تُعتبر منطقة «الدالية» المتاخمة لصخرة الروشة واحدة من آخر الفضاءات العامة في المدينة والتي تمتاز بخصائص بيئية واجتماعية وجغرافية فريدة. فهي مساحة مفتوحة على البحر وتشكل مكاناً مشتركاً للقاء فئات متنوع
تُعتبر منطقة «الدالية» المتاخمة لصخرة الروشة واحدة من آخر الفضاءات العامة في المدينة والتي تمتاز بخصائص بيئية واجتماعية وجغرافية فريدة. فهي مساحة مفتوحة على البحر وتشكل مكاناً مشتركاً للقاء فئات متنوعة من الذين يزورونها للاستمتاع بالبحر، والتنزه، والسباحة، وصيد الأسماك.
بدءاً من العام 1995، بدأت عمليات بيع كبيرة لعقارات «الدالية» لمصلحة شركات عقارية مضاربة استحوذت على معظم الحصص والأسهم من العائلات التي كانت تملك عقارات صغيرة في منطقة الروشة.
هدفت عمليات شراء تلك العقارات بالجملة الى إنشاء مشاريع سياحية ضخمة تخدم فئة اجتماعية صغيرة جداً من اللبنانيين والسياح. ولقد ظهرت خلال الاسابيع الفائتة أوائل ملامح هذا التغيير، مع مباشرة المالكين الجدد بالإدعاء أمام قاضي الأمور المستعجلة في بيروت لإخلاء الصيادين والأهالي لبيوتهم في «الدالية»، بوصفهم من «المعتدين» على الملكية الخاصة.
لكنه لا يجوز ان تبقى صورة المدينة ومستقبلها حكراً على مجموعة صغيرة من اصحاب الرساميل والمضاربين العقاريين، او ان ننظر الى التطور المديني حصراً من خلال عدسة الملكية الخاصة. بل على عكس ذلك، نحن بحاجة الى ترميم واعادة تأهيل المساحات الجماعية المشتركة التي هي أساسية لصحة اي مدينة وانتعاشها.
بالإضافة، لا بد من التذكير بأن:
أولاً، لدى المؤسسات العامة عدد كبير من الأدوات لحماية المرافق العامة من المصالح الخاصة، ومنها:
تاريخياً، حمى القانون اللبناني السواحل ووصفها كجزء لا يتجزأ من الملكية العامة. فقانون إشغال الأملاك العامة (المادة الثانية من الفصل الأول من القرار 144 لعام 1925) ينص على أن البحر، حتى الحد الأقصى لإرتفاع موج المياه، مجالاً بحرياً غير قابل للتصرف.
أدوات التنظيم المُدني المتعددة، مثل الاستملاك والضم والفرز والتنظيم خدمةً للمصلحة المشتركة، متاحة أمام السلطات القائمة، على مبدأ أولوية المصلحة العامة. علاوةً على ذلك، كانت بلدية بيروت قد التزمت برؤية بيئية شاملة للمدينة ودعمت دراسات عدة بهذا الخصوص، وعبرت عن نيتها في زيادة نسبة المساحات الخضراء في العاصمة.
ثانياً، «الدالية» مكان فريد في بيروت:
تحتل «الدالية» مكانة مركزية في ذاكرة اكثرية البيروتيين واللبنانيين، فهي المكان الذي لطالما قصدوه أيام العطل والأعياد للتنزه والتجمع أو للقيام برحلة بحرية تكشف المدينة من منظور مختلف.
هي آخر الفسحات العامة في مدينة تعج بالمتنجعات والمجمعات التجارية والفنادق الضخمة وغيرها من المنشآت الخاصة التي تخدم شريحة صغيرة جداً من المجتمع، وتلتهم الأماكن المشتركة المفتوحة التي من المفترض أن تكون ملكيتها لجميع المواطنين كملك عام.
هي احدى آخر الفسحات الخضراء في مدينة لا تفوق نسبة المساحات الخضراء فيها المتر المربع الواحد لكل شخص، حسب منظمة الصحة العالمية، وهذه نسبة منخفضة جداً مقارنة مع غالبية مدن العالم، وتؤثر سلباً على الصحة الجسدية والنفسية للمواطنين.
هي احد المواقع الساحلية الأهم في لبنان، نظراً لتنوعها البيولوجي وغناه، إضافة إلى قيمتها الجيولوجية المتمثلة بتضاريسها الاستثنائية التي تشكلت على مدى ملايين السنين، والتي تشكل متحفاً حياً لتاريخ الطبيعة.
تشكل «الدالية» مورد رزق لمئات الصيادين على مدى سنوات طويلة، وهؤلاء سكنوا المنطقة واستثمروا فيها من دون أي مس جوهري بطبيعتها.
لذلك، وبناء عليه،فإن كل الخطوات التي تمهد لقيام مشروع عقاري جديد يستولي على آخر المساحات المفتوحة في مدينتنا امر مدان، وهي منطقة «الدالية». وعلى جميع السلطات، بما فيها بلدية بيروت ومحافظها ووزارة الاشغال العامة ونقابة المهندسين، وسائر الجمعيات والمؤسسات الأهلية المعنية وكافة الجهات ذات المصلحة أخذ الخطوات اللازمة لمنع وقوع هذه الخسارة التي لا تعوض.
ختاماً، نطالب السلطات العامة ان تفعّل أدوات التخطيط المدني التي بحوزتها لحماية الحيّز العام، سواء من خلال الإستملاك أو إعادة تنظيم المنطقة رقم 10 (التي تقع ضمنها «الدالية») كمرفق عام يحظر فيه أي إستثمار أو إقامة أي مبنى، حفاظاً على هوية «الدالية» المكتسبة عبر العقود.
تصوير : زينب قصير