انقسمت الأوساط السياسية الأردنية حول قرار عمان بإبعاد السفير السوري بهجت سليمان. وفيما رحّب الإسلاميون بالقرار، وفشل الائتلاف المعارض، في انتهاز الضغوط السعودية لفرض ممثل له في عمان
ناهض حتر
انقسمت الأوساط السياسية الأردنية حول قرار عمان بإبعاد السفير السوري بهجت سليمان. وفيما رحّب الإسلاميون بالقرار، وفشل الائتلاف المعارض، في انتهاز الضغوط السعودية لفرض ممثل له في عمان، رأى سليمان أن نجاحه في الترتيب لانتخابات ذات طابع شعبي للسوريين في الأردن، كانت سبباً رئيسياً في ابعاده عن «بلده الثاني».
حركة السفير السوري في عمان، بهجت سليمان، العصية على الضبط الدبلوماسي، كانت في مفاصل عديدة خلال السنوات الثلاث الماضية أكثر عنفواناً وقوة، وكانت أصوات الإخوان المسلمون وحلفائهم، أكثر صخباً، في مطالبة الحكومة الأردنية بإبعاد السفير الصِدامي. فما الذي حدث فجأة؟ مناورات «الأسد المتأهب» مع الولايات المتحدة ودول أخرى، تجري سنوياً منذ 2011، وفي جبهة درعا، لدى عمان من المخاوف من تسلل المسلحين إلى الأراضي الأردنية، ما يشلّ القرار الرسمي عن التصعيد الميداني.
لحركة السفير السوري في عمّان، تقليدياً، إطار لا ينتمي إلى الضوابط الدبلوماسية المعهودة. فالعلاقات السورية ــــ الأردنية متداخلة متشابكة، ومعظمها، حتى في الشأن الاقتصادي، غير رسمية. السجلات الحكومية أو المصرفية لا تظهر، ولا يمكنها أن تُظهر، حجم المبادلات التجارية والاستثمارية والمالية بين البلدين، مبادلات تتم في سياق تفاعلي واسع النطاق وعائلي. «الشوام» يشكلون عموداً رئيسياً في القطاع الخاص الأردني وعشرات آلاف الأسر الأردنية لها خؤولة في سوريا. وهو ما يخلق مناخاً عاماً لعلاقات ثنائية تتخطى الرسميات.
خرّيجو الجامعات السورية الأردنيون بالآلاف، وسوريا، عادة، مقصد سياحي أول بالنسبة للأردنيين الذين يعرف بعضهم، في المحافظات الشمالية، دمشق أكثر مما يعرفون عمان. غير أن الأهمّ هو العلاقة التقليدية بين الحركة الوطنية الأردنية وسوريا منذ العشرينيات، حين خرجت الدولتان من عباءة بلد واحد. وعلى العموم يوجد في الأردن تيار واسع مؤيد لدمشق، من البعثيين والقوميين واليساريين والعلمانيين والأوساط الوطنية والمسيحيين؛ كيف يمكن لسفير الجمهورية العربية السورية أن يتعامل مع كل هذه الوقائع من وراء جدران سفارته، وفي حدود الانضباط الدبلوماسي؟
مسؤولون أردنيون: لا بعد سياسي أو أمني وراء إبعاد سليمان
كانت السفارة السورية في عمان دائماً ــــ وستبقى ــــ خارج إطار السفارات. وكان سفير سوريا في الأردن ــــ وسيبقى ــــ مندوب الجمهورية لدى الأردنيين بأكثر مما هو سفيرها لدى المملكة. فماذا إذا كان هذا السفير بفاعلية وحضور وشجاعة الدكتور بهجت سليمان؟ وماذا إذا كانت فترة سفارته قد وقعت في قلب مرحلة الحرب على سوريا؟ وماذا إذا كان الأردن يموج بالصراع حول الحرب السورية بين قوى ترى في مآلها مستقبل الأردن وصورته؟
على هذه الخلفية، تبدو مبررات قرار إبعاد السفير سليمان من الأردن ــــ ومحورها القول إن سليمان تجاوز الأعراف الدبلوماسية في نشاطه في البلاد ــــ بلا معنى؛ لذلك، سارعت التسريبات الحكومية إلى وضع القرار في سياق معادلة الضغوط السعودية الحثيثة التي وضعت عمان أمام ضرورة ملحّة لاتخاذ إجراء بين خيارين: إغلاق السفارة أو ابعاد السفير؟ البيان الرسمي الأردني، أمس، أكّد أن السفارة باقية، وحرة في تنظيم الانتخابات الرئاسية للسوريين في عمان.
في عشاء الوداع الذي نظّمته فعاليات وطنية للسفير سليمان، قال إن السفارة تمكنت من تسجيل ما يقرب من 40 ألفاً من السوريين المقيمين في الأردن للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، واعتبر أن من حيثيات قرار ابعاده خلق مناخ افشال ما هو متوقع من مهرجان انتخابي سياسي شعبي مؤيد للرئيس بشار الأسد في قلب العاصمة الأردنية، خصوصا أن السفارة افتتحت «صندوقاً شرفياً» لمشاركة الأردنيين والعرب المقيمين في الأردن في الانتخابات السورية.
لم يضف السفير سليمان أكثر في قراءة دوافع القرار الأردني، لكنه لم ينف أن يكون توقيته متعلقاً بخطوات تصعيدية. هذه الخطوات تقع، بحسب تسريبات متضاربة، بين تصعيد ميداني يشمل زيادة تدفق السلاح والمعلومات والدعم اللوجستي للمسلحين في جنوب سوريا وبين تصعيد سياسي يتمثل في الاعتراف بممثلية لـ«ائتلاف» أحمد الجربا في عمان.
عقب القرار الحكومي بإبعاد السفير سليمان، أصدرت شخصيات قيادية في الحركة الوطنية الأردنية، بياناً جاء فيه «أن هذه الخطوة التي تفتقر إلى الحصافة لا يمكن تسويغها، فمهما كانت ردود فعل السفير على السياسة الرسمية الأردنية عنيفةً، فهي لا تشكل خطراً على أمن الأردن، ولا تتساوى مع ما قامت به حكومتنا وتقوم به من أعمال خرق للسيادة السورية، وتسهيل مرور السلاح والإرهابيين إلى الأراضي السورية، وانشاء غرفة عمليات مشتركة مع الأميركيين والخليجيين للعمل العسكري والأمني ضد الأشقاء السوريين، والتنسيق مع الإرهابيين وقادتهم، خصوصاً في منطقة حوران، بما في ذلك الموقف الغامض من إنشاء منطقة أمنية للاحتلال الإسرائيلي في الجولان».
وأشار البيان إلى ما يثيره من «شبهات حول مسعى الحكومة الأردنية إلى توتير أجواء العلاقات مع دمشق، وربما التمهيد لتصعيد ميداني يضر بالأمن الوطني الأردني وخصوصاً أنه يصدر في وقت تنتهك فيه السيادة الأردنية من قبل آلاف المارينز الذين يشاركون في مناورات مشبوهة على أرض وطننا».
ينفي المسؤولون الأردنيون، علناً، أي بعد سياسي أو أمني وراء إبعاد سليمان، ويسرّبون أنه جاء، فقط، لتخفيف الضغوط السعودية، وأنه ليس له ما بعده. وهو ادعاء ستكشف الأيام المقبلة، صحته من عدمها.
عمان تطرد الحريري وتكذب «الائتلاف»
منعت السلطات الأردنية عضو الهيئة السياسية لما يسمى «ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية»، نصر الحريري، من الدخول إلى البلاد. وكان الحريري قادماً من اسطنبول، لكن أمن مطار الملكة علياء الدولي بعمان أبلغه بقرار منعه من زيارة الأردن.
وتأتي هذه الخطوة كتعبير عن غضب الحكومة الأردنية مما وصفه مصدر حكومي لم يذكر اسمه ، في تصريح لوكالة «عمون» الاخبارية، بـ «عدم النضج السياسي للائتلاف» الذي بادر إلى الإعلان، من طرف واحد، عن تسمية رجل الأعمال، محمد المروح، ممثلا له لدى المملكة. ونفى الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية هذا الخبر بصورة حاسمة، مما اضطر الناطق باسم الائتلاف، بدر جاموس، إلى التراجع، والتأكيد في تصريحات لـ «سي إن إن» أن ذلك كان «مجرد اقتراح».
http://www.al-akhbar.com/node/207285
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه