22-11-2024 01:13 AM بتوقيت القدس المحتلة

الإمام الخامنئي : الجمهورية قادرة على الانتاج والخلق والبناء

الإمام الخامنئي : الجمهورية قادرة على الانتاج والخلق والبناء

كلمة الإمام الخامنئي (دام ظلّه) في لقائه أعضاء اللجنة المركزيّة للاعتكاف وأعضاء لجنة إقامة مؤتمر الاعتكاف الثالث

كلمة الإمام الخامنئي (دام ظلّه) في لقائه أعضاء اللجنة المركزيّة للاعتكاف وأعضاء لجنة إقامة مؤتمر الاعتكاف الثالث

الإمام الخامنئي المتواضع مع الناسإنّ المؤسسات التي نشأت في الجمهوريّة الإسلاميّة والشتلات التي أزهرت في المجال الاجتماعي والثقافي والديني، ليست واحدة أو اثنتان وبحمد الله، فإنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة والثورة الإسلاميّة أثبت أنّه يمتلك قدرة الإنتاج والخلق والبناء في المجالات المختلفة، إنّ إنشاء المؤسّسات هذا هو أحد مظاهر قدرة الإنتاج؛ إحدى هذه المؤسّسات تتمثّل في مسألة الاعتكاف والتي تقومون أنتم أيّها السادة وبحمد الله بالتصدّي لها والقيام بها.

إنّ الاعتكاف هو في الواقع حجز النفس وحبسها في مكان محدّد وإيجاد تقييد وحدود في النفس. العكوف يعني الإغلاق والإقفال وحصر النفس في نقطة معيّنة، لكي تتحقّق خلوة في القلب، فيستطيع الإنسان أن يجد فرصة للاتّصال الصميمي والصافي مع ربّ العالم؛ الاعتكاف هو هذا؛ أي إنّه عبادة تتضمّن الرياضة. الكثير من العبادات هي هكذا؛ تتمتّع ببُعد الرياضة. رياضات يفرضها الإنسان على نفسه بملء اختياره ورغبته طوعًا، لكي يسمو ويرتقي بباطنه ومعنويّاته وقلبه؛ الاعتكاف هو من جملة هكذا عبادات.

والمتعارف لدينا حاليًّا هو الاعتكاف لثلاثة أيام- حسنًا، لقد بحث الفقهاء أيضًا في هذه المسألة- ولكن يمكن الاستمرار والمتابعة حتى التسعة أو العشرة أيام في الاعتكاف. لقد أشرت حضرتك كان الرسول الأكرم يعتكف في الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان، حيث كان يبقى في المسجد ولا يخرج منه ويقوم بالأعمال داخل المسجد. الاعتكاف فرصة جيّدة؛ لحسن الحظ فإنّ إقبال الناس هذه السنةعالٍ جدًّا، شوق الشباب وعشقهم للاعتكاف مدهش ومحيّر.

لا أزال أذكر حين كنّا نعيش في مشهد، لم نكن نرى أصلًا كيف هو الاعتكاف في مسجد الإمام في الأيام البيض هذه . ولعلّه حين ذهبت إلى هناك وشاهدت الاعتكاف، كان يأتي بعض طلّاب العلوم الدينيّة، اثنان أو ثلاثة ، يختارون زاوية في باحة صحن المرحوم الحاج أبي الفضل- ذلك الصحن المرتفع- وينصبّون لهم خيمة للاعتكاف؛ ولعلّ مجموع الذين كانوا يعتكفون هناك لم يكن يصل إلى ثلاثين أو أربعين شخصًا. وفيما بعد، حين بُني مسجد السيد البروجردي، كان يأتي البعض حسب الظاهر ويعتكفون هناك، لم أشاهد اعتكافهم ولكن كنت قد رأيت اعتكاف مسجد الإمام.

لقد كان هذا (هو) كلّ مظاهر هذه السنّة العريقة والغنيّة ذات المعاني الراقية في تلك الفترة: في مدينة قم، ذلك العدد القليل! اذهبوا اليوم إلى جامعات البلاد لتشاهدوا ما يحصل- هذا غير الوضع في مسجد كوهرشاد (مشهد) ومسجد جمكران (قم) والمساجد الهامة الأخرى والأماكن التي تشهد توافد الناس احتشادهم؛ في مساجد الجامعات، مسجد جامعة طهران وغيره من الأماكن- سترون كيف أنّ طلابنا وشبابنا قد وقفوا في صفوف الانتظار قبل الاعتكاف وانتظروا دورهم لتسجيل أسمائهم والكثير منهم لا يجد له مكانًا ولا يتمكّن من التسجيل للاعتكاف؛ أي إنّه لا يتمكّنمن المشاركة؛ هذا الشوق العام لهذه العبادة وصل الى هذا الحد؛ حسن، هذه واحدة من البركات الإلهيّة. بحمد الله فإنّه تعالى هيّأ هذه الأرضيّة وأعطى هذا التوفيق وجذب قلوب الشباب نحوه بمغناطيس المحبّة الإلهيّة والذكر الإلهي؛ هذا الأمر الذي ينبغي اغتنامه والاستفادة منه؛ هذه فرصة.

كلّ فرصنا تحمل في داخلها تهديدات أيضًا، لقد أشرتم، أحد الموضوعات المقرّر أن تناقش في مؤتمركم هذا مسألة معرفة الآفات؛  خذوا مسألة معرفة الآفات والمشاكل هذه بمنتهى الجديّة. الاعتكاف هو مكان للعبادة؛ وبالطبع العبادة ليست الصلاة فقط؛ بل إنّالتواصل الجيّد مع المعتكفين، العلاقة الأخويّة والودّية، التعلّم منهم، تعليمهم، تجربة نمط المعاشرة الإسلاميّة وتعلّمها؛ كلّها فرص تسنح في الاعتكاف؛ ويجب التخطيط والبرمجة لهذه الفرص. إنّالعمل الأهم يتمثّل في التخطيط والبرمجة. فإن لم توضع برامج جيّدة ولم يتم مساعدةجموع الشباب  المتشوّقة والمتحمّسة التي تقصد المساجد للاعتكاف، فإنّ هذه الطاقات سوف تذهب هدرًا، وقد تصبح مضرّة. ينبغي أن تكون البرمجة ذكيّة وواعية وفي الوقت عينه واعيةلمعنى الاعتكاف. لنفترض مثلًا أنّ أحدهم يأتي ويبرمج لعرض أفلام في مراسم الاعتكاف! الأفلام ممكن مشاهدتها في كلّ مكان. مشاهدة الأفلام لا تحتاج إلى أيام بيض، ولا إلى المسجد، وما إلى ذلك. الغاية من الاعتكاف هي الاقتراب من الله. انظروا ما الذي تستطيعون فعله لتقريب قلب المعتكف من الله وتقريب عقله وذهنه أيضًا من الله، وبالطبع فإنّ الإنسان حينما يستأنس في باطنه وقلبه بالله تعالى سيترك ذلك تأثيراته على ظاهره وتظهر عليه علامات ذلك. 

حينما تعتري الإنسان حالة الخشوع فإنّ الخضوع أيضًا سيعقب الخشوع، وعندئذ سيؤثّر ذلك في حياته. الشاب الذي يخرج من الاعتكاف بعد ثلاثة أيام سيكون طاهرًا مغتسلًا وسيتحلّى بطهارة معنويّة، ويكون ذلك ذخرًا له. هذا شيء على جانب كبير من الأهميّة والعظمة؛  ثلاثة أيام من الصيام والانقطاع عن متابعات الحياة المتعارفة والتوجه لله تعالى وللمعنويّات وللمعارف والتوحيد؛ هذه أشياء لها قيّمة كبيرة. دقّقوا في تطبيق هذه الأشياء بصورة صحيحة وهدايتها وتوجيهها بصورة سليمة .ليكن الخطباء والمتكلّمون جيّدين وليتحدّثوا وليعلموا المعتكفين المعارف الدينيّة. وليجر تجنّب افتعال الأزمات والجدالات والضوضاء الهامشيّة مما يؤثّر عادة  على المجتمع ، ولنقض هذه الأيام الثلاثة بالاتّجاهات المعنويّة. وإذا خرجوا بعد ذلك، فهناك الكثير من الميادين والساحات والمجالات الحياتيّة يمكن للمرء أن يخوضها في المجتمع، ولكن ليكن الأصل في هذه الأيام الثلاثة هو الاتصال بالله، ولتجر البرمجة لذلك. هذا هو الأصل والأساس وسوف يتطوّر ويتنامى إن شاء الله. 

طبعًا الدعم والضيافة وما إلى ذلك أمور جيدة. سمعت أنّ بعض هذه المساجد كأنّها تستفيد من شوق الناس وإقبالهم هذا وتتقاضى أموالًا كبيرة من الذين يقصدون الاعتكاف فيها! يجب أن لا يكون الأمر على هذه الشاكلة. لا عيب في تقاضي الأموال من المعتكفين، وهذا هو الأفضل - الأمر الذي يقدّم الناس فيه المساعدة الماليّة ويشتركون فيه ماليًّا سيكون مباركًا، فمن خصوصيّات أموال الناس ومساعداتهم أنّها مباركة - ولكن يجب التدقيق لكي لا تتحوّل هذه المراسم إلى أجهزة لكسب المال التجارة وما إلى ذلك.

أملنا  أن يزيد الله تعالى من توفيقات المعتكفين يومًا بعد يوم، وأن تهطل أمطار الرحمة الإلهيّة على قلوبهم بالدرجة الأولى وببركة هؤلاء الشباب تهطل كذلك على قلوبنا السوداء، لنستطيع نحن بدورنا أيضًاأن ننهل من أنوارهم ومعنويّاتهم. وأعانكم الله أنتم أيضًا أيّها الأصدقاء الناشطون في أمر الاعتكاف، لتستطيعوا إن شاء الله القيام بهذا الأمر وبهذه الصدقة الجارية على أحسن وجه. 

والسّلام عليكم ورحمة الله.