تتمتم بلهجة طفوليّة، قبل أن تتوصل إلى خلاصة تاريخية مهمّة: «أحفادنا سيتعلّمون في المدرسة أنّ جيش الدفاع الإسرائيلي عالج جرحى الحرب الأهليّة السوريّة».
«من يفعل الخير لغيره، يفعله لنفسه أيضاً». بهذه العبارة «المؤثّرة» قدّم المتحدّث باسم الجيش الصهيوني أفيخاي أدرعي فيلماً ترويجياً بعنوان «عن قرب: خدمات الإسعاف على الحدود السوريّة» (6 دقائق) نشرته أخيراً القناة الرسميّة لجيش الاحتلال على يوتيوب.
على الفايسبوك، أكّد أدرعي أنّ «جنودنا يطبّقون روح جيش الدفاع: كل من ينقذ حياة، كأنّه أنقذ العالم أجمع» من دون الالتفات «للتوترات بين إسرائيل وسوريا»، مفتخراً بـ«المئات الذين تمكّنوا من التعرّف إلى الوجه الحقيقي لدولتنا، خصوصاً عندما تأكّدوا أنّ الجيش لا يقتل غير من يعتدي على شعبه».
هكذا نتعرّف إلى المسعفة نوغا إيريز. فتاة بريئة الوجه، هادئة، تحبّ الطبيعة والألوان والفراشات والحيوانات الأليفة، ولا تتردّد في مساعدة «رفاق السلاح». تميّزها في ملف علاج الجرحى من مقاتلي «المعارضة السوريّة» أهّلها لنيل «جائزة الرئيس للتميّز في الخدمة»!.
تتحدّث نوغا بتأثّر عن طارق. الشاب السوري الذي «أطلقوا» النار على ساقيه، ووصل إلى «إسرائيل» مخلّفاً وراءه زوجة وطفلة رضيعة. لكن لا بأس، نوغا وجيشها هنا. لقد أعطته المسكّنات اللازمة، وأمسكت يده طوال الطريق إلى المستشفى، فأجهش الشاب بالبكاء تأثّراً. ها هو، بعد العلاج، يأمل بالعودة وشرب القهوة. طارق ليس الحالة الوحيدة. «أين نوغا؟» يسأل الواصلون عن المسعفة التي باتت ذائعة الصيت. يطمئنون عنها ويسألون عن «أحوال الجيش الذي أنقذهم». بالنسبة إليها، هي فقط تؤدّي واجبها. تطبّق جزءاً من قسَم الخدمة «سأكون دائماً حارساً لأخي». مسكين هذا «الأخ» عندما يعود إلى الجحيم السوري. يمكن أن يُقتَل. المقصود طبعاً على يد الجيش السوري الذي لا يرحم شعبه، بعكس عدوّه على الطرف الآخر من منطقة الفصل.
التحرّك الإسرائيلي في هذا الإطار بقي سريّاً خلال الأشهر الأولى من انطلاقه. تعترف نوغا بذلك من دون أن تذكر أنّه تجاوز مسألة علاج الجرحى بكثير. لا تخفي فخرها بجيشها الذي يقوم بأمور «لم أحلم بها. عند ذكر سوريا، كنتُ أفكّر في الحرب». لا حرب عمّا قريب. المهم الآن كيف يمكن مساعدة هؤلاء المساكين. في الفترة الأولى، كانت ثمّة صعوبة في التواصل، إلا أنّ بعضهم لم يبخل على نوغا بتعليمها بعض العربيّة ما سهّل الأمور لاحقاً.
نوغا التي تجول في الجولان المحتل باعتباره «المنزل الآمن»، تعتبر ذلك طبيعياً وجزءاً من عقيدة «جيش الدفاع»: «لا أعلم لماذا تصنعون فيلماً عنّي». تتمتم بلهجة طفوليّة، قبل أن تتوصل إلى خلاصة تاريخية مهمّة: «أحفادنا سيتعلّمون في المدرسة أنّ جيش الدفاع الإسرائيلي عالج جرحى الحرب الأهليّة السوريّة».
البروباغندا الإسرائيليّة لم تختلف على امتداد العقود الماضية. شعب مسالم يأمل العيش بأمان إلى جانب جيرانه الذين يحلمون بإبادته كل يوم. ولمَ لا؟ في ميديا اليوم كل شيء وارد، خصوصاً عند مَن لم يعد ينظر لكيان الاحتلال كعدوّ. نعم، من قال إنّ إسرائيل عدو في زمن «الحريّة الجهاديّة»؟