علينا اليوم أن ننقذ الإسلام من "كونه الإسلام السياسي وأن نحصر الإسلام فيما هو فيه وأن القول أن أسلمة المجتمع تتم من خلال أسلمة الدولة هو قول غير صحيح، وإذا كانت ولاية الفقيه نجحت في إيران فإن ذلك لا يعني أنها تصلح لكل مجتمع"
إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة تزداد وثيرة الحديث عنها في الآونة الأخيرة، نظراً لما فرضته الحركات التي تمسي نفسها إسلامية في العالم العربي من أحداث دموية خصوصا في سوريا والعراق، وما يجري على الساحة من تغييرات كبرى منذ بداية ما سمي "الربيع العربي".
تتميز مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر للدراسات والبحوث والمعهد الشرعي الإسلامي بأنهما يواكبان معاً تطورات الحدث ويقفان عند أهم مفاصله. ففي ندوة جديدة تحت عنوان "التجربة الإسلامية في الحكم بين النظرية والتطبيق"، عقدت في قاعة محاضرات المعهد في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات السياسية والدبلوماسية والثقافية والديني، أثار الحاضرون جملة إشكاليات جوهرية في الموضوع.
قدِّم اللقاء مدير مؤسسة الفكر الإسلامي الدكتور نجيب نور الدين الذي أشار إلى أهمية مناقشة التجربة الإسلامية بعد التطورات التي حصلت منذ "الثورات العربية" وحتى اليوم، والتي تعدّ أنها استفادت من هذه الثورات للوصول إلى السلطة، مثلما حدث في مصر، ولكنها خبت سريعاً، فما هي ابرز الأسباب، وإلى أي مدى يمكن القول بارتباط نجاح بين السلطة والإسلام السياسي؟!.
تركزت محاضرة الدكتور حبيب فياض حول الإجابة عن السؤال الثاني تحت عنوان "إشكالية العلاقة بين الدين والسياسية في المشروع الإسلامي" فرأى "أنه لا يمكن الفصل في الحديث عن علاقة الدين بالسياسة دون الحديث عن النظرية المعرفية للدين وكون السياسة هي إحدى مجالات الاهتمام الديني، ولذا علينا تحديد كيفية الدخول في النص الديني وفهم الأبعاد المعرفية للدين وما هي حدود الدين ومجالات التوقعات البشرية من الدين". وسأل فياض "بمعنى أخر ما هي دائرة الصلاحيات الممنوحة دينيا من أجل التدخل في حياة البشر في ظل طموحات يعيشها المتدين؟!!"..
ومضى فياض في طرح أسئلة جريئة على ما يبدو ، إذ تساءل حول ما يمكن تجديده في علم الفقه حيث يدفعنا الكلام للحديث في الفقه وليس عن الفقه بمعنى هذا حلال وهذا حرام، وليس لدينا فلسفة الفقه كما هو في إيران، فيجب مراجعة هذا الفقه لإنتاج فقه جديد للنص الديني، ومن ثم يجب تحديد منهج يملي كيفية عملية الدخول إلى هذا النص.
وبعد أن عرض للإشكالات التي يواجهها النص الديني والنصوص الفقهية على صعيد تحديد الموقف من الدولة والعمل السياسي قال: إن توسعة تعاليم الدين بحيث تعتبر أنها تغطي كل مجالات الحياة هو تشويه للدين، كما أن اقتصار العلاقة بالجانب العبادي هو تشويه من نوع آخر، ولذا يجب فهم أبعاد الدين الحقيقية والتأكيد على دور المجتمع في صياغة تجربة الحكم وعلينا اليوم أن ننقذ الإسلام من "كونه الإسلام السياسي وأن نحصر الإسلام فيما هو فيه وأن القول أن أسلمة المجتمع تتم من خلال أسلمة الدولة هو قول غير صحيح، وإذا كانت ولاية الفقيه نجحت في إيران فإن ذلك لا يعني أنها تصلح لكل مجتمع". وأكد أنه ليس لدينا أسلام سياسي محدد في الشكل والهيئة، فالإسلام لديه الغائية والقصدية هي الأهم، وترك الأداتي في العديد من الأحيان.
فعلى مستوى الدولة الإسلام حدد الغايات ولم يحدد الأدوات، ومعظم الاليات تستنبط من العقلائي وليس من النص الديني. والصيغة المجتمعية الإسلامية توفر علينا ما اسمه الدولة، من هنا الفرق بين إيران ومصر مثلاً، إذ إن في إيران المجتمع الإسلامي هو الذي انبثقت عنه الدولة لأنها اختارها على هذا الشكل، بعكس ما حدث في مصر. ففي إيران كان هناك نوع من الالتفاف حول الشكل الإسلامي للدولة. ولكن ما أجرء ما طرحه الدكتور حبيب فياض هو تساؤله الذي بحث في أهمية النص الديني في تشكيل دولة إسلامية ودور السيرة النبوية في هذا السياق. فكان أن أثار كلامه الأخير جملة مداخلات معترضة ومنعقّبة وموضحة.
أما الدكتور مصطفى اللداوي في محاضرته التي كان عنوانها "تجربة الأخوان المسلمين في الحكم قراءة نقدية" فقد غرّد طويلا حول ما يراه الأخوان المسلمون من أسباب لفشلهم في الحكم في مصر، وإن كان قد عددّ للحضور الأطراف التي قرأت هذه التجربة من إسلاميين أخرين، إلى المعارضين وإلى المراقبين المستقلين، والتي جاءت قراءاتهم مختلفة كل من وجهة نظره.
وقدّم لتجربة الأخوان المسلمين في الحكم من خلال قراءة نقدية موسعة، واعتبر "أن الأخوان المسلمين يشاركون في الحكم في العديد من الدول العربية والإسلامية وقد يكون من الصعب تقييم كل أداء حركة الأخوان في الحكم، لكن الأحداث في مصر جعلت هذا الموضوع هام وهناك عدة قراءات لهذه التجربة ولكن يجب الاعتراف بحصول أخطاء في أداء الأخوان وأن ما حصل لم يحقق الأهداف المطلوبة سواء كان ذلك بسبب أخطاء الأخوان أو بوجود توجّه عربي ودولي لإفشال تجربة الأخوان.
وعرض اللداوي لأسباب فشل الأخوان داعياً إلى التعاطي مع هذه التجربة بموضوعية وعدم التحامل على الأخوان وأوضح أن هناك تيار عاقل داخل الأخوان يعترف بالأخطاء ويناقشها بموضوعية من أجل الاستفادة من التجربة التي حصلت.
وجرى نقاش موسع شارك فيه عدد من الشخصيات الفكرية والسياسية ومنها: الحاج حسن حدرج عضو المجلس المركزي في حزب الله، والأستاذ وحيد مصطفى (ممثل الإعلام المركيز في حزب الله)، والإعلامية ليلى مزبودي، والدكتور حسين أبو النمل، والأستاذ إبراهيمي سكيكي، والشيخ زهير قوصان، والأستاذ حسن حسين والصحافي حسن الشامي. وقدمت آراء مختلفة حول علاقة الدين بالسياسة وولاية الفقيه وتجربة الأخوان المسلمين ودور إيران. وكان هناك تأكيد على خطورة ما تواجهه الدول العربية والإسلامية اليوم من فتن مذهبية وضرورة الحذر مما يجري في العراق والمنطقة.