نشر حنون 500 بحث في المجلات العلمية المحكمة وبلغ تمويل بحوثه ملايين الدولارات. حصل على سبع براءات اختراع في بحوث متعلقة بدور الدهون في ضبط نمو الخلية ونال شهرة عالمية في هذا المجال
تمنح «الجامعة الأميركية في بيروت»، اليوم، شهادة الدكتوراه الفخرية لمدير مركز السرطان ونائب عميد طبّ السرطان والأستاذ في البيوكيمياء وبيولوجيا الخلية في «جامعة ستوني بروك» في نيويورك الدكتور يوسف حنّون.
ملاك مكي/ جريدة السفير
ولد حنون في المملكة العربية السعودية لوالدين فلسطينيين وتعلّم في بيروت ثم تخصص في «الجامعة الأميركية» في الطبّ الداخلي. غادر بيروت في العام 1983 ليتابع تخصصه في «جامعة ديوك»، والتحق في العام 1998 بجامعة كارولينا الجنوبية الطبيّة كرئيس لاختصاصي البيوكيمياء وبيولوجيا الجزيئية (Molecular Biology)، ونائب مدير مركز «هولنغز» للسرطان.
نشر حنون 500 بحث في المجلات العلمية المحكمة وبلغ تمويل بحوثه ملايين الدولارات. حصل على سبع براءات اختراع في بحوث متعلقة بدور الدهون في ضبط نمو الخلية ونال شهرة عالمية في هذا المجال. ألّف سبعة كتب، وحاز وسام الاستحقاق من معاهد الصحة الوطنية في الولايات المتحدة الأميركية، وجائزة «أفانتي» المرموقة من «الجمعية الأميركية للبيوكيمياء وبيولوجيا الجزيئية»، وجائزة الكويت للبحوث الأساسية في العام 2013.
تتركز بحوث حنون في دراسة وفهم خصائص الدهون ودورها في تنظيم الخلايا ونموّها، خصوصاً شحميات «sphingolipids». ساد الاعتقاد، منذ ثلاثين عاماً، بأن للدهون دورين أساسيين في توليد الطاقة، وفي بناء غشاء الخلية. غير أن بحوث حنون وفريقه في «جامعة ديوك» حيث أمضى 15 عاما وفي جامعة «ستوني بروك» التي التحق فيها العام 2011، ساهمت في اكتشاف الخصائص البيوكيميائية والجزيئية لتلك الشحميات، فضلا عن دورها الهام في الأمراض العصبية مثل الباركنسون، وفي ضبط عملية موت الخلايا، وفي الالتهاب، وفي ردة جهاز المناعة في مواجهة العدوى والسكري، وفي تكوين الأوعية الدموية الجديدة.
يلفت حنّون لـ«السفير» إلى أن بحوثه تتعمّق في الرابط بين الشحميات الـ«سفينجولية» ومرض السرطان وتطوّره. إذ تساهم تلك المجموعة من الدهون في نمو الخلايا السرطانية أو في الحد من تطورها. تساعد دراسة الأنزيمات التي تضبط عمل الدهون تلك في تحديد الأنزيمات التي تظهر خللا في وظيفتها في بعض الخلايا السرطانية، ما يساهم في إيجاد آليات لوقف نشاط تلك الأنزيميات، وبالتالي مواجهة السرطان.
تهدف تلك البحوث، التي أُجريت على الخلايا والفئران، إلى تطوير العلوم الأساسية في البيولوجيا الجزئية وإلى فهم أعمق وأدق للمسارات البيولوجية وضبطها. تتوافر معلومات في كيفية مواجهة بعض المسارات التي تعزّز نمو السرطان من دون إنتاج أدوية حتى اليوم، إذ يتطلب الأمر مراحل وتجارب إكلينيكية عديدة.
يشرح حنّون أن التعمّق في دراسة المسارات البيولوجية، وتحديد الفروق بين بعض أنواع السرطانات يساعد في بلورة تدخلات طبية أكثر دقة تناسب خصائص الأورام والمريض. ويتجه الطب، في الأعوام المقبلة، في علاج السرطان إلى الطب الدقيق (precision medicine) الذي يهدف إلى تحديد خصائص الأورام والفروق على المستوى الجزيئي ومواجهتها.
ويوضح حنّون أن مرض السرطان ليس مرضاً واحداً، إذ تختلف الخصائص بين الأورام وأنواع السرطانات والمصابين. ويشهد علاج السرطان، الآن، تطوراً في العلاج المناعي ضد السرطان مثل استخدام الأجسام المضادة (antibodies) لمستضدات (antigens) الأورام في سرطان الغدد اللمفاوية، أو إجراء تجارب في شأن إيجاد اللقاحات ضد الأورام من خلال تعريض الخلايا المناعية للإنسان إلى الأورام ثم زرعها عند المريض.
يعتقد الأفراد أن مرض السرطان مرتبط بعوامل وراثية، غير أن حنون يوضح أن الأمراض السرطانية الناجمة عن أسباب وراثية قليلة، فعلى سبيل المثال، لا تتعدى نسبة سرطانات الثدي الناجمة عن أسباب وراثية الثلاثة في المئة من مجمل سرطانات الثدي. وتعتبر السرطانات التي تظهر عند الأشخاص في عمر مبكر أكثر ارتباطاً بعوامل وراثية من غيرها. وتساعد الفحوص الجينية لبعض الأورام، مثل طفرات في جين (EGFR) عند سرطان الرئة، في فعالية العلاجات. وينصح حنّون الأشخاص السليمين باستشارة الطبيب قبل إجراء الفحوص الجينية المرتبطة بأمراض سرطانية إذ لا تتوافر، اليوم، معطيات كثيرة في شأن الأسباب الوراثية، ولا تساعد معرفة نسبة زيادة عوامل الخطر (كأن يدرك الشخص أنه معرّض لبعض أنواع السرطان بنسبة أعلى بخمسة في المئة من الآخرين) بإجراء التدخّلات الفعالة، خصوصاً في حال عدم توافرها.
يتساءل كثيرون في شأن أثر الهواتف المحمولة وأشعة الميكروويف على زيادة معدل الإصابة بالسرطان، غير أن حنّون يوضح أنه ليس هناك حتى اليوم أدلة علمية تثبت أن الهواتف المحمولة تزيد نسبة الإصابة بسرطان الدماغ، وإذا بيّنت المعطيات وجود خطر، فلن يكون شديداً.
لا يعلن حنون، بسهولة، أنه سيتم اكتشاف شفاء من السرطان في وقت قريب. ويشير بعقلانية إلى أنه تتوافر، اليوم، علاجات شافية لبعض أنواع السرطان، وتظهر علاجات أخرى متقدمة. ويدرك الباحثون سبل شفاء بعض أنواع السرطانات من دون بلورة العقاقير المناسبة التي تحتاج إلى وقت وإمكانيات كبيرة. فعلى سبيل المثال، تظهر المعطيات، في الولايات المتحدة، إصابة 1.5 مليون شخص بالسرطان في العام الحالي، ومن المتوقع أن يتوفى منهم نسبة أربعين في المئة.
وتواجه البحوث في شأن تطوير علاج السرطان معوّقات عدة، أبرزها: تشابه الخلايا السرطانية مع الخلايا السليمة في جسم الإنسان على خلاف الفروق التي تظهرها الجراثيم مع الخلايا البشرية مثلاً. ويساعد التعمق في فهم دراسة نشاط الخلية السليمة في مواجهة الخلية السرطانية.ويكشف حنون ارتفاع الإصابة بالسرطان في البلدان النامية بسبب زيادة عوامل الخطر مثل التدخين، واستهلاك المأكولات غير الصحية، بينما تسجّل البلدان النامية انخفاضا في انتشار الأمراض المعدية، ما أدّى، لأوّل مرة منذ عقود، إلى ارتفاع عبء الأمراض غير المعدية مقابل الأمراض المعدية.
من جهة أخرى، ينخفض معدّل الوفيات الناجمة عن داء السرطان في البلدان المتقدّمة بسبب الكشف المبكر، والحدّ من التعرّض لعوامل الخطر مثل مادة الأسبستوس (asbestos) التي تستخدم في البناء، وتوافر إمكانية الحصول على العلاج.يتابع حنون، منذ ثلاثين عاماً، عمله البحثي بشغف: «الشغف وحب الاكتشاف كانا المحركين للتعمق في البحوث العلمية واكتشاف المعطيات الجديدة وتسجيل براءات اختراع. ويشكل منح الجامعة التي درست فيها، شهادة الدكتوراه الفخرية، اليوم، شرفاً قديراً ومفاجأة جميلة لي».
يذكر أن «الجامعة الأميركية في بيروت» ستمنح، اليوم خلال احتفال التخرج السنوي الخامس والأربعين بعد المئة، شهادة الدكتوراه الفخرية للنحاتة والفنانة اللبنانية سلوى روضة شقير وهي رائدة في الفن التجريدي، ورجل الأعمال سميح دروزة الذي أسس «شركة أدوية الحكمة»، والطبيب يوسف حنّون.