27-11-2024 02:32 AM بتوقيت القدس المحتلة

حمص القديمة: خلف "التسوية" كمين استباقي

حمص القديمة: خلف

عد مرور أكثر من أسبوعين على "اتفاق" حمص القديمة، لا تزال أحداث ليلة منع دفعة من المسلحين الخروج من المدينة المحاصرة غامضة، إضافة إلى "عملية استباقية" نفّذها الجيش السوري وحلفاؤه




رشا أبي حيدر

بعد مرور أكثر من أسبوعين على «اتفاق» حمص القديمة، لا تزال أحداث ليلة منع دفعة من المسلحين الخروج من المدينة المحاصرة غامضة، إضافة إلى «عملية استباقية» نفّذها الجيش السوري وحلفاؤه، أدت دوراً أساسياً في رضوخ المسلحين وقبولهم «التسوية».

خفّت بشكل ملحوظ حركة عودة الأهالي لتفقّد منازلهم في حمص القديمة. مشهد اليوم بعيد كل البعد عن زحف الحمصيين إلى منطقتهم في الأيام الأولى للاتفاق الشهير. لم تنته فرق الهندسة من تمشيط المنطقة بعد، إذ عثروا، مثلاً قبل أيام، على مخزن لتصنيع العبوات في أحد الأحياء. عناصر الجيش السوري ينتشرون بكثافة بين أبنية زيّنت هياكلها المهدّمة والمحروقة لافتات حملة «سوا» الانتخابية.

في حمص القديمة التي تبلغ مساحتها 5 كلم مربع، يحدّثك العسكريون عن أحداث الليلة الأخيرة من «الاتفاق»، حين صدر «القرار الصدمة» بالنسبة إلى المسلحين، الذي قضى بمنعهم من الخروج إلى أن تدخل المساعدات إلى بلدتي نبل والزهراء المحاصرتين في ريف حلب الشمالي. هذه الليلة لم تكن صعبة على المسلّحين فحسب، بل على الطرف الآخر أيضاً الذي نجح في «تمريرها على خير».
ورغم إطباق الحصار على المسلحين لمدة طويلة، كشف قادة ميدانيون لـ«الأخبار» تفاصيل العملية الأخيرة التي كانت «أمل» الجماعات المسلحة في إحداث خرق أخير في حمص القديمة. هذه العملية التي خطّطت لها قيادات المسلّحين لأشهر باءت بالفشل بفعل التعاون بين الجهات الأمنية السورية وحزب الله، بعد كشف المخطط الكامل. ولعب فشلها دوراً أساسياً في رضوخ المسلّحين لتنفيذ اتفاق حمص القديمة، بعد أن «كُسر ظهرهم»، وقتل منهم أكثر من 100، بينهم أهم القادة، بحسب المصادر.

أحداث «الليلة الأخيرة»

على طريق حماة، حيث يقع مجمّع الوليد يميناً ومجمّع ابن سينا يساراً، اصطفت «الباصات» التي ضمّت مسلّحين غالبيتهم من «جبهة النصرة»، فوق أحد أكبر الأنفاق الذي يفصل بين حمص القديمة وحيّي جورة الشياح والقرابيص. نفق كان حتى الأمس القريب يمثّل خط الدعم الأول للقوى المحاصرة... قبل أن يصبح خط الانسحاب.
ليلة الثامن من أيار، وحين كانت آخر دفعة تهمّ بالخروج، صدر قرار بمنعها فوراً بعد توقف دخول المساعدات إلى نبل والزهراء. أجهزة أمنية سورية عديدة إلى جانب الجيش السوري وحزب الله حضرت على الأرض. «كانت ليلة صعبة علينا وعليهم»، يقول أحد المتابعين للعملية لـ«الأخبار». «الاسلحة كانت موجّهة نحوهم من بعيد. بعد التشاور بين الجهات التي اتّخذت قرار منع خروج المسلحين، طلب هؤلاء العودة إلى مراكزهم، فقوبلوا بالرفض. ثم أُبلغوا أن الجيش يتفقّد الكتل التي كانوا فيها». وأضاف: «طغت حالة من الرعب بين المسلحين»، خصوصاً بعد أن «علموا أنهم سيقضون ليلتهم في الباصات». «كانت الأعصاب مشدودة والعيون متيقظة لدى الطرفين... كان من الممكن أن يحصل أي شيء، أي عمل تخريبي، وخافوا أن تُطلَق النار عليهم»، يروي المصدر.

أحد الذين حضروا عملية إجلاء المسلحين عن حمص يقول إن الجيش السوري وحزب الله عاملوا المسلحين المعارضين معاملة «أسرى الحرب: المسلحون طلبوا طعام العشاء، فأحضر لهم ذلك، كما خصّص مرحاض قريب لهم. أحد المسلّحين طلب شرب المتة مقابل الكشف عن مكان مخزن أسلحة وعبوات. سرعان ما تأكّدت صحّة الخبر... فنال مراده. وعند الفجر طلب المسلحون تأدية فريضة الصلاة، فنزلوا من الباصات وصلّوا».

عملية شارع الرجوب: الأمل الأخير

يؤكّد القادة الميدانيون أن ما قبل سيطرة الجيش السوري على حيّ الخالدية في الصيف الماضي، لم يعد كما بعده، خصوصاً أنه بمثابة «قلب حمص». تحرير الحيّ أدّى إلى كسر «رمز الثورة»، إذ أطبق الحصار بعدها على المسلحين في الأحياء القديمة. حاول هؤلاء فك الحصار وإحداث خروقات مرات عدة، سرعان ما باءت بالفشل.
لكن «العملية التي كسرت ظهر المسلحين»، بحسب ما يروي أحد القادة الميدانيين، هي العملية الاستباقية التي نفّذت ضدهم في شارع الرجوب في حيّ الحميدية في آذار الماضي. «عندها اقتنع قادة المسلحين بضرورة إبرام اتفاق لخروج آمن من الأحياء»، يروي مصدر لـ«الأخبار».

وفي تفاصيل هذه العملية، يشير المصدر الأمني إلى أنّ «قادة المسلحين من «جبهة النصرة» وفصائل أخرى خطّطوا على مدى أشهر لهذه العملية. وبحسب الخطة، تقتحم سيارة مليئة بالمتفجرات، يقودها انتحاريون بهدف فتح ثغرة، العوائق الموجودة قرب مبنى سيتي سنتر في حي الحميدية. ومن ثم تتحرّك آلية «بي أم بي» محملة بالمتفجرات لتقتحم المبنى الضخم وتدمره. وهذا المبنى يعدّ العائق الأكبر أمام مسلحي المعارضة والخط الدفاعي للجيش. وفي موازاة ذلك، تبدأ المجموعات المسلحة بشكل منظم بشنّ هجوم باتجاه الحميدية ودوار الرئيس. وفي الوقت نفسه، تتحرك مجموعات أخرى باتجاه مسجد خالد بن الوليد في حيّ الخالدية لإحداث خرق والسيطرة على كامل الأحياء. وجرى الاستعداد للهجوم فوق الأرض، وتحت الأرض عبر الأنفاق المتشعبة».

وبناءً على عمل استخباري وقائي، كُشف هذا المخطط، وبدأ الإعداد لضربة استباقية «عبر نصب كمائن وزرع عبوات، ووضع سواتر على الطرق التي كانت ستمرّ عبرها الآليتان اللتان تمّ رصد تفخيخهما». وبعد إنهاء عملية التفخيخ وحشد المسلحين في الحميدية وعند مدخل حمص القديمة، وأثناء وضع اللمسات الأخيرة على الهجوم واجتماع قيادات معارضة في الشارع نفسه الذي ركنت فيه السيارة المفخخة الاولى، سقط صاروخ «بركان» قرب السيارة المفخخة التي انفجرت لينهار المبنى الذي يوجد فيه قياديون أيضاً. دقائق وفتحت النيران في الجهة الأخرى، حيث مكان وقوف آلية ألـ«بي أن بي» المفخخة والمجموعات المقاتلة بجانبها. فتمّ استهدافها بصاروخ «ب 10» لتنفجر بالكامل.

وبعد ساعتين من انفجار الآلية، أُطلق صاروخ «بركان» آخر بالتزامن مع تجمّع المسلحين لسحب جثث رفاقهم. وكانت حصيلة العملية، بحسب ما يروي المصدر، مقتل أكثر من 100 مسلح، بينهم قياديون.

الإفراج عن مخطوفي نبّل والزهراء شرط تسوية «الوعر»

يصف القادة الميدانيون حيّ الوعر الذي تبلغ مساحته 3 كلم بـ«ظهير حمص القديمة». «المعركة في الحي أسهل بكثير من معركة حمص القديمة، لكن من الواضح أن المسلحين لا يريدون خوض معركة»، يعلّق مصدر ميداني. وعن باب التفاوض المفتوح مع المسلحين المعارضين، أشارت مصادر «الأخبار» إلى أنّ «شرط الاتفاق على إخراج المسلحين من حيّ الوعر سيكون إطلاق مخطوفي نبل والزهراء. أما في حال فشل المفاوضات فهناك مخطط عسكري جاهز». ويذكر متابعون أنّ الجيش السوري يدخل يومياً مساعدات غذائية إلى الحي الذي أصبح يضمّ مئات الآلاف (غالبيتهم من النازحين).


http://www.al-akhbar.com/node/207043

     موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه