يستغرب المراقب كيف يرفض يهود أوكرانيا نعت الجهات اليمينية المتطرفة بالمعاداة للسامية، رغم أنها عبرت في أكثر من مناسبة، علنا، عن كرهها لليهود!
لا ريب ان "للمافيا اليهودية" الاوكرانية دورا اساسيا في الأزمة الأخيرة بحسب ما تؤكده جهات ووسائل اعلام تعرف الوضع الاوكراني عن كثب.
العبارة تشير الى اليهود من أثرياء هذا البلد والذين راكموا ثروات ضخمة جراء حملات خصخصة القطاع العام إبان سقوط الإتحاد السوفييتي وهم يعملون بطريقة حثيثة بغية إخراج أوكرانيا من الحضن الروسي الى الحضن الغربي. وهم أكثر من أي وقت مضى يديرون الدفة في هذا البلد. لن ننسى ان رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشنكو التي كانت سجنت بتهم الفساد هي من أب يهودي. كذلك الأمر بالنسبة الى رئيس الوزراء الحالي بالوكالة أرسيني ياتسونيك.
كذلك فالأوفر حظا اليوم للفوز بالإنتخابات الرئاسية المقررة في 25 أيار هو أحدهم، بيترو بوروشنكو، الملقب ب "ملك الشوكولاتة" لكونه يملك شركة "روشن" للشوكولاتة، وهو يتربع على رأس ثروة لا تقل عن مليار ونصف المليار دولار (على أقل تقدير). كما لديه عدة معامل لصناعة السيارات و الباصات، و مرفأ بحري (لينينسكا كوزنيا) فضلا عن محطة تلفزيونية وصحيفة (كورسبوندنت).
معروف عنه أنه كان من أكبر ممولي الثورة البرتقالية الموالية للغرب عام 2004.
ومعروف عنه ايضا علاقاته الخاصة باليهودي الفرنسي الصهيوني، الحامل لواء "إسرائيل" في كل المحافل والمناسبات، برنار-هنري ليفي، والذي كما يبدو في الصور قد فتح له باب قصر الإيليزيه للقاء الرئيس الفرنسي الحالي( الأقل شعبية من بين الرؤساء الفرنسيين) فرانسوا هولاند.
مرشح آخر يحظى بأهمية لا تقل عن الأول، هو أيضا ميلياردير يهودي، ألا وهو فاديم رابينوفيتش، نائب رئيس البرلمان اليهودي الاوروبي. هذا الرجل البالغ من العمر 61 عاما، صنع ثروة عبر المتاجرة بالصلب وهو قطاع تم الاستيلاء عليه بأبخس الأسعار بعد سقوط الإتحاد السوفييتي وهو الذي كان قبل ذلك مجرد بائع للأثاث.
وحاز الجنسية الإسرائيلية منذ أن ذهب إلى فلسطين المحتلة هربا من العدالة الاوكرانية، إبان الحكم السوفييتي بسبب عمليات احتيال منسوبة إليه. هو بمثابة رئيس طائفة اليهود الأوكرانيين التي لا تضم أكثر من 200 ألف فرد. ويقال أنه أحد الذين يديرون المنظمة النسائية (فيمين) المعروفة بتظاهراتها الإستعراضية البذيئة. لديه أيضا امبراطورية إعلامية من عدة محطات تلفزيونية اوكرانية، فضلا عن صحف و دور نشر.
ولاؤه لـ "إسرائيل" لا غبار عليه: هو الذي قدم الشمعدان الذهبي المعروض أمام ما يسمى بحائط المبكى في القدس المحتلة. كما أن إحدى ساحات المدينة القديمة سميت باسمه، من دون تحديد سبب هذا التكريم ( بحسب موقع "ماذا في إسرائيل").
من أصحاب النفوذ اليهود أيضا والقريبين جدا من مقاليد الحكم، المهندس فيكتور بينشوك، وهو ايضا ميلياردير بل وصاحب ثاني أكبر ثروة في هذا البلد. إذ تقدر ب 10 مليارات دولار بفضل امتلاكه لشركة انابيب حديدية خاصة بقطاع نقل الغاز والتي حصل عليها أيضا بأبخس الأسعار. لديه أيضا معمل للسبائك الحديدية، ومصرف وأربعة محطات تلفزيونية وصحف فضلا عن مركز للدراسات، (بحسب ويكيبيديا)، يهدف الى تعزيز العلاقات بين اوروبا واوكرانيا. يحب كثيرا أن يظهر نفسه على أنه رجل الأعمال الخيرية على غرار الكثيرين من أقرانه.
تقول بعض وسائل الإعلام (تريبون ليبر) أنه خلال المظاهرات الأخيرة في الميدان، ظل مختبئا وراء المتظاهرين النازيين الموالين للغرب، ولم يخرج إلى العلن إلا عندما سيطروا على الوضع.
قد تكون علاقاته الإسرائيلية أيضا على هذا المنوال. إذ قلما نرى له صورا مع مسؤولين إسرائيليين، بل يفضل ان تلتقطه عدسات التصوير مع الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، مع المخرج اليهودي الأميركي ستيفن سبيلبرغ، أو مع الممثل الهوليوودي الشهير جورج كلوني.
إلا ان مؤسسته (بينشوك فوندايشتن) تفضل العمل بطرق مختلفة، لصالح "إسرائيل": عبر التأثير على جيل الشبان الأوكرانيين، من خلال تنظيم رحلات الى الأماكن المقدسة المسيحية واليهودية في فلسطين المحتلة.
وهو بذلك يختلف في أسلوبه عن نافذ يهودي آخر، ابن مدينته في ولاية أوديسا، وهو ميلياردير ايضا (ما بين 2.4 مليار دولار و 6.2 مليار) وثالث أثرى رجل في هذا البلد ويدعى إيغور كولومويسكي. ويُعد هذا الأخير أكثر فجاجة في أسلوب عمله كما أن سجله حافل بالتجاوزات. يقال أن لديه ميليشيا من ألفي رجل متطوع. كما أنه يموّل بعض الأحزاب النازية ومن اليمين المتطرف على غرار "برافي سكتور" و سفوبودا. إثر مقتل أحد عناصر الشرطة في ماريبول على يد الإنفصاليين، اتصل شخصيا بأحد الزعماء الأوكرانيين الفدراليين "أولغ تزاريف" وهدده بالقتل قائلا له ان الطائفة اليهودية قررت القضاء عليه وقد جمعت مبلغ مليون دولار لذلك الغرض، فاضطر "تزاريف" إلى سحب ترشيحه للرئاسة.
يمتلك كولومويسكي هذا مجموعة (برايفت) اللتي تضم ما لا يقل عن مئة شركة في كافة المجالات كالصلب والصناعات الكيميائية والطاقة والنقل الجوي. كما لديه الجزء الأكبر من أسهم مصرف (هولدينغ برايفات) والعديد من فنادق و وسائل الإعلام.
عين خلال الأزمة الأخيرة حاكما على مدينة دنيبروبيفوفسك وهي أيضاً مسقط رأسه.
وهو متهم بأنه وراء الحريق الذي أودى بحياة ما لا يقل عن أربعين ناشط فدرالي في مبنى قصر النقابات في أوديسا (في 2 أيار الماضي). والهدف من ذلك تحضير الأرضية بغية تعيين أحد شركائه، إيغور بالايتسا، حاكما على هذه المنطقة. بعض وسائل الإعلام تروج عنه أنه معادٍ للسامية بالرغم من يهوديته، ورغم حيازته الجنسية الإسرائيلية. الا أن موقع (رسائل ستراسبورغ) الفرنسي يعتقد أنه وراء الترويج لهذا الادعاء الكاذب بغية التغطية على استغلاله للجماعات النازية الاوكرانية واستعمالها في مواجهة الموالين لروسيا، خاصة و انه من أكثر اليهود الصهاينة اندفاعا في اوروبا الشرقية ومن أكثر الممولين الأوروبيين للدفاع عن "إسرائيل" ولكافة المنظمات الصهيونية في أوروبا.
هؤلاء الأثرياء الأربعة اليهود ليسوا سوى رأس الجبل الجليدي لنفوذ اليهود الأثرياء في هذا البلد.
والأمر لا يعني عدم وجود أثرياء آخرين، من غير اليهود، ممن يريدون ان يتقاسموا الحكم في هذا البلد بعد ان تقاسموا ثرواته، على غرار سيرغي تاروتا ، وهو أيضا ملياردير، وقد عُيّن مؤخرا حاكما لـ دونيتسك...
فضلا عن أن الرجل الأثرى في أوكرانيا، اي الأقوى من حيث النفوذ الاقتصادي، هو من دون شك رينات أخمتوف، صاحب ال 22 مليار دولار ومصانع الصلب والحديد حيث يعمل ما لا يقل عن 300 ألف عامل وموظف في دونيتسك، (التي يطالب أهلها بالإنفصال عن كييف). فضلا عن امتلاكه مساهمات مهمة في القطاع المصرفي والتأمين والإتصالات ، ناهيك عن الفنادق ووسائل الإعلام. ولن ننسى أيضا الأسهم التي يمتلكها في قطاع العقارات والنقل والزراعة وناد لكرة القدم!
خلال الأسبوع المنصرم، وبعد أن طالته الشكوك حول موقفه من الأحداث الأخيرة، طالب العمال والموظفين في معامله وشركاته التظاهر لصالح وحدة أوكرانيا ورفض المطالب الإنفصالية.
إلا أن اسم رجل أوكرانيا الأقوى، لم يطرح قط لرئاسة هذا البلد. فهو حسبما يشير إليه من أصول تتارية وبالتالي فهو مسلم..
إهتمام أثرياء اليهود بهذا البلد لا يشذ عن اهتمامهم بكافة مناطق العالم، حيث تسنح لهم الفرص لتكديس المليارات، على غرار كافة الأثرياء الآخرين من ديانات أخرى. إلا أنهم دوما لا ينفكون يدورون في فلك المشروع الغربي، والذي يشكلون جزءا لا يتجزأ منه، مهما ادعوا. بناء عليه لا بد للروس وغيرهم أن يبقوا على حذر. موقفهم الحالي الذي يرفض اتهام الجهات الأوكرانية اليمينية المتطرفة المعروفة بكرهها لليهود بالمعاداة للسامية، -كما يتهمهم الروس بذلك- لمجرد كونها موالية للغرب، مثير للريبة. لا بد من الوقوف عنده. في هذه المظاهرة (الصورة) التي نظمها خلال العام الماضي حزب سفوبودا (الذي يدعمه كولومويسكي) طالب فيه بعض المتظاهرين بقتل اليهود!
الا أن اهتمامهم بأوكرانيا قد يحمل في الوقت نفسه سببا تاريخيا، كون هذا البلد جزءا من مملكة الخزر، والتي اعتنق ملوكها وأتباعها اليهودية وباتوا أجداد طائفة الأشكناز. فهو مهد الثقافة اليهودية الإيدشية، كما وأن مدينة أومان، حيث قبر أحد الحاخامين، نعمان براتسلاف، هي محجة الاف من اليهود القادمين من كافة أنحاء العالم خاصة في بداية العام العبري.
والذي يعرف اليهود، يعلم كم يحمل التاريخ لدى البعض منهم بعدا مستقبليا... أحد مصاديقه لا تزال فلسطين!