كان الجنرال شارل ديغول، الرئيس الفرنسي السابق، يقول (إذا أردت أن يضيع أثر قضية ما فشكل لجنة تبحث في أمرها)
كان الجنرال شارل ديغول، الرئيس الفرنسي السابق، يقول (إذا أردت أن يضيع أثر قضية ما فشكل لجنة تبحث في أمرها).
منطق ديغول هذا يجري تنفيذه في أيامنا الحالية في قضية ثروة عائلة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك والتي تبلغ حسب تقديرات وسائل إعلام غربية بين 40 و70 مليار دولار. غير أن لجنة ديغول المفترضة، يحل مكانها هنا دول كبرى وصغرى وبنوك حول العالم ومافيا دولية مركزها إسرائيل، وتنشر فروعها كالإخطبوط في كل من لندن، واشنطن، سويسرا، ودبي، وتعمل على إعاقة عمل الباحثين عن أموال الشعب المصري التي نهبتها عائلة مبارك.
ما ذكرناه نورده نقلا عن مصدرين في العاصمة الفرنسية باريس، المصدر الأول نيابي فرنسي والمصدر الثاني عربي ناشط في لجنة ملاحقة ناهبي ثروات الشعب المصري والتي رفعت دعوى قضائية في فرنسا لتجميد أموال عائلة حسني مبارك.
ما هي التحركات التي تجري هذه الأيام في هذا الموضوع؟
ما يتردد في باريس مفاده أن الدولة المصرية طلبت من الولايات المتحدة وأوروبا تجميد أموال مسؤولين كبار، غير أن ما يجب الإشارة إليه والمثير للانتباه هو استثناء الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك من هذا الطلب. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تبخر الأموال التي يجري البحث عنها، حسب ما قال لنا مصدر في لجنة ملاحقة ناهبي أموال الشعب المصري، وهذا الكلام أكده أيضا (دانيال ليبيك) مسؤول جمعية الشفافية الدولية فرع فرنسا احد أعضاء اللجنة المذكورة حين قال ( هناك سعي لتسوية أمور الرئيس المصري المخلوع عبر نقل حساباته وتبخرها في العالم وفي بلدان شرق أوسطية).
من هنا يتبين أن كل ما يدور الآن حول حسني ومبارك وعائلته هو بداية الصراع على الثروة الهائلة التي جمعتها العائلة خلال ثلاثين عاما من حكم لم يشاركها به احد، وهناك قوى في السلطة العسكرية لا تريد أن يحاكم مبارك حتى لا يطاولها أذى من أي محاكمة قد تطال مبارك وفترة حكمه.
هذا في الجانب المصري، أما في الجانب الغربي، فتلعب بريطانيا دورا كبيرا في تبخر هذه الثروة التي يتواجد القسم الأكبر منها في بنوكها. وفي هذا السياق أتى تصريح وزير الخارجية البريطاني عن الحاجة لتعاون دولي من اجل السيطرة على ثروة مبارك وعائلته والحجز عليها. وهذا التصريح يذكرنا بجملة شارل ديغول الشهيرة عن اللجنة التي تشكل ليضيع الأثر وتتبخر الحقيقة.
تصريح الوزير البريطاني يتعارض جملة وتفصيلا مع تصريح لوزيرة الاقتصاد الفرنسي (كريستين لاغارد) التي أعلنت أن فرنسا مستعدة لوضع كل إمكانيتها في مساعدة القضاء المصري للبحث في تجميد أموال وممتلكات الرئيس المصري المخلوع وعائلته. وهنا ندخل في حلقة من حلقات الصراع على مليارات مبارك من خلال حماسة فرنسا لتجميد أموال تتواجد غالبيتها في بريطانيا بينما يسعى وزير الخارجية البريطاني إلى تعقيد الأمور عبر طلب تحالف دولي حول الموضوع لا تبدو حظوظه بالنجاح كبيرة .
في هذا السياق لا يمكن الجزم بحجم ثروة آل مبارك وتحديد الرقم، غير انه ما تأكد لدينا وبعد أن أطلعتنا لجنة (ملاحقة ناهبي ثروات الشعب المصري) على خمسة عشر وثيقة قدمتها للمحاكم وتثبت امتلاك مبارك أموال في عدة دول، لا مجال بعده للشك بأن الثروة تبلغ عشرات المليارات من الدولارات.
في الجانب المصري أيضا، لم يعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن نية لاستلام هذا الملف رغم اللغط الواسع الذي يدور في الشارع المصري حوله، بينما قرر فتح ملفات رجال أعمال شاركوا في حكومات مبارك وكانوا أعضاء في الحزب الحاكم، والبعض في لجنة الملاحقة هنا في باريس يقول إنه "لا يمكن لنا وضع الجميع على مستوى واحد".
يبدو أن رجال الأعمال سوف يقدّمون ككبش فداء سهل في هذا الصراع القائم.
فالملاحقات بحق بعض هؤلاء ليست سوى بداية لتصفية حسابات قديمة بينهم وبين والجيش الذي كان قائده العام محمد حسين طنطاوي معارضا شديدا لحملة الخصخصة الكبيرة التي انتهجها الرئيس المخلوع منذ العام 2002.
في النهاية لا شك بأننا أمام المشاهد الأولى لصراع طويل وفضائحي سوف تطال شظاياه جهات في دول عديدة لن يكون لبنان خارج تأثيراتها كما دلت بعض الوثائق التي جرى إطلاعنا عليها.
لننتظر ونرى، فالمسلسل ما زال في حلقته الأولى