الإعلاميّة لميس الحديدي شعرت بالخديعة. مشاركتها في المطالبة بسفر عبد الله آلمتها كثيراً. ذلك ما أعربت عنه في مداخلة طويلة في برنامجها، كالت فيها كمّاً كبيراً من الشتائم للمخترع الصغير
«لم نكن نعرف أنك عميل وخائن، لن تعود إلى مصر أبداً، هذا هو أفضل عقاب لك ولأهلك». هذا ما قالته لميس الحديدي، بنبرة الصراخ، في برنامجها الشهير «هنا العاصمة» تعليقاً على الخبر التالي: «المخترع الصغير يرفض العودة إلى مصر».
محمود عزّت/ جريدة السفير
القصة باختصار: المخترع الصغير، هو عبد الله عصام، 17 عاماً، طالب في المرحلة الثانوية بمدرسة «دار حراء» الإسلامية في أسيوط، نجح في اختراع نظارة طبية يرتديها مرضى الشلل الرباعي، وتساعدهم على تحديد مطالبهم اليومية كبديل عن الكلام.
لذلك تمّت دعوته لتمثيل مصر في المسابقة العالمية Intel ISEF 2014 التي تقيمها شركة «إنتل» في لوس أنجليس بالولايات المتحدة الأميركية، الخاصّة بالابتكارات العلمية للتلاميذ على مستوى العالم بشكل سنوي، وتحكّمها لجنة تضم عدداً من الحاصلين على جائزة نوبل في العلوم. لكنّه حال وصوله إلى المطار فوجئ بمنعه من السفر.
وكان قد ألقي القبض على عبد الله، نهاية نيسان / أبريل الماضي في القاهرة، ثم أُخلي سبيله بكفالة مالية، بعدما وجهت إليه عدّة تهم منها: «الانضمام إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، والاشتراك مع آخرين في إحراق سيارات شرطة وأمن مركزي»، ولا تزال التحقيقات جارية بشأنها. بعدها انتشر الخبر في الصحف ووسائل الإعلام، وتمّ تلقيب عبد الله بالـ«مخترع الصغير»، وانطلقت دعوات تطالب السماح له بالسفر لتمثيل مصر في المسابقة العلمية المرموقة، شاركت في هذه الحملة لميس الحديدي نفسها عبر برنامجها. وبالفعل، أصدرت السلطات قراراً بالسماح له بالسفر على أن يتمّ استكمال التحقيقات حين عودته.
إلى هنا تبدو القصة طبيعية ولطيفة وموحية بالأمل، لكن عبد الله كان له رأي آخر.
رفض الولد أن يستسلم للوهم. نبوغه الذهني ربما وفّر له رؤية واقعية للأمور بينما كان هناك بعيداً في مناخ آخر وأجواء أخرى، فقرّر عدم العودة إلى مصر بعد انتهاء فعاليات المسابقة الخميس الماضي، وقام بإبلاغ الشرطة الأميركية برغبته في عدم مرافقة البعثة المصرية العائدة وبقراره البقاء في الولايات المتحدة، وفور وصول الأخبار إلى مصر، قامت عليه القيامة.
الإعلاميّة لميس الحديدي شعرت بالخديعة. مشاركتها في المطالبة بسفر عبد الله آلمتها كثيراً. ذلك ما أعربت عنه في مداخلة طويلة في برنامجها، كالت فيها كمّاً كبيراً من الشتائم للمخترع الصغير، وعائلته. وأضافت أنّ الدولة المصريّة لا يجب أن تصرف ملّيماً واحداً لاستعادته، لأنّه خائن، ولا يستحقّ العودة إلى أمّ الدنيا. ربما كان على الولد الناكر للجميل أن يعود ليضع مستقبله العلمي وحياته كلّها رهناً للمجهول، في انتظار منحة العفو الأمنيّ في قضايا خطيرة وكبيرة، قد تصل عقوبتها لعشرات السنوات على الأقل من السجن. ربما كان عليه أن يقضي السنوات القادمة من عمره في التوسل إلى الإعلاميين من شاكلة لميس الحديدي، ليساندوه ثم الوقوف بالساعات على أبواب المسؤولين وكبار الضباط للتفضّل عليه بإسقاط كل تلك التهم الخرافية التي ارتكبها في حق وطنه.
أهذا ما يستحقه منك الوطن يا عبد الله؟
ربما كان الأفضل أن يبتعد عبد الله تماماً، عن كل شيء يحدث في مصر الآن: بعيداً عن أجواء الفاشية الوطنية المتصاعدة التي لا تسمح إلا بصعود أمثال اللواء عبد العاطي مخترع جهاز الكشف عن الإيدز، وبعيدا كذلك عن أسرته ومحيطه المؤيدين لمحمد مرسي، فيتوقف عن التفكير في خرافات مثل أنّ «مرسي راجع» أو «الانقلاب يترنّح».
هناك، بعيداً عن هذا المستنقع الكبير كلّه، ربما يجد عبد الله طريقاً أفضل.
من المؤسف أن تكون هذه الحقيقة يا لميس. فرصة عبد الله في التحقق كعالم عربيّ هناك في الولايات المتحدة، تبدو أكثر منطقية بكثير من بقائه في بلده الأم، حيث سيتطلب حصوله على أقل حقوقه وقتاً ومجهوداً ومشاوير ومداخلات تلفزيونيّة ربما من الأفضل أن يوفّر وقتها للتفكير والعمل.