27-11-2024 12:35 AM بتوقيت القدس المحتلة

الكيان الصهيوني ... والأزمنة الثلاث

الكيان الصهيوني ... والأزمنة الثلاث

تقاطرت المعلومات الواردة من الكيان الصهيوني مؤخرا ً، حول السجال الحاصل داخل الكيان مابين سياسية وعسكرية

بقلم حسن شقير*

تقاطرت المعلومات الواردة من الكيان الصهيوني مؤخرا ً، حول السجال الحاصل داخل الكيان مابين سياسية وعسكرية، وانقسام وجهات النظر فيما بينهم فيما خص النفقات المالية  المخصصة للموازنة العسكرية للجيش الصهيوني ، وضرورة تخفيضها ، وما استتبع ذلك من تأثير مباشر على توقف تنفيذ العديد من المناورات العسكرية المقررة لما يُسمى بالجبهة الداخلية ، بغية تحضيرها لأية مواجهة مقبلة.

هذا الإشتباك الصهيوني - الصهيوني ، ليس وليد ساعته ، إنما هو مسار تعلو وتيرته وتنخفض ، وفقاً للطبقة الحاكمة في الكيان الصهيوني وأنماط تفكيرهم ، وإن عُدّ هذا السبب تفصيلياً في مقابل  التطورات والمعطيات العسكرية والإستراتيجية التي تُحيط بالكيان الصهيوني ، وذلك في مسار صراعه المستمر مع  محور الممانعة ، بكافة تلاوينه ، وذلك تبعاً لوتيرة المواجهة الحاصلة في مرحلة معينة من مراحل المواجهة المفتوحة معه .

زمن الفشل
في الرابع عشر من أب من العام 2006 ، أطل السيد حسن نصرالله على جماهير الأمتين العربية والإسلامية ، ومن خلفهما على العالم أجمع ، معلناً بأن هذا النصر الذي تحقق في ذاك العام على الكيان الصهيوني ، هو " نصر استراتيجي وتاريخي ، وسيبنى عليه الكثير الكثير ، حاضراً ومستقبلا ً .. "
لقد فصلت في ورقة بحثية موجزة في ١١ - ٠٦ - ٢٠١٠ ، بعض من هذه التحولات الكبرى التي اعقبت تلك المعركة الفاصلة ، واستشرفت بعضاً من ملامح المرحلة المقبلة ، وقد عنونتها ب " من غيّر وجه الكيان الصهيوني ؟.. والعالم!"

لقد خلصت في تلك الورقة ، إلى أن التحوّلات والتبدّلات التي طرأت في حينه على الخارطة السياسية العالمية - قبيل انطلاق ما سمي بالربيع العربي - ، شكلت المداميك الأساسية للبنات الأولى لخارطة سياسية عالمية أكثر واقعية ، حيث استشرفت يومها ، أن  تلك الواقعية ستتحكم  بمسار السياسات الكبرى في العالم , والتي لا بد أن تترك أثاراً مؤكدة على تغيير الوجه السياسي العام لمنطقة الشرق الأوسط برمتها..

لقد شكلت أحداث سوريا تحديداً ، منذ أذار ٢٠١١ ، فرصة ذهبية ، للكيان الصهيوني ، في تحويلها إلى رافعةٍ  حقيقية ، للخلاص من التداعيات التي بدأت تطفو على السطح السياسي في المنطقة كنتائج حتمية لتلك الحرب في العام ٢٠٠٦ ، ولقد تطرّقنا في تلك الدراسة ، بشكل تفصيلي إلى بعض من هذه النتائج ... إلا ّ أن الصمود الأسطوري لسوريا - الدولة بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات من الحرب التي فُرضت عليها ، وعلى أطراف محور الممانعة من خلفها ، وبدء التحوًّل في تلك الحرب ، من الصمود الأسطوري ، إلى النصر الإستراتيجي ، وشبه الخلاص من براثن الإستنزاف في مختلف ميادينه ، وتحويل هذه الأخيرة إلى فرص حقيقية لإعادة ترتيب محور الممانعة ، وهيكلته على أسس ٍ جديدة ، تُحاكي  مرحلة الفشل الكلي لزمن الحروب المفروضة من قبل الكيان الصهيوني ، وكما كانت الأمور ، حتى العام ٢٠٠٦ ، وما لحقها من جولتي العدوان في جس النبض  على قطاع غزة في عمليتي  ٢٠٠٨و ٢٠١٢ ... وما لحقها من استراتيجيات الحروب الناعمة ، والتي أفردت لها مركز البحث الصهيوني ، حيزاً مهماً في كيفية التعامل مع الفشل العسكري المباشر ، حيث تراوحت هذه الإستراتيجيات بين ضرب " المراكز التي تتبلور فيها فكرة المقاومة " ، إلى استراتيجيات " إضعاف قوة العقيدة ، والتجذر الشعبي ، وصولا  إلى فك الروابط الإقليمية "  بين أطراف الممانعة ...مع هذا كله ، فلقد مُني الكيان الصهيوني ، بخيبة انتظار صورة اشتهاها ،ولكنها  انحبست عن التشكل ..! ولكن ذلك لم يمنع من أن تتراءى أمام ناظريه صورةٌ أخرى ، ارتسمت معالمها   على الشكل التالي : فشلٌ صهيوني في تكرار نموذج حرب العام ٢٠٠٦ ، وعقمٌ ملموس من السير بإستراتيجيات الحروب الناعمة ، لأنها لم تف بالغرض التي أطلقت لأجله ... تطوراتٌ  ميدانية مستجدة في الحرب على سوريا ، لصالح الدولة السورية ومحور الممانعة معها ... إفلاسٌ مستجد في السير بالإستنزاف ، وعدم قدرة تحالف العدوان على سوريا ترسيخه واقعاً في الجغرافيا السورية ، ومحيطها أيضاً .... لا بل أن هذا الفخ الإستنزافي ، سرعان ما حوّله محور الممانعة إلى فرصٍ ٍ استراتيجية  على كافة الأصعدة ... !  كل هذا  وأكثر  جعل زمن الهلع الصهيوني من صمود الدولة السورية ، يحل ضيفاً ثقيلا ً على الكيان .. حيث استشرفنا ذلك أيضاً في مقالة (صمود الدولة السورية ومثلث الهلع الاستراتيجي ، المنشورة بتاريخ ٠١ - ٠٨ - ٢٠١٢ )

زمن الهلع
بانت إرهاصات الهلع عند الكيان الصهيوني ، عندما اجبرته سوريا - الدولة ، ومعها القوى المساندة لها في الميدان ،  على التوقف عن الرقص فرحاً في إمكانية تحويل الأزمة في سوريا ، إلى أزمة مركبة مبنية على طائفية بغيضة بين أطياف الشعب السوري بكل تلاوينه المذهبية .. وكذا الحال بالنسبة لكل من العراق ولبنان ، يضاف إلى ذلك عقم رهاناته على إمكانية إلصاق الجماعات التكفيرية والإرهابية بالجسد الإسلامي ، وانكشاف زيف هذه الجماعات ، ومعها مشروعها الهدام أمام أعين كافة الشرائح الشعبية الإسلامية بمختلف نسب ثقافاتها على حد سواء .. مما أفقد الكيان ورقة تحويل الحرب على سوريا إلى مستنقع تغرق فيه الأمة الإسلامية بدمائها ، لو قُدّر لهذا المشروع أن ينجح .. تعمق الهلع الصهيوني أكثر فأكثر مع بدايات أفول نجم الراعي الأمريكي عن المنطقة رويداً رويداً ، وذلك قبيل تأمين الحماية للكيان الصهيوني عن طريق تحطيم بوصلة الصراع بشكل نهائي للأمتين العربية والإسلامية عن فلسطين ، تجاه ناحية أخرى ، وذلك ظهر جلياً في فشل قيام المظلة الأمنية العربية - الصهيونية ، والفشل في تمرير إتفاق الإطار مع المفاوض الفلسطيني ، فضلا ً عن استدارة هذا الأخير نحو المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية ، ومباركة محور الممانعة لذلك ، والبدء الفعلي - بما كنا نطالب به باستمرار - بإعادة مد جسور التواصل مع فصائل المقاومة الفلسطينية ، التي حدث معها شرخ في العلاقة ، بسبب تباعد المواقف من الأزمة السورية ...  وقد استفحل الهلع الصهيوني أكثر فأكثر في الإنفتاح الأمريكي - الغربي على الجمهورية الإسلامية ، وما جرى من اتفاق نووي مرحلي ، وما يُحضّر له من اتفاق نهائي ، يبدو أن الصهاينة قد أحيطوا علماً بمبادئه الأساسية في زيارة وزير الدفاع الأمريكي مؤخراً إليه .

هذا الزمن الثقيل الذي حط رحاله على أكتاف الكيان الصهيوني ، رغماً عنه ، وذلك بفعل كل ما أجملناه ، وأكثر ، فرض على هذا الأخير ، البحث. الدؤوب عن مسارب للخروج والتكيف مع المستجدات الميدانية في كل من سوريا ولبنان ، وحتى في العراق ، فضلا ً عن تلك التحولات السياسية الكبرى التي أعقبتها في المنطقة والعالم ...حيث لم يكن أمامه بدٌ ، إلا ّ الولوج رغماً عنه في زمن جديد ، سمته : التكيّف .

زمن التكيّف
لعل أولى إجراءات التكيّف التي بدأ بها الكيان الصهيوني ، كانت قد انطلقت من داخل الكيان نفسه ، حيث تواترت المعلومات التي استقرت على تقليص الموازنة العسكرية للجيش الصهيوني ، وفي المقابل زيادة نظيرتها في الإستخبارات ، وذلك في عودة صهيونية متجددة للإستثمار في البعد الأمني لميدان الصراع مع محور الممانعة ، وذلك بعيداً عن البعد الإجتماعي والثقافي والفكري الذي مورس وفُعِّل في زمن الفشل الأول  ...

تقاطع القرار الصهيوني ذاك ، مع تقرير أمريكي حديث ، يتحدث عن الواجب اتخاذه من إجراءات من قبل الولايات المتحدة ، لمواجهة قوة حزب الله المتعاظمة .. وقد شابه التقرير في إحدى توصياته ، القرارات الصهيونية ، لناحية تفعيل العمل الإستخباراتي لمواجهة حزب الله ، مع توصية إضافية بضرورة منع قيام " نماذج مشابهة لحزب الله في المنطقة " ، فيما يبدو أنها خشية وتنسيق مشترك ما بين أمريكا - الأفلة ، والكيان الصهيوني - الهلع ....

إذاً ، يبدو أن سمة الزمن المرحلي عند الكيان الصهيوني سيعتمد على اتخاذ مجموعة من الخطوات  والتدابير المشتركة والمنسقة استخباراتيا وحتى دبلوماسياً مع  أمريكا ( والتي نبحث فيها في مقالة لاحقة ) ، ولا تبتعد زيارتي تشاك هاغل وسوزان رايس الأخيرتين إلى الكيان الصهيوني عن ذلك كله .

إذاً ، المرحلة القادمة خطيرة وحساسة ، ولا يمكن الإستهانة بها ، لأن أليات ما اتفق عليه صهيونياً وأمريكياً ، ستظهر وتتمظهر تباعاً في السوح الممانعة ، وفي غيرها أيضاً ، على الرغم من أن هذه الخطوات ستبقى محكومة ً ضمن سقف يتراوح حده الأدنى بما فوق الحرب الناعمة ، وما دون الحرب الخشنة في حده الأقصى .

*باحث وكاتب سياسي


موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه