وترى مجلة "اتلانتيك" الأميركية إن رجال الأعمال وتجار التجزئة وجدوا حليفا غير متوقع في رجال الدين الوهابيين الذين يعتبرون التبجيل من المواقع التاريخية شكلا من أشكال الوثنية، وسعداء لرؤية تلك المواقع تهدم.
فضحت مواقع التواصل الاجتماعي إساءة رجل أمن سعودي للكعبة المشرفة بأن أظهرت صورته وهو يقف بحذاء عسكري الى جوار الكعبة، وهذه الصورة ارغمت السلطات السعودية على اصدار الاوامر بالتحقيق مع رجل الامن دون توبيخه.
ولولا مواقع التواصل الاجتماعي لما انتبه المسلمون الى هذه الاساءة التي لا يمكن القبول بها من أشخاص مكلفين بالحراسة في داخل الكعبة وكثيرا ما يوجهون الاساءة للحجاج عند اقترابهم من الحجر الاسود والكعبة المشرفة.
وهذه ليست المرة الاولى التي يقوم بها رجال الامن السعوديين بتوجيه الاهانة للكعبة والحجاج الذين يطوفون حول الكعبة، خاصة وان الحجاج ولا سيما من غير العرب كثيرا من يتجاهلون اساءات رجال الامن وقيامهم في احيان كثيرة بضرب الحجاج وتوجيه السباب لهم، دون ان يكون لأحد الحق في عتابهم او تقديم شكوى ضدهم.
فكم من رجال الامن العسكريين والمدنيين كانوا سابقا يحملون العصى وينزلون بالضرب على من يحاول الاقتراب من ضريح الرسول (صلى الله عليه وآله). كما ان المدنيين والعسكريين المكلفين بحراسة قبور ائمة البقيع المهدمة بالقرب من قبر الرسول يمنعون الحجاج من قراءة الفاتحة والزيارة ويرغمونهم على مغادرة المكان او يصادرون كتب الادعية منهم.
ان تمادي السلطات المكلفة بالحرم المكي والمدني الشريف في الاساءة الى الاماكن المقدسة وسكوت المسلمين على ذلك، قد اعطى لهؤلاء المبرر بهدم المباني التاريخية في مكة والمدينة بذريعة مشاريع التوسعة، وقد اثار تهديم أحد الاثار العثمانية القديمة في المسجد الحرام بمكة والذي يعود الى القرن السابع عشر الى تنديد تركي بهذه الخطوة كما ان تدمير قلعة الاجياد العثمانية التي بنيت على تلة مطلة على الكعبة في نهاية القرن الثامن عشر قد اثار الاتراك الذين نددوا بهذه الخطوة واعتبروها عملا بربريا.
وذكر تقرير نشر اخيرا ان وجه مكة قد تغير بشكل كبير، فقد أصبحت المنطقة المحيطة بالمسجد الحرام مليئة بالمباني العمرانية الحديثة، ولعل أبرزها "ساعة مكة" وهي فندق يحتوي على 120 طابقا، يشابه في شكله ساعة بيغ بن اللندنية.
وتؤيد بعض الجماعات السلفية، كأنصار السنة المحمدية في مصر، عمليات التوسعة هذه، إذ قال الأمين العام للجماعة، أحمد يوسف: "نحن لا نقدس الأماكن أو الأشخاص، فالمسلم يطلق ما ورد في القرآن والسنة. ولا وجود لمكان أقدس من الكعبة، لذا، إن قرر السعوديون توسعة المسجد، فذلك لأنهم يهتمون بالإسلام والمسلمين أكثر من الآثار."
وقدر معهد مقره الولايات المتحدة الأمريكية، أن 95 في المائة من المباني التي تعود إلى مئات السنين أزيلت خلال العقدين الماضيين، بينما تقول السلطات السعودية إن هذه التغييرات هي جزء من خطة تحديث المدينة لما فيه خدمة للحجاج.وكما حدث في مكة تسعى السلطات السعودية إلى تطوير المدينة المنورة أيضا، وبالأخص المسجد النبوي، حيث مدفن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) .
ففي العام 1925، أقدمت السلطات السعودية على هدم جميع الأضرحة في مقبرة البقيع، التي دفنت فيها معظم زوجات النبي محمد، وأبنائه، وأقربائه. كما أن المنزل الذي كان في يوم من الأيام يعود إلى زوجة النبي، خديجة، أصبح اليوم جزءا من حمام عام للحجاج، أما الموقع الذي يعتقد أن النبي محمد ولد فيه، فأصبح سوقا للمواشي قبل أن يتم تحويله إلى مكتبة.
وترى مجلة "اتلانتيك" الأميركية إن رجال الأعمال وتجار التجزئة وجدوا حليفا غير متوقع في رجال الدين الوهابيين الذين يعتبرون التبجيل من المواقع التاريخية شكلا من أشكال الوثنية، وسعداء لرؤية تلك المواقع تهدم. وقد أعلن الشيخ "عبد العزيز بن باز" مفتى السعودية السابق فى فتوى عام 1994 أنه لا يجوز تمجيد المباني والمواقع التاريخية،" وأضاف: "هذا العمل يؤدي إلى الشرك لذلك من الضروري رفض هذه الأعمال وتحذير الآخرين للابتعاد عنها."
ووفقا لما اعلنه "عرفان العلوى" المدير التنفيذى لمؤسسة "بحوث التراث الاسلامي"، ومقرها لندن، فان هناك كتيبا تم نشره العام الماضى بمعرفة وزارة الشؤون الاسلامية السعودية وأيده "عبد العزيز آل الشيخ"، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ووزع في المسجد النبوي، جاء فيه " يجب هدم القبة الخضراء و وتسوية المقابر الثلاثة لكل من النبى "محمد" (صلى الله عليه وآله) و"ابوبكر" و"عمر بن الخطاب".
وتوافق هذا الشعور الصادم مع ما جاء فى إحدى خطب الشيخ "محمد بن عثيمين" ، أحد أبرز رجال الدين الوهابيين في المملكة العربية السعودية ، الذي ألقى خطبه في المسجد الحرام في مكة لأكثر من 35 عاما، إذ قال: " نأمل في يوم من الأيام أن نكون قادرين على هدم القبة الخضراء للنبي "محمد " (صلى الله عليه وآله).
ووفقا لمعهد الخليج ومقره واشنطن، فقد تم هدم ما يقرب من 95 % من المباني التى تجاوز عمرها ألف عام فى مكة في العقدين الماضيين فقط. وعندما تم سؤال حبيب زين العابدين، نائب وزير الشؤون البلدية والقروية بالسعودية ورئيس جميع مشاريع البناء ذات الصلة بالحج في المملكة، عن هدم المواقع التاريخية في مكة المكرمة، بدا غير مبال عن أهميتها الدينية، وكان الأكثر أهمية بالنسبة له أن الحج " فرصة جيدة لزيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة، والقيام ببعض التسوق، وقضاء العطلة ".
وهكذا نرى ان سكوت المسلمين على الاساءة الى الاماكن المقدسة في مكة والمدينة وعدم اظهار اي رد فعل تجاه تخريب الاثار التاريخية فيهما، قد جعل السلطات السعودية تتمادي في قرارها بهدم جميع المعالم الاسلامية حول الكعبة وحول قبر الرسول (صلى الله عليه وآله).