حقُّنا أن نؤكد مجدداً، على أن سوريا كانت أولى وأهم إستهدافات الغرف السوداء في أميركا والغرب،
أمين أبوراشد
من سوريا، الساحة الأخيرة "لثورات العرب"، وتزامناً مع إجراء الإنتخابات الرئاسية وإعادة تجديد الثقة بالرئيس بشار الأسد، نستذكر إطلالة لعبد الحليم خدام في العام 2010 قبل إندلاع شرارة الثورة التونسية بتسعة أشهر، حين قال على إحدى القنوات الفرنسية إثر خطاب للرئيس الأسد: "هذا سيكون آخر خطابٍ له لأن كل مستلزمات الثورة لإسقاط هذا النظام قد استُكملت في الداخل"، وبعد أشهرٍ قليلة من المقابلة الأولى، أطلَّ خدام على نفس القناة وسُئل: توقَّعتَ سقوط بشار الأسد منذ أشهر وأكَّدت يومذاك أن خطابه سيكون الأخير، وأمس بالذات أطلَّ من مجلس الشعب، فأين باتت مسألة إسقاطه؟، وأجاب خدام واثقاً : "أؤكد أن المسألة هي مسألة وقت وسيسقُط"...
لمن يعتبرون أن ما حصل في سوريا هو ضمن مسلسل ثورات "الربيع العربي" نتساءل: كيف تجرأ عبد الحليم خدام إعلان البدء بإسقاط النظام السوري عام 2010 في عزِّ قوَّة هذا النظام وأجهزة الدولة والمخابرات، لو لم تكن فعلاً مستلزمات "الثورة" جاهزة منذ سنوات من أسلحة وترتيبات ميدانية وأنفاق وبنى تحتية قتالية في بابا عمرو وحمص القديمة والقصير وسواها، مما يؤكد ما أجمعت عليه بعض الوكالات العالمية، من أن قراراً أميركياً - غربياً - خليجياً قد اتُّخذ منذ العام 2007 لإسقاط النظام، على خلفية دوره في دعم المقاومة خلال ردع عدوان تموز 2006 على لبنان، وأن مسألة التمويل والتسليح والتجهيز قد بدأت فعلاً قبل سنوات من ثورات العرب، وأن خدام كان مرشَّحاً لإدارة عملية إسقاط النظام من فرنسا ضمن مسلسل تفكيك الأنظمة العربية ورَسم خارطة الشرق الأوسط الجديد عبر "الإسرائيليات المذهبية"، هذه الخارطة التي بدأت بإعلانٍ من كونداليزا رايس خلال عدوان تموز ويتم تمزيقها حالياً على بوابات دمشق.
ثورات العرب تؤكد بالوقائع أنها ليست استفاقة حرية أجمعت عليها الشعوب العربية، لأن لكل ثورة خصوصيتها وظروفها، وأن عود الثقاب الذي أشعل به محمد البوعزيزي نفسه في سيدي بو زيد التونسية، كان مجرَّد حادثة عرضية لشاب مثقَّفٍ يائسٍ من حالة البطالة السائدة بين الشباب التونسي الجامعي تحوَّلت الى انتفاضة نقمة، خاصة أن تونس معروفة بالنسبة الأعلى في الدول العربية لجهة خريجي الجامعات والدراسات العليا، فيما فُرص العمل غير متوفِّرة في بلدٍ يعتمد على السياحة وبعض مناجم الفوسفات وزراعة الزيتون، ويفتقر الى الإقتصاد الصناعي والقطاعات الإنتاجية الجاذبة للإستثمار، إضافة الى الفساد المستشري ضمن عائلة زين العابدين بن علي وحاشيته، ولعل بن علي الذي انتظر ثلاثين سنة ليقول لشعبه: "فهمتكم"، كان سقوطه بالمصادفة فاتحة ثورات الفوضى العربية التي لا ربيع فيها...
وإذا كانت ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر، استعجل حصولها السقوط السريع للرئيس التونسي على حدّ اعتقاد البعض، فإن صحيفة "دايلي تلغراف" ذكرت منذ أيام أن عملية إسقاط مبارك كان يتمُّ الإعداد لها منذ العام 2010، على خلفية إصراره على توريث نجله جمال، وأن الجيش المصري وضع سيناريو السيطرة على الحكم بإشراف "اللواء عبد الفتاح السيسي" يومذاك، بصفته كان من كبار الضباط، وعندما حصلت ثورة يناير كان الجيش مهيئاً للإمساك بالشارع وطلب من مبارك التنحِّي.
حدِّث ولا حرج مع بدء الثورة الليبية، حين افتتح الشيخ يوسف القرضاوي باب الإجتهادات وفتاوى الجهاد والتكفير العابرة للحدود العربية من قطر، عبر قناة وصفتها الصحافة البريطانية بـ "صانعة الحروب في الشرق الأوسط"، وبدأ بالعراق وحرَّض السنَّة على الشيعة ثم حلَّل للناتو قصف ليبيا، وسقط القذافي كما الهالة الكرتونية لتنكشف ليبيا كياناً من كرتون ليست فيها مقومات ومؤسسات دولة، وإذا كان سقوط سفَّاح كالقذافي لا أسف عليه، فإن ليبيا باتت اليوم مرتعاً لآلاف السفَّاحين، وباتت هناك 25 مليون قطعة سلاح منتشرة بين 250 ألف مسلح من عشائر وتكفيريين كحصيلة لربيع ليبيا.
نمرُّ على اليمن، لنؤكد على عدم تشابه في الثورات الغوغائية للعرب، نتيجة التظلُّم المزمن للجنوب من الوحدة المُصطنعة مع الشمال والإنتفاضات المتكررة التي قام بها الحراك الجنوبي للإنفصال مجدداً، إضافة الى ستة حروب شنَّها علي عبدالله صالح على الحوثيين المطالبين بحقوقهم المهدورة في محافظة صعدة، وإذا كان اليمن ما زال يراوح مكانه بين الوحدة وفدرالية الأقاليم، فإن كلا الطرحين لا يُرضيان الجنوب ولا يُرضيان الحوثيين، والمخاض طويلٌ في بلد الستين مليون قطعة سلاح والعقلية القبلية السائدة.
حقُّنا أن نؤكد مجدداً، على أن سوريا كانت أولى وأهم إستهدافات الغرف السوداء في أميركا والغرب، لإرتباطها بالقضية الفلسطينية وبمحور المقاومة، وما هذا الكمّ الهائل من الفتاوى الجهادية التكفيرية الوهَّابية منها والأخوانية، وهذه المليارات التي تدفّقت موتاً ودماراً وتشريداً عبر شياطين التكفير التي زحفت الى سوريا بتشريعٍ ومباركة من السلطان العثماني الأخواني الحالم باستعادة مجد الأمبراطورية الظالمة، سوى محاولات يائسة لتدمير محور الممانعة، وحسبُ سوريا والشرفاء في ميادين المقاومة أنهم حطّموا الحلم الأميركي- الصهيوني- الخليجي بشرق أوسطٍ جديد، تحكُم دويلاته عروش الطغيان المذهبي والعائلي، والعدُّ العكسي لرحيل الباطل التكفيري قد بدأ، وما على أميركا والغرب سوى إستلحاق ما يحصل على الجبهة الأوكرانية وفي مواجهة "الحلف الأوراسي" الزاحف نحو أوروبا.
يحلو الختام مع مفكِّر تونسي كبير في حديثه عن "فشل ثورات العرب لإفتقادهم الى الرؤية والهدف، وإفتقارهم للقائد القدوة، واستغلالهم للدين مصدراً للتكفير بدل استلهامه في التفكير"، وإذا كانت محاولات بعض العرب استنهاض دولة أو دويلات الخلافة الإسلامية لمقارعة "ولاية الفقيه"، فلينتهجوا حكمة الشعب الإيراني المكافح المجاهد الصابر الطموح، الذي استوحى من إسلامه الإيمان للوقوف بوجه الإستكبار والظلم والطغيان، وكانت له أمَّة عظيمة سحقت استعلاء الغرب، بينما ثورات العرب مزَّقت العرب وانطفأت كما أعواد الثقاب بعد أن اشعلت نار جهنَّم في هشيم الفوضى والجهالة...
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه