بحث في أهمية الأدب المقاوم ، وقدم قرءاة أدبية نقدية كيف للنص ان يرتقي ليصبح جديراً بالتعبير عن دماء الشهداء ، فالبرغم من أنه يوجد انتاج كثير للأدب المقاوم إلا أنه محدود في تعبيره عن هذه الدماء وحجم الواقع
إستأنف مؤتمر "أدب المقاومة ومواجهة الحرب الناعمة " أعماله يوم أمس الثلاثاء، في قصر الاونيسكو في بيروت، الذي أفتتحت فعالياته مطلع الأسبوع ، في إطار فعاليات يوم العودة، بدعوة من مسيرة العودة إلى فلسطين، وجمعية القدس الثقافية ، وجمعية نساء من أجل القدس ، والمنظمات الشبابية اللبنانية ، والملتقى الثقافي الجامعي، وذلك وفقاً للبرنامج المقرر والذي أعلن عنه في يوم الافتتاح وبحضور شخصيات أدبية ولفيف من المهتمين وقد توزع إلى ثلاث جلسات ناقشت الأدب المقاوم بشقيه الروائي والشعري .
الجلسة الأولى : أدبية الرواية المقاومة
ترأس الجلسة الأولى الدكتور علي حجازي مدير كلية الآداب الفرع الخامس والتي تمحورت المشاركات فيها حول عنوان أدبية الرواية المقاومة، وكانت البداية مع الدكتورة الايرانية رقية رستم بور وقد تناولت عناصر القصة في رواية "صورة شاكيرا " للكاتب محمود شقير، وقد نقلت تفاصيل هذه القصة التي تميز كاتبها بأسلوبه المتهكم والتي تحاكي الواقع الفلسطيني وانعكاسات الاحتلال الاسرائيلي عليه من خلال وصف سريع للشخصيات التي تضمنتها هذه القصة، والدلالات التي أرادها الكاتب من خلال تسمية بعض الشخصيات المعروفة عالمياً والمفارقة بين واقع الاحتلال وبين واقع يعاش منفصلاً عنه، بالإضافة إلى عنصر المفارقة في تعاطي حكام العرب مع الاجتياح الاسرائيلي لبيروت 1984 فقد كانوا منشغلين بمتابعة مباريات كأس العالم وفقاً لوصفها كما يحدث اليوم ،فهي قدمت ملخصاً لهذه القصة وتحليلاً لنوايا ومقاصد الكاتب التي رمى إليها من بين السطور .
أما المداخلة الثانية فكانت عن البعد المقاوم في رواية " أرض وسماء" لسحر خليفة مع الدكتور لؤي زيتوني من لبنان الذي انطلق من عنوان الرواية الذي يطرح تساؤلاً ضبابياً نوعاً ما "أية أرض ننطلق منها أم أية سماء ؟ هل يضع الأرض في مواجهة السماء أم في تكامل ؟ فالتنكير بالعنوان يشير إلى جانب المجهول أرض مجهولة او سماء مجهولة " وبهذا التحليل لعنوان الرواية يخلص الدكتور زيتوني إلى أن الكاتبة أردت أن تصل الفكرة بأن كل الأجواء التي كانت تحيط هذا المكان من أجواء الربيع العربي عبر الاعلام لم تصل إلى هذا المكان الذي تتكلم عنه، والذي بقي معزولاً من خلال الحصار الذي عاشته الراوية والذي مورس عليها من قبل الاحتلال الاسرائيلي.
وقد تحدث عن المكانات التي أوردتها الكاتبة في روايتها والتي نقلت صوراً من صور مواجهة الاحتلال في أكثر من قرية فلسطينية (بئر السامرية ، قرية عين الغزلان ..) كان مع كل شخصية في الرواية دلالة سياسية ترتبط بتغيرات الربيع العربي وفقاً لما عرضه الدكتور لؤي الذي اختتم بالقول أن الرواية في تداخلاتها بين الحاضر والماضي شكل عنصراً حيوياً في قرءاتها لواقع هذه الأمة التي تأبى غلا أن تكون دائماً قبراً تحت الشمس .
بعد تعريف الدكتور علي حجازي بالروائي الفلسطيني الدكتور حسن حميد كان للاخير اعتراف افتتح فيه مداخلته حول رواية فاتن المر "مفتاح نجوى" والذي أقر بأنه لم يكن يثق بالكتابات النسوية للرواية والتي غالباً ما تكون ذات منشأ ذاتي فردي ، إلاّ أنه نصح بقراءة هذه الرواية للدكتورة فاتن المر والتي تحمل نبضاً وطنياً يعبر عن آلم ورغبة بالتغيير عبر محاكاتها لواقع فتاة فلسطينية تعيش في مخيم صبرا وشاتيلا في بيروت ومراسلات مع زميلة لها لبنانية من جذور فلسطينية، وقد عبرت الكاتبة باحساس عال وخيال جسد واقع لشعب هجر عن وطنه في وصفها لهذه المعاناة التي تختصر في أجيال متعاقبة بين الألم والرغبات ، واعتبر الدكتور حميد أن هذه الرواية تحمل مضامين عالية وبطريقة أدبية محترفة تستحق أن تكافأ كقيمة أدبية تجسد الأدب المقاوم بكل معاييره .
واختتمت هذه الجلسة بمشاركة من الروائي رشاد أبو شاور من فلسطين الذي أكد على أهمية الرواية المقاومة في مواكبة الواقع والتحولات التي تنعكس أثراً وتأثيراً على الأدب المقاوم الذي ينبغي أن يكون على قدر واع في تفسير هذه التحولات وإعطاء أجوبة على كل التساؤلات التي قد تطرح أو فتح الباب على أسئلة مشروعة تؤسس لنتائج ايجابية في ذهن المتلقي .
الجلسة الثانية : شعرية القصيدة المقاومة
بعد الرواية المقاومة ،تمثل الشعر المقاوم في الجلسة الثانية التي تناولت شعرية القصيدة المقاومة مع الشاعر الياس لحود والشاعر محمد زينو شومان من لبنان ، وقد أدارت الجلسة منسقة الماستر في الآداب الدكتورة هند أديب دورليان ، وافتتح الشاعر الياس لحود شهادته عن تجربته الشعرية والمقاومة بقصيدة ألقاها على الحضور وشرح المعاني التي أوردها بين ثناياها ، مؤكداً على أهمية الشعر في نهضة الأمم وتوجيه ثورتها ضد المحتل ، وهذا ما كرسه شعراً بتجربته الفردية الذي يراها نموذجاً للتكامل بين المقاومة والكلمة الشعرية وقد لاقاه الشاعر محمد شومان في شهادته التي تركزت أيضاً على أهمية الشعر المقاوم ، والمنطلقات التي ينطلق منها في فضاء الدفاع المقدس عن الأرض في وجه أي محتل ، وقد كانت قصائده تصب أيضاً في نفس الهدف الذي نشأ من أجله الأدب المقاوم المتمثل بالقصيدة الشعرية هنا .
الجلسة الثالثة : أدبيّة الرواية المقاومة 2
وبالعودة إلى أدبية الرواية المقاومة التي احتلت المساحة الأوسع في أعمال اليوم الثاني للمؤتمر الذي اختتم جلساته بالجلسة الثالثة التي ترأسها الشاعر الدكتور محمد أبو علي والذي استهل حديثه في طرح اشكالية ذات حدين وهما : ما مزيّة الرواية دون سائر الأنواع ، في التعبير عن الفعل المقاوم ؟ ومالسمات الأدبية التي ينبغي للرواية أن تتحلى بها كي يصح القول :إنها مقاومة؟ ،وقد كانت رواية "الطنطورية" المثال على البعد الصراعي والتفاعل بين الحدث وأسلوب التعبير عنه في تحليل وقرءاة نقدية طرحتها الدكتورة الروائية فاتن المر التي تتبعت أحداث هذه القصة التي اتخذت من قرية الطنطورية الفلسطينية مسرحاً لها ، هذه القرية التي تعرضت لمجزرة مكتومة لم يتحدث عنها في الاعلام ، ولاحقت بطلة الرواية رقية في معارج تحولاتها لتصل إلى استنتاج أنها تغلبت على الموت في سياق يفضي إلى أمل مشرق.
فيما أكدت الدكتورة مها خير بك المتخصصة في العلومة اللسانية واللغوية على سلطة الزمان ، فالزمن يتوزع بالرواية بين الحكاية والخطاب أي بين مدة زمانية يقتضيها توالي الأحداث في الحكاية ، وتشكيل زماني سردي في الخطاب ، رجوعاً أو مواكبة أو استياقاً ، مع مايتخلل ذلك من وقف ، أو حذف ، أو اختصار حتى يغدو زمن السرد هو المتحكم في السيرورة الروائية ، وقد تناولت في معرض بحثها الروايات التي أرخت لحرب تموز وما ولدته من نتائج ، وهل رسمت هذه الروايات نتائج هذه الحرب كحدث زمني .
وبالانتقال إلى الدكتور عبد المجيد زراقط فقد بحث في أهمية الأدب المقاوم ، وقدم قرءاة أدبية نقدية كيف للنص ان يرتقي ليصبح جديراً بالتعبير عن دماء الشهداء ، فالبرغم من أنه يوجد انتاج كثير للأدب المقاوم إلا أنه محدود في تعبيره عن هذه الدماء وحجم الواقع والتحولات التي طرأت عليه خاصة التحول الذي حصل في تاريخ المقاومة ومشروعها ، ومرد ذلك برأي الدكتور زراقط يعود إلى أن الكاتب والأديب لايزال يعيش في زمن الهزائم ولم يتكيف بعد مع زمن التحرير والانتصار ، فالتحول الحياتي يظل يحدث تحولاً أدبياً مادام الأديب قادر على أن يجسد هذا الواقع ويحاكيه بتغيراته أدبياً..
هذه الثقافة المقاومة التي نقلت المثقف من التفكير داخل دائرة الهزيمة إلى التفكير داخل دائرة الانتصار كما قال الدكتور علي زيتون في معرض بحثه الذي ألقاه عن المرأة المقاومة متناولاً قصة علي حجازي "القبضة الأرض" والتي تمثلت فيها المرأة الجنوبية بسجية الصمود التي امتلكتها وفرض عليها واقع الاحتلال أن تقاوم بصلابة وتتصدى له بقوة كقوة الرجال وربما تفوقت عليه في بعض الروايات وفقاً لما عرض الدكتور زيتون الذي وجد أن علي حجازي قد أنصف المرأة الجنوبية التي ورثت الصبر جدة عن جدة ،كما استطاع أن يقدم خصوصية أدبية في سياق خصوصية أدب المقاومة بالرغم من ثقافة المجتمع في نظرته إلى المرأة، وبهذه المشاركة اختتم المؤتمر أعماله في قصر الأونيسكو على ينتقل في يومه الثالث إلى البقاع مستكملاً جلساته الحوراية حول الرواية المقاومة وشعرية القصيدة المقاومة قبل أن يختتم أعماله.