موقفي الرافض لكل أشكال التسلل التي تمارسها بعض الهيئات الأجنبية كي تمرر سمّ التطبيع في دسم العناوين البرّاقة عن الحرية والديمقراطية وسواها من شعارات. وبالفعل وكما جاء في عنوان «الأخبار» أمس: لقد وقعنا في الفخ.
تعقيباً على المقال الذي نشرته «الأخبار» أمس بعنوان «مارسيل وزاهي وأميمة والآخرون: عن فخّ قاتل اسمه USAID» ضمن ملفّ «زمن العناق الوهابي ـ الصهيوني مشرّعاً باب التطبيع»، وردنا من الشاعر والصحافي اللبناني زاهي وهبي ما يلي:
زاهي وهبي/ جريدة الأخبار
تعليقاً على ما أوردته «الأخبار» في عددها أمس حول مشاركتي وعدد من الفنانين الملتزمين في ملتقى المدافعين عن حرية الاعلام الذي عُقد في عمّان، يهمني التأكيد في البداية أنّني أشارك مناهضي التطبيع موقفهم من هذه القضية مئة في المئة، ولست في وارد تبرير أي شكل من أشكال التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي أياً كانت التسميات والملتقيات والهيئات التي تحاول تسويق هذا الأمر صراحةً أو مواربةً، جهراً أو سراً.
وأنحاز كما كنت دائماً وطوال مسيرتي المهنية الثقافية والاعلامية (كلها موثقة صوتاً وصورة وكلمةً على مدى عقود) منحازاً للحق الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة والمشروعة وفي مقدمتها المقاومة المسلحة، فضلاً عن إيماني الراسخ بأهمية المواجهة الثقافية ودورها المحوري في صراعنا الشرس مع العدو نظراً إلى الأبعاد الثقافية العميقة التي يكتسيها هذا الصراع، مع قناعتي بضرورة تواصلنا الانساني والثقافي والاعلامي مع فلسطينيي الأرض المحتلة دعماً لصمودهم في أرضهم ولمقاومتهم النبيلة ضد المحتل، لكن من ضمن الأطر التي لا تعطي أي شرعية للاحتلال ولا تمنحه صك براءة على جرائمه المتمادية بحق أهلنا هناك.
ولعله من المفيد الاشارة الى كوني اغتنمت زيارتي لعمّان لأقوم بتوقيع كتاب من مختاراتي الشعرية بعنوان «هوى فلسطين» كل ما فيه يحضّ على مقاومة المحتل وعدم التصالح معه.
أما في ما يخص الملتقى نفسه، فيهمّني التأكيد أنني حين وافقت على المشاركة فيه لم أكن (كمعظم المشاركين ومنهم مارسيل خليفة وأميمة الخليل) أعلم نهائياً بأنه يحظى برعاية «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية يو. أس. آيد» أو السفارة الأميركية في العراق. وحين علمتُ بهذا الأمر، كان قد سبق السيف العذل ووقفت على منبر الملتقى متحدثاً في جلسته الأولى، علماً أنني عبّرت في مداخلتي عن قناعاتي وأفكاري وآرائي بشفافية ووضوح وصراحة، وهي ايضاً موثقة بالصوت والصورة وليس فيها أي حرف يُجامل أو يُساير أو يتماهى مع مواقف مُنظّمي الملتقى أو رعاته.
وهذا ما عبّر عنه معظم الفنانين والمثقفين الذين تم انتقاد مشاركتهم، لكنني أترك لهم حرية التعبير عن موقفهم من تلك المشاركة ولا أظنه يتناقض أو يبتعد عن موقفي الرافض لكل أشكال التسلل التي تمارسها بعض الهيئات الأجنبية كي تمرر سمّ التطبيع في دسم العناوين البرّاقة عن الحرية والديمقراطية وسواها من شعارات. وبالفعل وكما جاء في عنوان «الأخبار» أمس: لقد وقعنا في الفخ.
وبما أنني لست في وارد تبرير المشاركة في ملتقى ترعاه أو تسهم في تمويله أي جهة أجنبية أو محلية لها أجندات تتناقض مع موقفي الثابت والمنحاز دائماً وابداً لحق الشعوب في مقاومة الاحتلال، واحتراماً لوجهة نظر المثقفين والناشطين العرب الذين أصدروا بياناً حول الملتقى ومشاركتنا في أعماله وانطلاقاً من كوني أعيش مرحلة اعادة تقييم لتجربتي بكل ما لها وعليها وما فيها من نجاحات واخفاقات وصوابات وأخطاء، لديَّ شجاعة الاعتراف بالخطأ الذي حصل من خلال تلك المشاركة والاعتذار من جميع الذين ساءهم الأمر.
وكما يُقال رُبَّ ضارة نافعة، اذ علّمني هذا الخطأ ضرورة التدقيق جيداً في أي دعوة تصلني مستقبلاً للمشاركة في أي ملتقى أو منتدى وعدم الاكتفاء بعنوان المناسبة أو الجهة المنظمة لها، بل التدقيق أيضاً في مسألة الرعاة التي غفلنا عنها في ملتقى عمّان، مكرراً انحيازي المطلق لحق الشعب الفلسطيني (واللبناني والعربي عموماً) في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي ورفضي لكل السياسات الأجنبية الداعمة للمحتل على حساب الحقوق العربية المشروعة، ولكل الممارسات أو الأنشطة التي تلجأ اليها هيئات وملتقيات تتلقى أي دعم يندرج تحت خانة أجندات لا تخدم قضايانا الوطنية وفي مقدمها قضية الشعب الفلسطيني النبيلة والعادلة وحق الفلسطينيين المشروع في مقارعة المحتل، حق لا يسقط بمرور الزمن ولا بتقادم الأيام.
ويكفيني فخراً أنّني أول عربي يُمنح الجنسية الفلسطينية تقديراً لمسيرتي الطويلة في دعم النضال الفلسطيني على مختلف الصعد.