هل تغيرت مناطق النفوذ الدولية في الشرق الاوسط؟ وما هو موقع لبنان في مناطق النفوذ؟ لا مؤشرات حقيقية حتى اليوم حول خضوع لبنان راهناً لنفوذ جهة محددة، وإنما يشكّل في الوقت الحاضر منطقة «تفاهم» معزولة
استحقاقات المنطقة ترسم خطوط التماس الدولية
داود رمال
هل تغيرت مناطق النفوذ الدولية في الشرق الاوسط؟ وما هو موقع لبنان في مناطق النفوذ؟
لا مؤشرات حقيقية حتى اليوم حول خضوع لبنان راهناً لنفوذ جهة محددة، وإنما يشكّل في الوقت الحاضر منطقة «تفاهم» معزولة عن صراع النفوذ الدائر في محيطه العربي. فالمنطقة تتّجه الى مسار جديد من التعاطي مع التطورات التي فرضها الحراك في دول ما سمي «الربيع العربي»، والتي انتجت عدم استقرار وفورة متصاعدة للجماعات المتطرفة حاملة الفكر التكفيري. لكن هذا المسار لن تتّضح معالمه قبل انتهاء الاستحقاقات الاساسية والمتمثلة بالانتخابات العراقية والمصرية والسورية.
وبديهي أن الانتهاء من هذه الاستحقاقات ونتائجها سيؤثّر في إعادة رسم خطّ التماس الأميركي ـ الروسي ومناطق نفوذ كل منهما وكذلك المناطق «المشتركة» بينهما، الامر الذي ينسحب على الدائرين في فلكيهما.
ويروي أحد الذين عايشوا المفاوضات اللبنانية ـ الاسرائيلية برعاية اميركية والتي افضت الى اتفاق 17 ايار، أن رئيس الوفد الاميركي في هذه المفاوضات موريس درايبر، وهو نائب للموفد الاميركي الى لبنان فيليب حبيب، كان يتناول العشاء مع مجموعة من النواب اللبنانيين في بيروت، ومن بين الحاضرين يومها الرئيسان تقي الدين الصلح وحسين الحسيني الذي خاطب درايبر بالقول: لا يمكن فرض اتفاقية على الشعب اللبناني لان نصفه يدين بالولاء لسوريا المدعومة من الاتحاد السوفياتي، ولا يمكن التفرد بالقرار لان التفرد لن يؤدي الى نتيجة. ومن الآن اؤكد لك اننا لن نقبل بأي اتفاق».
ويضيف «طلب درايبر ورقة وقلما، ورسم خريطتين متقابلتين يتوسطهما هلال، وكتب على اليمين عبارة مناطق النفوذ الاميركية وعلى اليسار عبارة مناطق النفوذ السوفياتية، وعلى الهلال كتب عبارة مناطق النفوذ المشتركة. وقال درايبر نحن لا نتفاهم مع السوفيات في ازمة تتعلق بمناطق النفوذ التابعة لنا، ونحن نعتبر لبنان في منطقة الشرق الاوسط التي هي من ضمن مناطق النفوذ الاميركية، وبالتالي نحن لا نجلس مع السوفيات من اجل موضوع لبنان او اي موضوع يتعلق بدول المنطقة، تماما كما حصل إبان ازمة الصواريخ السوفياتية في كوبا حيث رفضنا الجلوس الى الطاولة مع السوفيات واصررنا عليهم بسحب الصواريخ من كوبا، ولم تنته الازمة الا بعدما تم سحب الصواريخ. وهنا سأل الحسيني درايبر: اي المناطق التي تجلسون مع السوفيات اذا حصلت ازمة فيها؟ فأشار درايبر الى الهلال وسمّى كلاً من بولونيا، وألمانيا التي يومها كانت شرقية وغربية، وكوريا بشقيها الجنوبي والشمالي».
الرواية تشكّل نموذجاً لصراع النفوذ الحالي في المنطقة، والذي يبدو أن مصر ستكون احدى ركائزه الأساسية، خصوصاً بعد الانتخابات الرئاسية التي ستأتي بالمشير عبد الفتاح السيسي الذي يدشّن عهداً جديداً يقوم على الحكم المدعوم من الليبراليين.
يعتقد العديد من القيادات اللبنانية التي زارت القاهرة والتقت المشير السيسي أن دورا مصريا سيتصاعد تباعاً على صعيد الامن القومي العربي، باعتبار ان الامن القومي المصري هو جزء لا يتجزأ من اعادة صوغ التوازنات المطلوبة في المنطقة.
ويرى الزوّار اللبنانيون ان «مصر عبد الفتاح السيسي ستقدم على ثلاث خطوات، هي:
ـ انهاء الوضع الشاذ في سيناء عبر وضع حد لكل المجموعات الارهابية.
ـ وضع حد نهائي للازمة القائمة بين مصر واثيوبيا لجهة سعي الاخيرة لاقامة سدود على مجرى نهر النيل مما يحد من نسبة المياه المتدفقة الى مصر (في مصر كل يوم هناك حاجة الى 500 مليون رغيف خبز، اي ان الحاجة ماسة للقمح وبالتالي الحاجة كبيرة للمياه واي اجراء اثيوبي من جانب واحد على النيل سيخفض من نسبه المياه في مصر ويخفض معها انتاج القمح، ما يعني حاجة مصر الى مزيد من شحنات القمح من الخارج، ولذلك اثمان سياسية).
ـ الدخول العسكري المصري الى شرق ليبيا وعبر تفاهم وتنسيق مع السلطات الليبية ومباركة اميركية، وذلك لسببين:
الاول، من هذه المنطقة تتدفق الاسلحة والمسلحون الارهابيون الى سيناء والمدن والمحافظات المصرية التي شهدت عمليات تفجير ارهابية دموية، وبعد وقف تدفق السلاح من غزة الى سيناء يبقى الشرق الليبي.
الثاني، في ظل الفوضى القائمة في ليبيا والتي تهدد الثروة النفطية وتعرضها للنهب، فان مصر تتولى تأمين الاستثمار الآمن للنفط في الشرق الليبي مقابل سد حاجتها من النفط واستثمار ذلك في عملية تطوير الاقتصاد المنهك وترسيخ الاستقرار الاجتماعي».
ويشير الزوار إلى ان «اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر مدعوم من الجيش المصري ويتلقى الدعم المالي من دول خليجية مناهضة للاخوان المسلمين للقضاء على المجموعات التكفيرية وجماعة الاخوان المسلمين، لان القضاء على اخوان ليبيا يعتبر امتدادا للقضاء على اخوان مصر، بحيث تحمى الخاصرتين المصريتين الرخوتين اي الشرق الليبي وسيناء المرتبطة جغرافيا بغزة».
ولأن مصر من ضمن مناطق النفوذ الاميركية، فهل يمكن أن يتّخذ السيسي خطوات استـراتيجية كهذه من دون ضوء اخضر اميركي؟. هنا قد يكون من المفيد العودة إلى خريطة درايبر ومناطق النفوذ الأميركية.
http://www.assafir.com/Article/1/351457
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه