تردد بقوة في دمشق خلال الايام الماضية صدى الاصوات الكثيفة التي أدلى بها الناخبون السوريون في سفارة بلادهم في لبنان. بدا الشارع الدمشقي منتعشا ومزهوا بعد مشهد الزحف الى اليرزة، للمشاركة في الانتخابات ا
مشهد السفارة بعيون دمشقية: حركة تصحيحية
عماد مرمل
تردد بقوة في دمشق خلال الايام الماضية صدى الاصوات الكثيفة التي أدلى بها الناخبون السوريون في سفارة بلادهم في لبنان. بدا الشارع الدمشقي منتعشا ومزهوا بعد مشهد الزحف الى اليرزة، للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، بل هناك من افترض ان مشهد السفارة حسم العملية الانتخابية، قبل انتهائها، لما تنطوي عليه الساحة اللبنانية من أهمية استراتيجية تجعل لصناديق الاقتراع فيها وزنا إضافيا.
يشعر مناصرو النظام ان ما حصل في الجوار اللبناني من «انتفاضة انتخابية» أو «حركة تصحيحية» أعاد الاعتبار اليهم، «وصحح صورة موازين القوى التي كان الكثيرون يفترضون انها مختلة لصالح «الثورة»، بفعل اصرار الخصوم على الترويج، طيلة سنوات الازمة وصولا الى اليوم الذي سبق الانتخابات، بأن النازحين السوريين «منحازون الى المعارضة ضد نظام بطش بهم وهجرهم من منازلهم».
لا يعير المتحمسون للرئيس بشار الأسد في العاصمة السورية اي اهتمام للاتهام الموجه الى مخابرات النظام و«حزب الله» بالوقوف خلف تنظيم الحشد امام السفارة في اليرزة.
بالنسبة اليهم، التدفق كان تلقائيا بفعل التحول الذي طرأ مؤخرا على مزاج الكثيرين من السوريين «المترددين»، ممن جرى تضليلهم في بداية الازمة تحت شعارات براقة، أما بعض المظاهر التنظيمية التي رافقت عملية الاقتراع فهي - برأيهم - مسائل لوجستية طبيعية تواكب أي انتخابات رئاسية او نيابية في اي مكان في العالم.
ولقطع الطريق على المزيد من الاخذ والرد حول ما تردد عن ضغوط مورست على الناخبين السوريين في لبنان، يعتبر أهل النظام في مجالسهم في دمشق، «انه حتى إذا سلمنا فرضا بأن شيئا من هذا القبيل حصل فعلا، فان ذلك يشكل اعترافا صريحا من أصحاب هذه المقولة في الفريق الآخر بان سوريا لا تزال قوية الى الحد الذي يتيح لها التعبئة والحشد خارج حدودها، على الرغم من استغراقها في حرب طاحنة، وتلك شهادة لنا لا ضدنا.»
تسود قناعة في دمشق بان المنحى الذي سلكته الازمة السورية، مع مرور الوقت، أعاد فرز اتجاهات الموطنين السوريين، سواء في الخارج او الداخل، بعد مرحلة من الضبابية. لم يعد مطروحا، وفق اعتقاد الكثيرين من السوريين، الاختيار بين نظام ديكتاتوري وبين ثورة إصلاحية، بل بين مفهوم الدولة وبين خلطة مضادة تجمع الفوضى والتخلف والتكفير والارهاب في وعاء واحد، فكان من الطبيعي الانحياز الى خيار الدولة في مواجهة بديل قاتم شاهد السوريون نموذجا عنه في المناطق الخاضعة لسلطة «داعش» و«النصرة».
وتميل اوساط سورية مستقلة الى فرز الجمهور السوري في لبنان على الشكل الآتي:
- فئة موالية تؤيد في الاساس بشار الاسد لكن صوتها كان خافتا بعض الشيء، بفعل الحرب النفسية التي مورست ضدها خلال المراحل الاولى من الازمة، ووجدت في رئة الانتخابات فرصة للتنفس.
- فئة معارضة اختارت الوقوف ضد الاسد لاسباب شتى، وهذه توقف نموها منذ فترة طويلة.
- فئة مترددة، تمثل الشريحة الاوسع، لكنها أصبحت تتعاطف مع النظام إما نتيجة التقدم الذي حققه الجيش على جبهات عدة وأدى الى تحول كبير في موازين القوى العسكرية ترك أثره على مزاج من يقف بطبعه مع القوي، وإما نتيجة تعديل في أصل الموقف السياسي بعد انقشاع الرؤية واتضاح حقيقة الصراع.
- فئة خائفة تريد ان تحمي نفسها من خطر الملاحقة او المساءلة، في حال المقاطعة، فقررت المشاركة في الاقتراع، على قاعدة «التقية السياسية».
أما في دمشق ذاتها، فان حضور الداعمين للاسد يطغى على مظاهر الحملة الانتخابية لكل من المرشحين الآخرين، حسان النوري وماهر الحجار. الصور العملاقة للرئيس السوري تنتشر في كل مكان، والمواكب الطويلة تشق الشوارع وهي تصدح بهتافات التأييد فيما خرجت بعض الفتيات من نوافذ السيارات وهن يرتدين ثيابا مرقطة ويهتفن باسم الاسد.
هي بعض اشكال التعبئة في انتخابات رئاسية يرتبط معيار الفشل او النجاح فيها، من وجهة نظر النظام، بنسبة الاقتراع لا بوجهته المضمونة. ولان النتائج مضمونة مسبقا، فان هناك في أوساط المقربين من النظام من يعتقد انه يجب عدم «حرق» المرشحين المنافسين وبالتالي ينبغي ان يحصلا على قدر واف من الاصوات، يحمي مصداقية الانتخابات، خصوصا ان شريحة واسعة من الناخبين لا تخفي شعورها بالاستفزاز جراء مبادرة النوري والحجار الى الترشح ضد الاسد، بل ان أحد المرشحين الاثنين لا يجد حرجا في إظهار عاطفته، هو نفسه، حيال الرئيس السوري.
http://www.assafir.com/Article/2/353178
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه