مطلع صيف العام الماضي وردني اتصالاً من صديق يعيش في مدينة حلب يخبرني فيه بنبرة مختنقة "للاسف حلب تحت حصار الجماعات المسلحة" ...
حسين ملاح
مطلع صيف العام الماضي وردني اتصال من صديق يعيش في مدينة حلب يخبرني فيه بنبرة مختنقة "للاسف حلب تحت حصار الجماعات المسلحة" ، لكن الحزن الذي سيطر على كلماته لم يمنع ذاك الصديق من اكمال جملته بلغة الواثق "الجيش سيصل.. سيأتي عاجلاً او اجلاً الى الشهباء".
فك حصار حلب
عبارات "الحصار" كانت تختصر حال ثاني أهم مدن سورية بذاك الوقت ، حين كان المسلحون يفرضون حصاراً على الاحياء الغربية محاولين تجويع عشرات الالاف من المواطنين على أبواب شهر رمضان المبارك ، فيما تولت المهمة غرفة عمليات مشتركة (تركية – خليجية – غربية) والهدف اسقاط حلب من يد القيادة السورية مع ما تعنيه المدينة من ثقل سياسي وعسكري ناهيك عن الابعاد المعنوية.
لكن الحقل السوري لم يتطابق مع حساب بيدر المسلحين وداعميهم ، فكان قرار دمشق التوجه شمالاً في حملة عسكرية حملت عنوان "عاصفة الشمال" لانقاذ حلب بعد انجاز القصير وبدء محاصرة معاقل مسلحي الغوطة وحمص القديمة ، فشرع الجيش في عملية نوعية استطاع خلالها تأمين طريق حماه – حلب.
تقدم الجيش لم يتوقف ، ففك الحصار عن معامل الدفاع واستُعيدت خناصر والسفيرة وعدد من البلدات والمواقع الاستراتيجية ، وأعلن الجيش تأمين طريق دمشق – حلب منهياً حصاراً استمر أشهر على الاحياء الغربية للشهباء ، وفي خطة مدروسة بدأت وحدات عسكرية بتخليص المرافق الحيوية من استهدافات المسلحين ، بينها المحطات الحرارية والمعامل الصناعية فضلاً عن إبعاد الجماعات المسلحة عن محيط مطار حلب الدولي ، الذي شهد هبوط أول طائرة مدنية اواخر شهر كانون ثاني/يناير الماضي في خطوة هامة تزامنت مع محادثات جنيف اثنين ، وسط تأكيدات سورية بأن حلب ستظل على رأس اولويات القيادتين السياسية والعسكرية ، وهو ما تُرجم بزيارة قام بها وزير الدفاع فهد جاسم الفريج مطلع شباط /فبرايرالماضي الى حلب ، وقيل انه مكث فيها عدة ايام.
من الدفاع الى الهجوم
بعد تأمين خطوط الامداد العسكري واللوجستي بين الوحدات المقاتلة وإدخال المواد الغذائية الى موطني حلب ، سرّع الجيش السوري من وتيرة عمليته ضمن استراتيجية تهدف الى ضرب طوق حول الاحياء الشرقية حيث يتمركز المسلحون.
خطة تُدرك القيادة السورية انها تحتاج الى وقت وجهد عسكري واستخباراتي استثنائي لعوامل متعددة:
اولاً: اتساع مساحة حلب الجغرافية ، وهي المدينة التي كان يقطنها نحو مليونين ونصف المليون نسمة
ثانياً: تواجد الاف المسلحين المنتمين الى مختلف الجماعات (جبهة النصرة ، الجبهة الاسلامية ، لواء التوحيد ، احرار الشام ، جيش المجاهدين....)
ثالثاً: دعم عسكري لوجستي واستخباراتي متواصل عبر الاراضي التركية.
رابعاً: سيطرة المسلحين على طرقات اساسية تربط حلب بالريف ما يؤمن تدفق المسلحين والعتاد.
خامساً: تواجد الاف المسلحين الاجانب غالبيتهم "قادة" وهم من جنسيات خليجية قوقازية على رأسهم شيشانيون.
عوامل لم تمنع الجيش من الدخول في معركة وهو يعرف مسبقاً صعوبتها ، ومع ذلك حقق فيها نجاحات هامة ، آخرها فك الحصار عن سجن حلب المركزي بعد عملية قِيل انها فاجأت الصديق قبل العدو ، واضطرت مصادر المعارضة الى وصفها "بالنصر الاستراتيجي" للجيش السوري ، فيما تحدثت مصادر سياسية عن مسارعة الاطراف الاقليمية والغربية الداعمة للمسلحين الى تشكيل غرف عمليات "لانقاذ ما يمكن انقاذه".
هذه الاطراف كانت تخشى تفكك جبهات المسلحين في الاحياء الشرقية لحلب لذا عمدت قبل اسابيع الى الايعاز للفصائل المسلحة بشن هجمات استباقية على مواقع الجيش موفرة الدعم العسكري والمالي. وبالفعل أُنشئت (الغرفة المشتركة لاهل الشام) والتي ضمت جبهتي النصرة والاسلامية اضافة الى حركة احرار الشام وجيش المجاهدين، واستُكمل السيناريو باستجلاب الاف المسلحين يتقدمهم شيشانيون وتركمان تولوا قيادة العمليات.
اواخر الشهر الماضي اشتعلت جبهات القتال في حلب دفعة واحدة من الشمال الى الجنوب مروراً بالغرب والشرق،وامتدت هجمات المسلحين على بعقة جغرافية واسعة بدءاً من ثكنة هنانو شرقاً الى الراموسة في الجنوب الغربي وصولاً الى سيف الدولة غرباً وانتهاء بجبهة جمعية الزهراء – الليرمون.
نتيجة المعارك أتت مخيبة لآمال المسلحين والاطراف الداعمة لهم ، الذين فشلوا في تحقيق اختراق هام وفقدوا أبرز قادتهم فلجأوا الى "تدفيع مدنيي حلب الثمن" تارة بمدافع جهنم وطوراً بقطع الماء والكهرباء، فيما استطاع الجيش السوري امتصاص اندفاعة الجماعات المسلحة واستعاد زمام المبادرة على جبهات (الراموسة – العامرية – ثكنة هنانو) ، وتوج انجازاته بفك حصار سجن حلب المركزي ، مقترباً أكثر من أي وقت مضى من فرض حصار على معاقل المسلحين في الاحياء الشرقية ، والذين لم يبق لهم سوى طريق الكاستيلو للوصول الى الريف الحلبي.
معركة السجن المركزي دقت ناقوس الخطر في أوساط المسلحين ورعاتهم والمنظومات الاعلامية الدائرة في فلكهم ، وتسلل الرعب الى النفوس ودبت "حرب تحميل المسؤوليات" عن الخسارة ،وارتفعت اصوات تحذر من تكرار نموذج حمص القديمة مرددين شعار "سقوط حلب يعني سقوط الثورة" ...وللمفارقة هي عبارة سبق ان قيلت سابقاً في القصير وحمص ويبرود والغوطة الشرقية والان حلب مع انتقال الجيش من وضع المُحاصَر الى المُحاصِر....