27-11-2024 02:20 AM بتوقيت القدس المحتلة

رمزية "السيِّد"، بين تحرير الوطن و تحرير المواطن

رمزية

في إطلالة العيد هذه السنة، تجاوز السيّد جدلية المعادلات



أمين أبوراشد

هنيئاً لنا ككل سنة عيد المقاومة والتحرير، هدية العزَّة والكرامة وعطر الشهادة المباركة من المقاومة وسيِّدها الى لبنان والعالمين العربي والإسلامي، ولنا نحن اللبنانيين الحصّة الأعظم فيها، كون الأرض المحرَّرة أرضنا والكرامة كرامتنا، وشاءها رجال المقاومة علامة أسطورية فارقة في تاريخنا وإرثاً للأجيال الآتية، عسى أن يعوِّض ما سطَّره المقاومون بالدم الطاهر، العجز عن توحيد كتاب التاريخ في هذا الوطن، وترصيع كتاب التربية الوطنية بأدبيات نعهدها دوماً في الإطلالات الشامخة لسيِّد المقاومة من المنظور الإنساني والوطني والثقافي، علَّنا نستحق الوطن المحرَّر بتحرير أنفسنا من رواسب زمن الخيبات، وتغدو لنا دولة تليق بالوطن العزيز الكريم.

في إطلالة العيد هذه السنة، تجاوز السيّد جدلية المعادلات، وشرح بأسلوبه المُحَبَّب طواعية اللغة العربية والتلاعب بعباراتها، وبقيت كلمة المقاومة بالأحرف الذهبية في البيان الوزاري، سيما وأن سماحته قبل أكثر من شهر على صدور البيان أعفاهم من عبء التشاطر على الكلام وتطويع اللغة، طالما المقاومة في وجداننا غير قابلة للتطويع أو المساومة على قدسيتها، وطالما أن المعادلة الثلاثية الثابتة التي نُطرب لسماعها دائماً من السيّد هي :"المقاومة وأهلها وناسها".

وإذا كان أهل المقاومة هم بيئتها الجغرافية المباشرة وحاضنتها القريبة وهم عوائل شهدائها، فإن شريحة واسعة من ناس المقاومة هم مكونات أساسية من الشعب اللبناني على امتداد الوطن من النهر الكبير حتى رأس الناقورة، من مختلف الطوائف والمذاهب، يتجمهرون أمام الشاشات لينهلوا من سيِّد المقاومة والتحرير أدبيات الإطلالة وثقافة القِيَم الإنسانية الجامعة والخطاب الوطني المسؤول، ويُطالبون اليوم بحقِّهم على سماحة السيِّد، أن يحرِّرهم كمواطنين ليستحقوا الوطن المُحرَّر، من ثقافة سياسية قزمة وانهزامية ومتواطئة ينعق بها بعض هواة السياسة وهواة الإعلام، ولم تعد تليق بلبنان ما بعد العام 2000 ولا لبنان ما بعد العام 2006، ولمن يتساءل عن حجم هؤلاء الناس المُطالبين بـ "وطن هويته مقاومة" فليتوجَّه إليهم خارج الحاضنة المباشرة للمقاومة، وليتفضَّل وينصفهم ويُجري اسفتاءً ضمن أقضيتهم، كي يُثبتوا حقَّهم باحتضان المقاومة وانتهاج مبادئها كتاباً وطنياً سيادياً لحماية الوطن وتعزيز مناعته.

إن المسيحي الذي يُفاخر بأنه من أحفاد رهبان المغاور وجبال المردة، ومن ورثة روّاد النهضة القومية والفكرية والأدبية العربية المشرقية، ثقافته ثقافة مقاومة، والسنّي الذي كان طليعة المقاومين العروبيين وبوصلة تنشئته السياسية هي القدس الشريف وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ثقافته ثقافة مقاومة، والدرزي العربي الشامخ وسليل الكبار من المناضلين في الجبل العريق، ثقافته ثقافة مقاومة، فما بالهم البعض من أولئك الذين يدَّعون تمثيلنا يُصادرون رأي الناس، وينحرفون دون الوقوف على رأي الناس نحو أجندات خارجية لمقارعة المقاومة في عرينها ووسط أهلها وناسها، ويصنِّفونها كما يشاؤون وهي التي صنَّفها التاريخ تاجاً مُذهَّباً لرؤوسنا وعنوان كرامتنا؟

إن ما عانيناه نحن اللبنانيين في ثقافتنا الوطنية نتيجة ارتدادات ما يُسمَّى بالربيع العربي وبشكل خاص خلال العام 2013، لهو أقسى وأظلم وأخطر من تواطؤ البعض مع أميركا والغرب  خلال خوض المقاومين الشرفاء وحلفائهم حرب التحرير عام 2000 والتصدِّي لعدوان تموز عام 2006، لا بل أن ما تصدَّى له سيِّد المقاومة واحتواه بإطلالاته الوطنية الجامعة خلال حملات التكفير والتهديد لأيّ آخر، سواء جاءت من المحيط الإقليمي عبر الفتاوى العابرة للحدود، أو من الفطريات التي نشأت داخل الأزقَّة والزواريب في لبنان، وكل الموبقات التي ارتُكبت في الجوار بحق الإنسانية من ذبحٍ ونحرٍ وشقٍّ للصدور، ومن تدميرٍ للمساجد والكنائس والأضرحة والقبور، ومن تهديدٍ ووعيدٍ وتشريد، وسياراتٍ مفخخة بالموت وانتحاريين ودماء بريئة تُهدر على أرض الوطن، وسط دعواتٍ لإقامة إمارات ودويلات الخلافة، وصمتٍ مُريب من بعض المراهنين الخائبين في الداخل اللبناني، كاد على قاب قوسين أو أدنى كافياً لتدمير لبنان الكيان والشعب لولا "المارد الصابر" وسواه من الكبار في وطنيتهم.

وما مقارنة سيِّد المقاومة بين الروح الإيمانية السامية، لمجاهدي المقاومة الإسلامية عند دخولهم قرى الشريط الحدودي المختلطة، واحتضانهم للشعب اللبناني من كافة الطوائف والمذاهب بمقدساته وأرزاقه وكرامته، سوى خير دليل على ما أرادته أميركا ومعها إسرائيل والغرب، من استهدافها للإسلام وتشويه صورته عبر الآلاف المؤلفة من التكفيريين الذين دُفِع بهم الى ساحات التناحر العربي، وأن "القُطوع" الرهيب الذي تجاوزناه في لبنان، لم نكن لنتجاوزه لولا القلب الكبير والصدر الواسع والعقل الراجح والرؤية الثاقبة الراصدة للأفخاخ لدى سماحة السيّد ومدرسة المقاومة والقادة الوطنيين الشرفاء في لبنان.

ختاماً، إن أبناءنا الذين كانوا أطفالاً في العام 2000، ويافعين في العام 2006 هم اليوم الجيل الواعد، وزرعنا فيهم معاني السيادة وقيمة الوطن وقوَّة المواطنة، وإذا كان هذا الوطن الحرّ باتت صورته مع دولته كما العريس البهيّ الطلعة الذي يرتدي بذلةً رثَّة، وبانتظار أن يرتدي العريس ما يليق به ويعتلي كرسي الفراغ من يملأ الفراغ فعلاً ويستحق الوطن الذي صنعته المقاومة، فليعلم من يسمع نبض الشارع اللبناني بغالبيته الساحقة، أننا لن نرضى بعد اليوم سوى بثقافة وطنية إنسانية جامعة تُحرِّر المواطن اللبناني من ثقافة الزواريب لنستحقّ الوطن المُحرَّر ونستحقّ عيد المقاومة والتحرير ..

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه