أوصيكم أيّها الشباب الأعزّاء بأن تزيدوا من أنسكم بالقرآن الكريم: الذين يتواصلون مع القرآن ليعرفوا قدر هذا التواصل، والذين يحفظون القرآن ليعرفوا قدر هذا الحفظ؛ ليحفظوا لأنفسهم هذه الجوهرة الثمينة
كلمة الإمام الخامنئي في لقائه المشاركين في مسابقات القرآن الكريم العالميّة 3-6-2014
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة على نبيّه وآله الطاهرين.
أرحّب بكلّ الحضور المحترمين، وبالأخوة والأخوات الأعزّاء، وخصوصًا ضيوف الجمهوريّة الإسلاميّة، والأساتذة المحترمين، والقرّاء المحترمين، والحفّاظ المحترمين من البلدان الإسلاميّة الشقيقة. كما أشكر القائمين على هذه المراسم العظيمة الزاخرة بالمعاني والبركات- سواء مدراء الأوقاف أم المسؤولين المعنيّين أم الإخوة والأساتذة والشخصيّات البارزة الذين أداروا المسابقات خلال هذه الأيّام على أفضل نحو ممكن- ونتمنّى أن تكونوا جميعًا مأجورين ببركة القرآن إن شاء الله.
ألسنتنا قاصرة عن شكر نعمة الإقبال على القرآن الكريم في بلادنا. إنّني كلّما شاهدت في الأخبار والتلفزيون أنّ شبابنا في كلّ أنحاء البلاد مقبلون على القرآن الكريم أشكر الله تعالى من صميم القلب؛ إنّها نعمة كبيرة. إنّنا ندرك هذه النعمة وعظمتها. لقد شاهدنا خلال عهد من العهود أنّ حفظ القرآن الكريم وتلاوته لم تكن مزدهرة في بلادنا. خلال فترة نظام الطاغوت كان الراغبون في القرآن الكريم موجودين في كلّ مكان لكن الإقبال على القرآن في البلاد لم يكن مزدهرًا وذا طابع عام شائع. واليوم، أينما ننظر، نجد أنّ شبابنا ورجالنا ونساءنا وأحداثنا يقبلون على القرآن الكريم، بفضل الجمهوريّة الإسلاميّة، فيتعلّمون القرآن ويختبرون تلاوته ويحفظونه. وهذه طبعًا ليست الأهداف الأعلى والنهائيّة، إنّما الهدف النهائي هو فهم القرآن الكريم والعمل به، غير أنّ هذه هي الخطوات التمهيديّة اللازمة. إذا شاع القرآن الكريم في مجتمع وازدهر وشاع حفظه وشاع الأنس به بين مختلف شرائح ذلك المجتمع، فسوف يقترب ذلك المجتمع من العمل بالقرآن الكريم؛ وهذا ما نريده. القرآن نور وهداية وبيان وتبيان، والقرآن يتحدّث مع الإنسان ويتحدّث مع قلب الإنسان ومع باطن الإنسان. يجب الأنس بالقرآن والاقتراب منه، والفائدة الأولى يجنيها القلب المستعدّ الجاهز، فإذا وجدتم قلوبكم قريبة من القرآن الكريم فاشكروا الله، وإذا وجدتم أنفسكم تتقبّل المعارف القرآنيّة بسهولة وتحملونها في قلوبكم فاعلموا أنّ الله تعالى أراد أن يهديكم، ﴿فَمَن يُرِدِ اللهُ أن يهدِيهُ يشرَح صَدرَهُ لِلإسلامِ ومَن يرِد أن يضِلَّهُ يجعَل صَدرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كأنّما يصَّعَّدُ فِي السَّماء﴾1؛ هذه هي ميزة القرآن. إذا اقتربت قلوبكم من القرآن الكريم واستأنستم به فاعلموا أنّ الله تعالى أراد هدايتكم، وهذه أكبر النعم الإلهيّة.
أعزّائي.. يعاني العالم الإسلامي اليوم من مشكلات كبيرة. إنّكم ترون وتسمعون ومطّلعون. أكبر مشكلات العالم الإسلامي هي أنّه غير متفطّن لمؤامرة أعدائه وأياديهم الخبيثة. هذه واحدة من أكبر أو هي أكبر مشكلات العالم الإسلامي. خصوم العالم الإسلامي، والذين يثير اسم الإسلام النفور فيهم، والمستعدّون لمقارعة ومحاربة أيّة دعوة حق من أجل الحفاظ على مطامعهم الماديّة -والإسلام دعوة حق، فهو يدعو إلى الحق والعدل- هؤلاء ليسوا عاطلين [عن العمل] في العالم الإسلامي، وخصوصًا بعد ظهور الجمهوريّة الإسلاميّة، وبعد أن تأسّس في هذه النقطة الحسّاسة من جغرافيا العالم نظام قائم على أساس الإسلام، اشتدّت المؤامرات وتعقدّت، فالمؤامرات اليوم أكثر تعقيدًا من الماضي.
هذا ما ينبغي للجميع في العالم الإسلامي أن يفهموه. يوقعون بيننا ويجعلون الأخوة في مواجهة الأخوة. سياسة أعداء الإسلام هي إشعال اقتتال بين الأخوة وحرب داخليّة بالنيابة عنهم في البلدان الإسلاميّة وبين المجتمعات الإسلاميّة وفي الأمّة الإسلاميّة. هم ينسحبون جانبًا ويتفرّجون علينا ونحن نتقاتل في ما بيننا.
حسنًا، هنا يجب معرفة العدو وفهم مؤامرته، وهذا نقص يعاني منه العالم الإسلامي. ثمّة بين الأمّة الإسلاميّة أفراد يضعون أيديهم في أيدي أعداء الإسلام من أجل مجابهة إخوتهم المسلمين؛ هذا واقع مشهود نعاني منه اليوم.
يقتربون من الشيطان من أجل أن يحاربوا إخوتهم المسلمين ويجابهوهم ويقاتلوهم. ثمّة أشخاص اليوم مستعدّون للتعاون مع الكيان الصهيوني منأجل إسقاط إخوتهم المسلمين: ﴿اتَّخَذوا الشَّياطينَ أولِياءَ مِن دُونِ الله ويحسَبُونَ اَنَّهُم مُهتَدُون﴾2. يتحالفون مع الشيطان ويضعون أيديهم في يده ويتصوّرون باطلًا أنّهم يسيرون في طريق الهداية. هذه هي المعايير القرآنيّة وهي معايير واضحة يضعها القرآن الكريم تحت تصرّفنا، ويجب أن نفهمها، فمتى نستطيع أن نفهمها؟ عندما نأنس بالقرآن وعندما نفتح قلوبنا على القرآن، وكلّ هذه المراسم مقدّمة لذلك.
أوصيكم أيّها الشباب الأعزّاء بأن تزيدوا من أنسكم بالقرآن الكريم: الذين يتواصلون مع القرآن ليعرفوا قدر هذا التواصل، والذين يحفظون القرآن ليعرفوا قدر هذا الحفظ؛ ليحفظوا لأنفسهم هذه الجوهرة الثمينة. المستأنسون بتلاوة القرآن الكريم لا يفلتوا هذا الزمام المبارك من أيديهم ولا يتركوه، و ليجعل المرتبطون بالقرآن التدبّر فيه وفي معانيه والتعمّق في مفاهيمه هدفهم. هذه أشياء تقرّبنا من القرآن خطوة خطوة. إذا أنسنا بالقرآن واقتربنا منه واستطاعت مفاهيم القرآن أن تؤثّر في قلوبنا، عندئذ نستطيع أن نأمل ونتفاءل بأن تحظى الأمّة الإسلاميّة بالعزّة الموعودة من قبل الله تعالى: ﴿وَللهِالعِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلمُؤمِنین﴾3. في تلك الحالة سوف يمنّ الله تعالى على الأمّة الإسلاميّة بهذه العزّة. إذا أنسنا بالقرآن الكريم فستكون هذه هي الآثار والبركات.
أتقدّم بالشكر ثانية لكلّ القائمين على هذه المراسم من أساتذة ومشاركين في المسابقة والشباب الأعزّاء ومدراء هذه المراسم الجميلة العظمية والجماهير التي أقبلت على هذه المراسم. أسأل الله تعالى أن يحفظكم جميعًا ويديمكم، كما نشكر المقدّم المحترم والحسن البيان الذي أدار الجلسة-هنا وفي محلّ المراسم على ما يبدو- بشكل جميل4.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
موقع التعئبة التربوية - حزب الله