يستمر حدث «داعش» العراق حاضراً بقوة في بيروت. أقله من باب القلق المبرر والمشروع. وفي هذا السياق، تشير معلومات سورية إلى استغراب دمشق لما يشبه اللامبالاة وشيئاً من الخفة
جان عزيز
يستمر حدث «داعش» العراق حاضراً بقوة في بيروت. أقله من باب القلق المبرر والمشروع. وفي هذا السياق، تشير معلومات سورية إلى استغراب دمشق لما يشبه اللامبالاة وشيئاً من الخفة التي يتعامل بها البعض في بيروت مع المسائل اللبنانية السورية المشتركة والخطيرة العالقة. وتقدم الجهات السورية المعنية مثلين عن هذا الاستخفاف اللبناني في التعاطي. أولهما قضية النازحين المأساوية، وثانيهما مسألة تمويل تنظيم «داعش» من بيروت بالذات.
في المسألة الأولى، تشير الجهات السورية إلى أنها لم تخف يوماً قلقها من خطورة أوضاع النازحين. وهي لذلك بادرت منذ البداية إلى الاتصال بالسلطات اللبنانية المعنية، طالبة منها التنسيق على أعلى المستويات الحكومية بين البلدين، من أجل متابعة الموضوع. ذلك أن تنسيقاً دقيقاً وجدياً بين دمشق وبيروت وحده الكفيل بالحد من ظاهرة النزوح، وبتجنّب سلبياته الإنسانية والاجتماعية، وخصوصاً الأمنية والعسكرية، إضافة إلى تحديد من يستحق صفة نازح ومن لا يستحقها، بعيداً عن استعراضية بعض الخطوات الأحادية، فضلاً عن العمل الجدي والفاعل من أجل تسهيل عودة من باتت عودته ممكنة إلى دياره السورية. غير أن السلطات اللبنانية تعاملت مع الطلبات السورية الملحة والمتكررة بتجاهل تام. حتى إن سفير دمشق في بيروت اضطر إلى إطلاق صرخة علنية في 3 حزيران، يعلن فيها إحساس السلطات السورية كما لو أن هناك في لبنان من لا يريد معالجة أزمة النزوح السوري إلى لبنان، وأن هذا السلوك عائد إلى سببين معروفين:
أولاً الضغوط الخارجية على بعض المسؤولين والسياسيين اللبنانيين لأغراض خارجية وغير لبنانية، وثانياً، استثمار بعض السياسيين اللبنانيين لملف النازحين في سوق المنافع المادية على حساب قضية إنسانية ووطنية بامتياز. شيء مماثل للتعاطي اللبناني التاريخي مع قضية اللاجئين الفلسطينيين التي بدأت قبل نحو 66 عاماً، أو حتى مهجّري الحرب اللبنانية التي انتهت قبل نحو ربع قرن ولا يزالون مهجرين. فهل يريد بعض المسؤولين اللبنانيين تحويل النازحين السوريين قضية دائمة أو أزمة مزمنة مماثلة؟ وإلا فمتى الاتصال بسلطات دمشق للعمل معاً على بدايات الحلول والحلحلة؟
متى الاتصال بدمشق للعمل معاً على بدايات الحلول لأزمة النازحين؟
المثل الثاني الذي تعطيه الجهات السورية يبدو أكثر دقة وحساسية. تقول إنه منذ أشهر عدة، استؤنف العمل في قنوات التنسيق الأمني والدبلوماسي غير المعلن، بين دمشق وعدد كبير من العواصم الغربية والأوروربية تحديداً. وفي هذا السياق كان الملف الأبرز للتعاون بين الطرفين هو موضوع الجهاديين والإرهابيين ونشاطهم بين سوريا والغرب. وخلال تلك الفترة تم تبادل معطيات أمنية مهمة جداً. لوائح بأسماء من هنا، مقابل كشوفات بأنشطة مالية وتحويلات مصرفية من هناك. وفي هذا الإطار تبين للسوريين أن بعضاً من التمويل المشبوه لجهات جهادية إرهابية ناشطة في المنطقة، بينها عناصر من «داعش»، يتم جزئياً عبر جهات مالية لبنانية من بيروت أو عبرها، بحيث ثبت للسلطات السورية، وفق المعلومات الأمنية الغربية بالذات، أن ثمة أموالاً مشبوهة تصل إلى جهاديين وإرهابيين و«داعشيين» عبر شركات مالية تتخذ لها من بيروت مقراً أو ممراً. وقد تم الاتصال بالجهات اللبنانية المالية المعنية، وإحاطتها بالمعلومات الخطيرة المتوافرة، وطُلب إليها وضع آلية تنسيق مشتركة من أجل التعاون لضبط هذه الخروق الخطيرة. وكان السوريون يعتقدون أن الجهات اللبنانية ستسارع إلى التجاوب، لما في ذلك من مصلحة لبنانية. على الأقل كما كانت هذه الجهات قد فعلت في قضايا أخرى مماثلة، لمصلحة أمن واشنطن أو غيرها من العواصم الغربية. فكيف والأمر الآن مصلحة لبنانية حيوية أمنياً وسياسياً. لكن أيضاً من دون أي نتيجة أو أي تعاون، علماً، كما تضيف الجهات نفسها، بأن القضايا المالية العالقة بين سوريا ولبنان كثيرة في هذا المجال؛ منها مثلاً أوضاع المصارف اللبنانية في سوريا، التي باتت تتحمّل ديوناً هالكة عائدة لسوريين، كما تواجه أعباء قروض متعثرة نتيجة الأحداث. وهو ما أبدت السلطات السورية استعداداً لحله وإعطاء اللبنانيين تسهيلات كبيرة من أجل تخطّيه. وبالتالي ثمة مصلحة لبنانية سورية مشتركة للتنسيق من أجل مواجهة هذه الملفات.
غير أن السلطات المالية اللبنانية المعنية ظلت تدير ظهرها وآذاناً صماء. وتلاحظ الجهات السورية أن لا مبرر لهذا التصرف إطلاقاً. فالأوضاع السورية تشهد تطبيعاً واضحاً في العلاقات مع كل الأطراف. حتى إن التحويلات الخليجية عادت إلى دمشق بشكل واضح، فضلاً عن مؤشرات لا يمكن إلا أن تعكس تعاوناً دولياً وغربياً، مثل انتعاش السوق المالية السورية بنسبة 80 في المئة، وتحسن سعر صرف الليرة السورية بنسبة عشرة في المئة. ورغم ذلك، لا تزال السلطات المالية اللبنانية وحدها تمارس سياسة دفن الرأس في الرمال ومقاطعة مصالح لبنان واللبنانيين في هذا المجال. هل يعقل أن يبلغ التخاذل اللبناني حدّ التواطؤ في قضيتين مصيريتين، مثل النازحين وتمويل «داعش»؟ سؤال برسم الصامتين في بيروت، والمنتظرين تعليمات الخارج وأوامره حيال مصالح الوطن وشعبه.
http://www.al-akhbar.com/node/208724
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه