النقطة التي أشار إليها أمير المؤمنين(ع) في خطبةٍ له في نهج البلاغة وهي أنّ سبب بعثة النبيّ والأنبياء العظام الإلهيّين هو: "ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكّروهم منسيّ نعمته ... ويثيروا لهم دفائن العقول". فأشار
كلمة الإمام الخامنئي عند لقائه مسؤولي النّظام وسفراء البلدان الإسلاميّة - في ذكرى المبعث النبوي الشريف.
27/5/2014
بسم الله الرحمن الرحيم والحمدلله وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين وعلى صحبه المنتجبين ومن اتّبعهم إلى يوم الدّين.
المبعث؛ أكبر عيد للبشرية
نبارك لكم جميعًا أيّها الحضّار الأعزّاء، الإخوة والأخوات، وضيوفنا الأعزّاء سفراء البلدان الإسلاميّة، الحاضرين في هذا المجلس، وكذلك أبناء شعب إيران الّذي أثبت تمسّكه برسالة بعثة النبيّ ونجاحه في الامتحانات الكبرى والعسيرة على هذا الطّريق، أبارك لكم جميعًا ذكرى بعثة نبيّ الإسلام المكرّم ـ الذي هو في الواقع أكبر عيد للبشريّة.
كذلك أبارك هذا اليوم العظيم لجميع الشّعوب المسلمة، وللعالم الإسلاميّ، ولكلّ مسلمٍ يعيش في أيّ بقعةٍ من العالم، وكذلك لجميع أحرار هذا العالم. أولئك الذين يستشعرون بعمق رسالة الحريّة والعدالة والإنسانيّة وكرامة الإنسان ويفرحون لها.
البعثة؛ ميثاق الفطرة واستثارة العقول.
إخواني وأخواتي الأعزّاء! فيما يتعلق ببعثة النبيّ يجدر تناول مجموعة من الكلمات والمقولات. ما هو ضروريٌّ اليوم، بالنسبة لنا كشعبٍ وعالم إسلاميّ، ويجب الالتفات إليه هو نقطتان أو ثلاثة أساسيّة: الأولى، هي تلك النقطة التي أشار إليها أمير المؤمنين(ع) في خطبةٍ له في نهج البلاغة وهي أنّ سبب بعثة النبيّ والأنبياء العظام الإلهيّين هو: "ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكّروهم منسيّ نعمته ... ويثيروا لهم دفائن العقول". فأشار إلى ضرورة إرجاع البشر إلى الفطرة الإنسانيّة، وأصل الخلقة المتلازمة مع الشّرف والكرامة؛ ويذكّرونهم تلك النّعم الإلهيّة التي نُسيت، ويبعثون ما دُفن من العقول من جديد. " ويثيروا لهم دفائن العقول".
حل المشاكل بالعقل والفكر
إنّ البشر وببركة العقل يمكنهم أن يدركوا رسالة الأنبياء؛ فلا يخشون المشاكل والصّعاب على طريق الأنبياء النّورانيّ ويتمكّنون من عبورها. تستطيع البشريّة ببركة العقل والفكر أن تستفيد من مفاهيم القرآن بصورةٍ صحيحة. فلو أنّ المجتمع الإسلاميّ التزم بهذا البرنامج والتّعاليم فأعمل قوّة الفكر والعقل وجعل هذا الأمر رائجًا وعامًّا، فإنّ مشكلات البشريّة الأساسيّة سوف تُحلّ، كما ستُحلّ المشاكل الأساسية للمجتمع الإسلاميّ.
انقاذ المسلمين بفهم القرآن
انظروا اليوم، ترون كيف يجري ذلك النّهج الظّالم باسم الإسلام في إحدى مناطق العالم ضدّ الأبرياء. فمن أجل الإسلام تُرتكب المجازر بحقّ المسلمين. في أحد مناطق أفريقيا، وفي دولة أخرى يتمّ قتل الإنسان لأنّه مسلمٌ ويتمّ الاعتداء عليه وظلمه. وفي بقعةٍ أخرى، يجري خطف بنات النّاس باسم الإسلام. وكلّ ذلك لأجل أنّ هؤلاء لم يدركوا حقيقة رسالة الإسلام للمسلمين. نحن المسلمون يجب أن نفهم القرآن والإسلام جيّدًا ونصل إلى رسالاتوتعاليم نبيّ الإسلام بميزان عقلنا وبمعونة وهداية الفكر البشريّ والإسلاميّ. عندما نغفل عن رسالة الإسلام حيث يقول القرآن الكريم: {يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}[الفرقان، 30]، عندما نهجر القرآن، ولا ننظر بصورةٍ صحيحةٍ إلى مفاهيمه، ولا ندرك مجموع المفاهيم القرآنية التي تشكّل منظومةً كاملةً لحياة الإنسان، سنزلّ ولن تتمكّن قوّتنا العقليّة من الإدراك الصّحيح للمفاهيم القرآنيّة.
قمع الفتنة بمصباح العقل والفكر
في عالم اليوم هناك أعداءٌ يواجهون الإسلام بصورةٍ علنيّة ومواجهتهم تكمن بالدّرجة الأولى في إيجاد الخلافات. وأعمق الخلافات وأخطرها هي الخلافات العقائديّة والإيمانيّة. في عالم اليوم، يتمّ إيجاد القلاقل الإيمانيّة والعقائديّة من أجل الإيقاع بالمسلمين فيما بينهم بواسطة الأيادي الاستكباريّة. فتقوم فرقةٌ بتكفير أخرى، وتحمل ثالثةٌ على غيرها، وبدلًا من أن يتعاون الإخوة فيما بينهم ويتعاضدون فإنّهم يتعادون ويتنازعون! يشعلون نيران الحرب بين الشّيعة والسّنّة، ويسعرون من نيران الاضطرابات القوميّة والطائفيّة. بالطبع إنّ الأيادي التي تقف وراء هذه الأفعال معروفةٌ. لو أُعملت قوّة العقل وأُضيء مصباح الفكر والوعي ـ الذي أمرنا القرآن به ـ للِحظنا أيادي العدوّ وأدركنا دوافعه.
التخويف من الشيعة وايران غطاء..
وفي عالم الإسلام اليوم فإنّ الأجهزة الاستكباريّة ولكي تصل إلى أهدافها الاستكباريّة ولكي تخفي مشاكلها وتغطّي عليها فإنّها توجد الخلافات بين المسلمين. فتوجد ما يُسمّى برُهاب الشّيعة ورهاب إيران من أجل الحفاظ على الكيان الصهيونيّ الغاصب. ومن أجل أن يحلّوا تلك التناقضات التي أدّت إلى هزيمة السّياسات الاستكباريّة في هذه المنطقة، يرون الحلّ في إيجاد الخلافات بين المسلمين. حسنٌ، يجب ملاحظة هذا الأمر وفهمه وهذا ما هو متوقّعٌ من النّخب.
علائم جاهلية الغرب؛ إغفال الكرامة, التبرج ..
ما تقوم الأجهزة السّياسيّة الاستكباريّة للغرب بترويجه هذه الأيّام هو تلك الجاهليّة التي كانت بعثة النبيّ من أجل القضاء عليها في بيئة حياة الإنسان. ونحن نشاهد اليوم، في هذا العالم، علائم تلك الجّاهليّة في الحضارة الغربيّة الفاسدة: كل ما يتعلّق بما ينافي العدالة وما يرتبط بالتمييز وإغفال كرامة الإنسان وتضخيم القضايا والحاجات الجنسية. يخاطب القرآن الكريم زوجات النبيّ المكرّمات قائلًا: {وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى}، [الأحزاب، 33]، فمن علائم الجاهليّة الأولى هو تبرّج النّساء. ونشاهد اليوم أنّ من أهم معالم الحضارة الغربيّة هو هذا التبرّج؛ هذه هي الجاهلية. غاية الأمر أنّها جاهلية تمكّنت من إخفاء الحقائق عن أعين الناس بواسطة ما تزوّدت به من أسلحة الإعلام المتطوّرة، يجب علينا نحن المسلمين أن نفهم هذه الأمور ونتعرّف عليها.
البصيرة والمعرفة الواقعية للعدو
يحتاج العالم الإسلاميّ اليوم إلى الرّجوع إلى الفكر واستعماله والاعتياد عليه وفهم القضايا وتحليلها بشكلٍ صحيح. يحتاج عالمنا الإسلامي اليوم إلى المعرفة الواقعية لجبهة عدوّ الأمّة الإسلاميّة؛ وعلينا أن نتعرّف على أعدائنا وأصدقائنا. يُشاهد أحيانًاكيف أنّ جماعةً منّا نحن المسلمين تتعاون مع أعدائنا من أجل القضاء على أصدقائها وإخوانها! حسنٌ، إنّ هذا يوجّه إلينا ضربةً، ويوقع الأمّة الإسلاميّة بالضّيق والضّعف، وكلّ ذلك ناشئٌ من فقدان البصيرة. إنّ عالم الإسلام يحتاج اليوم إلى البصيرة، وإلى هذا التّدبّر والفكر، وإلى إثارة دفائن العقول "ويثير لهم دفائن العقول". والحاجة الأخرى الأساسية للعالم الإسلاميّ هي الاتّحاد، ويجب تجاوز الخلافات الجزئية والخلافات المتعلّقة بالسلائق والاختلافات العقائديّة وتشكيل الأمّة الواحدة {إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء، 92]، هكذا يقول الله.
ألا يكفي لأجل اتّحاد العالم الإسلاميّ الاعتقاد بالقرآن والنبيّ والإله الواحد والقِبلة الواحدة ووجود جبهة معادية واحدة ؟ لماذا يوجد جماعة لا تفهم ذلك؟ لماذا لا يدرك البعض هذه الحقائق الواضح؟ ما هو هدف أمريكا وجبهة الغرب من إيجاد هذا الخوف من إيران والشّيعة؟ لماذا لا يفكّرون بمثل هذه القضيّة؟ينبغي أن يختلف المسلمون ويتمّ تقييد فكرهم وتضخيم القضايا الصّغيرة أمامهم حتّى يتمكّن النّظام الصهيونيّ الغاصب ـ والذي يُعدّ اليوم أكبر مصيبة للعالم الإسلاميّ ـ أن يعيش براحةٍ ويتغلّب على مشاكله وعلى العوامل التي ستزيله من الوجود، والتي بحمد الله موجودة في أركانه!.
الوحدة والقرآن وصدق الوعد الإلهي
برأينا، إنّ الصّحوة الإسلاميّة قد وُجدت؛ وقد سعى أعداء الإسلام إلى قمع هذه الصّحوة ـ وقد قاموا بذلك في بعض الأماكن ـ لكنّ الصّحوة الإسلاميّة لا يمكن إسقاطها. لقد ارتفعت راية الاعتزاز بالإسلام وقوي الإحساس بالهويّة الإسلامية بين المسلمين في كلّ مناطق العالم، وسوف يقوى. لقد قام الشّعب الإيرانيّ في هذا المجال بحمل أعباء مسؤولياتٍ كبيرة وسوف يبقى كذلك. إنّ شعب إيران يتقدّم على أساس الإيمان بالقرآن ورسالة البعثة والوحدة الدّاخليّة والشّعور بالشّجاعة مقابل العدوّ وعدم الخوف منه، والشّعور بأمل الوعد بالنّصر الإلهيّ الذي هو وعدٌ إلهيٌّ صريح، حيث يقول {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ} فهو بهذه الذّخائر العظيمة يتقدّم.
سنتقدم فاتحين..!
إنّنا بحمد الله، سنتقدّم فاتحين تلك الخنادق والقلاع واحدةً تلو الأخرى من أجل الاستمرار في طريق مواجهة الظّلم والجّهل إن شاء الله. وبحمد الله يتمتّع الشّعب الإيرانيّ بالتوفيق والعون الإلهيين. لقد تقدّمنا خطوةً خطوة، وعبرنا المشاكل واحدةً تلو الأخرى وسوف نستمرّ كذلك، بفضل الله وحوله وقوّته.ها هم المسؤولون مشغولون في السّاحات المختلفة يملؤهم الإحساس بالمسؤولية. واليوم بحمد الله إنّ حكومتنا مندفعةٌ، سعيًا وعملًا، بنَفَسٍ جديدٍ واستعدادٍ للعمل وشعورٍ بالاعتزاز بالإسلام وبكونها مسلمة، والشعور بالعزّة المنطلقة من الإيمان بالله.
يوجد تحدّيات ومشاكل، هذه المشاكل موجودة على الطّريق. لو أردنا أن تكون الحياة عزيزةً، فإنّ أصحاب العقل والتّدبير يتحمّلون المشاكل من أجل الوصول إلى العزّة والشّرف والكرامة الإنسانيّة والقرب إلى الله.
العزة في ظل ولاية الله
أمّا الذين لا يملكون العقل فإنّهم يتحمّلون المشاكل الموجودة في حياتهم بذلّة؛ ويتولّون الشياطين بدل الولاية الإلهية {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا* كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَ يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا}[مريم، 81-82].المعادلة التي يختارها أولئك الذين لا عقل لهم، وأولئك الغافلون في الدّنيا، هكذا يكشفها [يفضحها] القرآن الكريم. فعوضًا عن أن يلجؤوا إلى الله ويقبلوا الولاية الإلهيّة، وعوضًا عن التمسك بالهداية الإلهيّة يتمسّكون بولاية الشياطين وولاية أعداء الإسلام والبشريّة، من أجل أن يمنحوهم عزّة؛ ولكن هذه العزّة لا يمكن أن تحصل عبرهم. وأولئك الذين عُبدوا، لن يكونوا شاكرين لهم { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} هذا هو بيان القرآن، البيان الواضح، ويجب أخذ الدّرس والعبرة منه، ويجب تحديد الطّريق، فسبيل الهداية القرآنيّة يوصل البشر إلى سعادتهم ويجب أن نطلب العون والمدد من الله المتعال.
حسن الظن بالوعد الإلهي
بحمد الله إنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة،قد اعتمد منذ البداية وإلى اليوم في مواجهة الأعداء على هذا الوعد الإلهي الظّاهر. لقد وثقنا بقول الله ووعده وأظهرنا حُسن الظّنّ، ولم نظهر سوء الظّنّ بوعد الله كما هو حال الكفّار، ولهذا انتصرنا. لقد انتصرنا في الثّورة، وفي الدفاع المقدّس، وفي المواجهات الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة والدّوليّة المختلفة. منذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا، وسوف يكون الأمر كذلك في المستقبل، هذا هو طريق شعب إيران.
رحمة الله على إمامنا الجليل الذي شقّ لنا هذا الطّريق، رحمة الله على شهدائنا العظام الذين ضحّوا بأنفسهم في هذا السّبيل، رحمة الله على شعب إيران الذي أظهر استعداده وجهوزيّته في جميع المراحل، ورحمة الله على مسؤولينا وحكومتنا الذين هم أصحاب الاستعداد للعمل والسّعي والتّضحيات.والسلام عليكم ورحمة الله بركاته