لكنها تناست تكريم البابا لمؤسس الصهيونية تيودور هرتزل بوضعه إكليلاً من الزهور على قبره. وحصرت تغطيتها في استعراض جدول محطات الزيارة إلى بيت لحم لمدة ثماني ساعات، في ما يعدّ زيارة «رفع عتاب»
على شرف البابا فرنسيس الأول، اجتهدت قناة «فلسطين» في نفض الغبار عن وثائقيّات تستعرض تعقيدات وضع المسيحيين في فلسطين. هذه المواد التي ظلّت لفترات طويلة حبيسة أدراج قناة السلطة، حُرّرت أخيراً بفضل الحبر الأعظم وزيارته إلى فلسطين التي استمرت من السبت حتى الاثنين.
أخرجت المحطة ما في جعبتها لتشريح سلوكيات الاحتلال في قمع المسيحيين ومحاصرتهم بعدما بقي المشاهد متعطّشاً خلال الفترات الماضية لهذه المواد التي تقترب من تفاصيل حياة الفلسطينيين في ظل الاحتلال.
شكّل اليومان الماضيان علامة فارقة في مسار المحطة وتماسّها مع الواقع الفلسطيني، غير أنهما فضحا أيضاً انعدام المسؤولية الوطنيّة تجاه المشاهدين. وأماطا اللثام عن كيفيّة تحوّل الركائز الجوهرية في القضية الفلسطينية إلى مسائل لحظية وموسميّة تنتهي مع مغادرة البابا. كأنّ على الفلسطينيين انتظار هبوط هذه الشخصيات على أراضيهم لاستحضار فصول وجعهم على شاشة السلطة! هذا التذبذب في نقل الواقع يقود المشاهد إلى استكشاف أسباب خسارة الإعلام الفلسطيني معركته أمام نظيره الإسرائيلي. لا استراتيجية ثابتة تسير وفقها قناة «فلسطين»، ولا مساحة زمنيّة مفتوحة على شاشتها لتسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين في أماكن وجودهم.
تجهيزات ضخمة لم توظّفها في دعم معركة الأمعاء الخاوية
طوال اليومين الماضيين، لم تضئ قناة «فلسطين» على مسألة التضييق على حركة المسيحيين وتنقّلهم، وآليات تفريغهم من القدس المحتلة إلا بسبب زيارة البابا ليس إلا! وسمت أسفل شاشتها بصورة تجمع الرئيس محمود عباس مع الحبر الأعظم، وخصّصت ساعات من هوائها المباشر لإقناع المشاهد العربي بعظمة الزيارة وارتداداتها الإيجابيّة على وضع المسيحيين في فلسطين. تفوّقت المحطة على نفسها في تحليل مدلول عدم دخول البابا إلى بيت لحم عبر الأجواء الإسرائيلية، فشرّحت هذه المسألة من زاويتها بمعزل عن رأي الجمهور الفلسطيني.
لكنها تناست تكريم البابا لمؤسس الصهيونية تيودور هرتزل بوضعه إكليلاً من الزهور على قبره. وحصرت تغطيتها في استعراض جدول محطات الزيارة إلى بيت لحم لمدة ثماني ساعات، في ما يعدّ زيارة «رفع عتاب» أو «مجاملة» للرئيس عباس، إذا ما قورنت بالساعات الـ 32 التي أمضاها البابا في كنف دولة الاحتلال. ولم تأتِ القناة بتاتاً على ذكر محطات زيارة البابا إلى طرف العدو.
هدفت قناة «فلسطين» من وراء ذلك إلى نزع البعد السياسي عن الزيارة، وحصرها بالأبعاد الدينية من خلال إطلاق «قاطرة السلام والتعايش ما بين الأديان». ولتحقيق نسبة مشاهدة عالية لهذه الزيارة التي وُصفت بالتاريخية، أعلنت المحطة حالة استنفار في أروقتها. جنّدت أكثر من 145 شخصاً بين مراسلين وفنيين لمواكبة الحدث برفقة 40 كاميرا نُصبت في مهبط الرئيس وقصره، وساحة المهد بغية نقل القداس، وصولاً إلى قاعة الفينيق والمغادرة.
هذه التجهيزات الإعلاميّة والتقنيّة الضخمة لم يسبق للمحطة أن وظّفتها في دعم معركة الأمعاء الخاوية التي يخوضها الأسرى الإداريون لليوم الـ 33. على ضفة أخرى، لم يقتصر مسلسل الاستخفاف بعقليّة الفلسطينيين على قناة «فلسطين» وحدها. انتقلت العدوى إلى مواقع إخبارية فلسطينية، فوصف موقع «شبكة راية الإعلامية» صلاة البابا قرب جدار الفصل العنصري وبرج المراقبة التابع للاحتلال بـ«المعجزة»!