يجلس المخرج السوري أياد نحاس على كرسيه لمراقبة تصوير المشاهد. تستدعيه بعض المواقف إلى ترك مكانه، والاقتراب أكثر من الممثلين. يتسم عمله بالجدية المطلقة، كأنّه في موقع عسكريّ حقيقيّ
في ربوع قرية المحمودية الجنوبية (قضاء جزين)، يكسر صراخ امرأة الصمت السائد. هنا لا وجود للمنازل أو المتاجر، بل فقط مجسّم لأحد معابر «جيش لحد»، حيث يجري تصوير المشاهد المتبقية من مسلسل «ملح التراب».
هنا ممثلة تؤدّي دور سيّدة تصرخ في وجه جندي. يعيدنا المشهد إلى حقبة التسعينيات، أيام احتلال إسرائيل لجنوب لبنان، في عمل من إنتاج «مركز بيروت الدولي للإنتاج»، ستعرضه قناة «المنار» خلال شهر رمضان المقبل.
زينة برجاوي/ جريدة السفير
بعد مسلسل «الغالبون» بجزءيه، و«قيامة البنادق»، يبصر «ملح التراب» النور ليتابع سلسلة توثيق تاريخ المقاومة الإسلاميّة. يرفض القيمون على المسلسل فكرة أن يكون استكمالاً لـ«الغالبون»، بل يصفونه بالعمل الجديد، من حيث الحبكة الدرامية التي لا تركّز فقط على الجانب العسكري للمقاومة، بل تظهر صورة يجهلها كثيرون عن المقاومة.
يحمل المسلسل توقيع المخرج السوري أياد نحاس في تعاونه الأوّل مع تلفزيون «المنار»، والكاتب جبران ضاهر الذي يقدم للمرة الأولى نصّاً يتعلق بموضوع المقاومة. ويشارك في «ملح التراب» نخبة من النجوم، ومنهم مهدي فخر الدين، وعمار شلق، وديامان بو عبود، وكارول عبود، وحسام الصباغ، وحسان مراد، ووسام فارس، ومحمد علاء الدين، وسليم علاء الدين وغيرهم. ومن سوريا، يشارك في بطولة العمل سعد مينا، وشادي زيدان ومديحة كنيفاتي.
دراما من نوع آخر
انطلق التصوير منذ أكثر من أربعة أشهر، ويشرف اليوم على النهاية. وكان فريق العمل قد اتخذ عدداً كبيراً من المناطق الجنوبية كمواقع تصوير له. في موقع التصوير الذي زارته «السفير» أمس الأوّل في المحموديّة، تحضر جميع المعدات اللازمة لتنفيذ المشاهد. بذلات خاصة بجيش لحد، سيارات قديمة تناسب الحقبة التي تتناولها الأحداث، آليات عسكرية وذخيرة.
يجلس المخرج السوري أياد نحاس على كرسيه لمراقبة تصوير المشاهد. تستدعيه بعض المواقف إلى ترك مكانه، والاقتراب أكثر من الممثلين. يتسم عمله بالجدية المطلقة، كأنّه في موقع عسكريّ حقيقيّ. وحدها مواقف مفاجئة، قد تستوقف التصوير ليُستأنف من جديد بسرعة كبيرة. قد يطلب إعادة تصوير المشهد أكثر من عشر مرات، وممنوع على أحد أن يتذمّر. يعبّر نحاس عن حماسته للمشاركة في العمل، «لتناوله البيئة الحاضنة للمقاومة، وليس فقط التركيز على العمليات العسكرية».
ويقول: «لا شيء اسمه دراما مقاومة، بل نحن أمام دراما من نوع آخر، تحكي عن بيئة خاصة من المجتمع اللبناني»، بحسب تعبيره. وتمنى نحاس أن «ينجح المسلسل في إيصال رسالته الرئيسية، وهي أن المقاومة دافعت عن كلّ لبنان، وحرّرته». يختم حديثه، ليتوجه مسرعاً مع فريق عمله، إلى مكان تصوير آخر.
لتجنّب الأحكام المسبقة
لم يشأ الكاتب جبران ضاهر أن يؤلف نصّه من دون الإتيان بأفكار جديدة. لضاهر تجربة كبيرة مع كتابة نصوص الدراما اللبنانية، وهو من مؤسسي المسرح العسكري. يقول لـ«السفير» إنّه أخذ بعين الاعتبار عدّة مسلّمات قبل كتابة النص. يقول: «بالرغم من أنّ الأحداث خياليّة، إلا أنّ المشاهد سيشعر بأنّها حقيقة».
من هذا المنطلق، اختار ضاهر أن يُظهر المقاوم في صورة مختلفة عن التي يصوره فيها البعض، بحسب تعبيره، وهي صورة «الإنسان المثقف والمتعلم الذي يؤمن بقضية تحرير أرضه». ويتطرق ضاهر في نصه إلى فكرة ثانية وهي أن المقاومة لا تعني الفقراء فقط، «بل هناك أيضاَ أثرياء يقاومون على الصعيدين المادي والإنساني».
كما يصوّر قصّة حبّ بين مقاوم يعيش في إحدى القرى الجنوبية، وشابة هي ابنة القرية ذاتها، لكنها تعيش في بيروت. إضافة إلى ذلك، يركز ضاهر على دور الأم الجنوبية «الجبارة». ويلفت إلى «أنّه جمع كل هذه العوامل لينبّه من ضرورة التعاطي مع المقاومة ومعرفتها على طبيعتها قبل الحكم عليها».
مليون دولار
يشير مدير الإنتاج أحمد زين الدين إلى أنّ «كلفة المسلسل كبيرة وقد تخطّت المليون دولار أميركي». يعرب عن شكره لمديرية التوجيه في الجيش اللبناني لتسهيلها سير العمل. يقول زين الدين إنّ «المسلسل يجسّد ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، ويرصد قصصاً لعائلات مؤيدة ومعارضة للمقاومة». ويضيف زين الدين أنّ العمل لم يُنفذ بطريقة وثائقية أو أرشيفيّة بل يرصد واقع الحياة اليومية في الجنوب، خلال مرحلة التسعينيات.
وعن سبب عدم إنتاج جزء ثالث من مسلسل «الغالبون»، يستبعد زين الدين، ردّاً على سؤالنا، أن يكون السبب في ذلك عدم الرغبة بالتطرق لحياة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. يقول: «فكرة إنتاج عمل ضخم يليق بانتصارات السيد نصر الله، واردة، وكذلك فكرة إنتاج عمل خاص بالشهيد عماد مغنية، لكن هناك حسابات خاصة بإستراتيجية الحزب تتعلق بهذا الموضوع».