ولم يبق إلا العودة ،لذلك الأصح هو يوم العودة .وأكد أن شعر المقاومة الفلسطينية لم يعد حكراً على الشعراء الفلسطنين وإنما أصبح على مستوى الشعراء العرب وذلك بشكل خاص بعد نكسة 1967. والغزو الثقافي تزامن دائماً مع الحرب التي تشن على أوطاننا منذ خمسمائة عام بدءاً من الاحتلال العثماني إلى اليوم .
الأدب المقاوم الذي يتحدث عن حقوق هذه الأمة في التحرر ومقاومة المحتل ،إذا العدو عمل على الدوام على شقين : الشق العسكري الميداني، والشق الثقافي الأدبي. واليوم العدو يحاول أن يشن معركة إبادة وليس فقط احتلال للأرض من ليبيا إلى العراق والسودان وفلسطين ،لذلك من واجب الشاعر أو الأديب أن تكون تجربيته مبنية على رؤى وليس تمجيد للبطولات فقط وأن يجسد الواقع وعندما تكون الارادة موجودة يمكن أن يحقق كل شيء ،والشعر يعزز هذه الارادة .
الدكتورة عطية آربابي : وجع الفجيعة تحول إلى انتصار
لفتت الدكتورة الإيرانية عطية أربابي إلى أنه اذا ما تتبعنا الشعر مع مسيرة المقاومة ،يمكن أن نستنتج بأن الشعر لم يكن على مستوى الانتصار في البداية ،ففي العامين 1993 و1996 كان هناك انتصارين للمقاومة لكن الشاعر لم يستطع أن يستوعب هاتين التجربتين وذلك مرده إلى الهزائم السابقة على المستوى العربي .
وحللت الدكتور اربابي قصائد المقاومة للشاعرة هدى ميقاتي من خلال وتطورها مع مراحل تطور المقاومة،ففي قراءة لقصيدة لها 1997 تتحدث هدى ميقاتي عن ظلم كبير لايحتمل وحزن عميق بالإضافة إلى الحرية والتي رمزتها من خلال صورة الطائر .بعد ذلك انتقل الوجع من وجع الفجيعة إلى التحولات التي أدت إلى الانتصار فيما بعد ،وحدث هذا الانتصار في عام 2000 عندما رحل العدو يجر خذلان الهزيمة وهنا السؤال هل سينعكس ذلك في شعر الشعراء ؟.
وتجيب أربابي : نجد في قصيدة لهدى ميقاتي في 2002 ألقيت في مقام السيدة زينب في الشام التطور الذي طرأ على الشعر والذي يؤكد على أحقية الثورة بالانتصار بالنهاية والذي سيتجلى في تحرير فلسطين في النهاية ،فهذا الانتصار عند هدى ماه و إلا ارهاصا كبيراً وصولاً إلى الانتصار الكبير في فلسطين ،وبأن المقاومة التي هزمت العدو في جنوب لبنان ستهزمه في حيفا وتل أبيب ..