خمسة وثلاثون عاماً، على قيام الثورة العادلة في إيران، واجهتها أميركا ومعها الغرب بعدائية
أمين أبوراشد
هنيئاً لأميركا إستفاقتها من غيبوبة امتدت منذ نكبة فيتنام وصولاً الى النكسة على بوابات الشام، بعد خيبة مشروع شرق أوسطٍ جديد أرادته "إسرائيليات مذهبية" عبر أخبث سيناريو ابتدعته الغرف السوداء في واشنطن وتسرَّبت وثيقة منه تتضمن عنوان: "إذا كانت الأرض قد جمعت العرب فليفرِّقهم الدين"، وهنيئاً الحرب التي خاضتها بالنيابة عنها دمى عربية وإسلامية أدَّت دورها للنهاية على خشبة مسرح التناحر والإنتحار في مهزلة ما يُسمَّى بـ "الربيع العربي".
لكننا لا نهنىء أميركا والغرب على الخطأ في تصنيف الإسلام بين معتدلٍ ومتطرِّف، لأن الدين الإسلامي شأنه شأن الأديان السماوية هو واحدٌ ولو تعدَّدت المذاهب الفقهية، ونحن لسنا بصدد البحث في المذاهب، بل بمسلمين استخدمهم الغرب لضرب الإسلام منذ العام 1747، يوم نشوء الوهَّابية على يد محمد بن عبد الوهاب كمذهبٍ لصيق بعائلة آلـ سعود، وصولاً الى العام 1934 تاريخ إعلان المملكة العربية السعودية مُلكاً عائلياً مُطلقاً بالسيف المُسلط، شأنها شأن غالبية العروش العائلية في هذا الشرق، ولا مجال للمقارنة بين مذهبٍ على قياس عائلة أتى بها العرش البريطاني لشرذمة المسلمين، وبين مبدئية ولاية الفقيه والثورة الإسلامية الإيرانية الشعبية التي قامت العام 1979 ضدَّ "الشاهنشاهية" الظالمة التي كانت تجمعها المصالح الديكتاتورية مع ساكني العروش العائلية في الجوار ومع قوى الإستكبار عبر العالم.
وعندما يغدو الدين استلهاماً للتفكير لتدبير شؤون الناس بالعدل وتحقيق طموح الشعوب بالحريِّة والديموقراطية، فالأولَى ببعض الديكتاتوريات العائلية التي تحت ستار الدين موَّلت المدارس الدينية التكفيرية، بدءاًً من جماعة "الأخوان" مروراً بـ "طالبان" و"القاعدة" وانتهاء بـ "داعش"، أن تُقيم العدل والديموقراطية في بلدانها قبل أن تتبناها في بلدان الآخرين، وأن تنكفىء عن تمزيق العالمين العربي والإسلامي خدمة لأعتى كيانٍ عنصريٍ في الشرق، وقد صدق من قال بأباطرة النفط: "يريدون أن يفتحوا العالم بأموالهم دون أن يفتحوا كتاباً"!
آن الأوان أن نفتح الكتاب ونسمِّي الأمور بأسمائها، لنميِّز بين من جعل من كتاب الله مرجعاً للتفكير وبين من استخدمه أداة للتكفير، وهدفنا المساهمة في كتابة الخاتمة لهذا السيناريو الأميركي الخائب بعد أن لاحت في الأفق بعض المؤشرات، أن أميركا قد استفاقت جزئياً من غبائها وأذعنت للحقّ ولو مرغمةً، وتوَّجت من دون أن تعلن، وسوف تُعلن لاحقاً، الجمهورية الإسلامية الإيرانية الناهضة من فكر "الولي الفقيه" وليَّة على الشرق، هذا الفكر الذي أشعل الثورة الإسلامية في إيران إنتفاضة عالمية بإسم المستضعفين في الأرض، بوجه الإستكبار والمستكبرين، ومَن لم يفقه حتى الآن فقه هذه الثورة الديموقراطية العادلة القائمة على المبادىء الحُسينية وسيف الحقّ في مواجهة الباطل، فعليه الرجوع الى عشرات آلاف الخُطَب التي ألقاها في المجالس العاشورائية رجال دين من غير مذهب الحُسين عليه السلام، بل من أديانٍ أخرى ومن علمانيين وليبراليين وأهل فكرٍ كبار، أسهبوا في الحديث عن واجب وجود رمزية الحُسين في كل دينٍ وفي كل زمانٍ ومكان، لتستمر ثورات الحق في مواجهة الظلم والإستعلاء ونهش حقوق الضعفاء على امتداد مساحة الكرة الأرضية التي يحكِمها الشرّ.
خمسة وثلاثون عاماً، على قيام الثورة العادلة في إيران، واجهتها أميركا ومعها الغرب بعدائية، وواجهتها بعض الدول الخليجية بسلبية لأنها رأت فيها الإسفين الأول في نعش الدكتاتورية العائلية في الإقليم، وخمسة وثلاثون عاماً من النهضة الواثقة الواعية بالتفاف الشعب الإيراني حول رمزية "الوليّ الفقيه" وثقة هذا الشعب بحضارته وقدراته العلمية وخيرات بلاده، لم تحاول إيران خلالها تصدير ثقافتها وفرضِها على الآخرين، ولا قاربت حدود من لم يعتدِ عليها، وواجهت عشر سنوات من الحصار المُجرِم على قوت شعبها ومستلزمات بناء وتطوير كيانها، حصارٌ تحت ذريعة بنائها مفاعلات نووية والوصول الى مستوى تخصيب اليورانيم لدرجة بلوغ مرحلة إنتاج السلاح النووي، رغم تأكيدات متكرِّرة من أعلى مرجعياتها المؤمنة، أن الدين والشرع لا يسمحان للشعب الإيراني من المنطلق الإيماني والإنساني، مجرَّد التفكير بإنتاج أيٍ من أسلحة الدمار الشامل التي تقضي على أبرياء وتدمِّر البشر والحجر دون تمييز، واحتفظت بحقِّها في إنتاج الطاقة النووية للأغراض السلمية والأبحاث العلمية التي تخدِم تطورَّها، ورغم ذلك استمرّت إسرائيل ومعها أميركا والغرب ورعاديد العرب بالتحريض على الملف النووي الإيراني، حتى أذلَّتهم إيران وانتصرت بعلماء الفيزياء وجهابذة الفكر الواعي العنيد بالحقّ، وخصَّبت ذاتياً وأنتجت، وانصاعت دول الخمسة زائد واحد، وكانت المفاوضات النووية التي طلبتها أميركا والغرب أولى بشائر الإعتراف بالحق الإيراني بل بإيران الدولة الإقليمية ذات التاريخ المُسالم، شرط ألاّ يمسَّ أحدٌ كرامة شعبها أو يشكِّل خطراً على أمنها.
بين ليلة وضحاها، ستغدو إيران شرطيّ الشرق، ووليَّة أمر القاصرين الذين توهَّموا أن إقامة دويلات الخلافة وأبرزها تلك التي تنادي بها "داعش"ستكون بمستوى مواجهة دولة مساحتها مساحة قارة، لو انطلق نحو أراضيها صاروخ واحد، فإن صواريخها كافية خلال ساعات لتدمير مفاعلات نووية وأسلحة دفاعية في إسرائيل، والقواعد الأميركية الرابضة على رمال عربان الخذلان والتواطؤ.
قوّة إيران هي من داخلها، ومن تماسك شعبها حول رمزية "الولي الفقيه" والحضارة الفارسية العريقة، ومن العدالة الإجتماعية التي تُرضي كافة شرائح الأمَّة، وجزئية بسيطة عن قانون المواطنة الذي أقرّته الجمهورية الإسلامية الإيرانية في فبراير/ شباط من العام 2014 لحفظ حقوق الأقليات بالمساواة مع الغالبية الشيعية في كل ما يتَّصل بالعدل بين المواطنين وفق ما ينصُّ الدستور الإيراني، حيث لا تمييز في الحقوق الدينية والسياسية والإجتماعية وتكافؤ الفرص بين إيراني وآخر، ما يعكس العدالة السائدة في ثقافة "ولاية الفقيه" مقابل فوضى التخبُّط في دويلات الخلافة المزعومة القائمة على تكفير الآخر وعلى التشريد والتدمير والتنكيل والقتل والنحر والثكل على امتداد ساحات ربيع العرب وأقحوانٍ من دماء الأبرياء على أرصفة الإنتحار.
من قوّة عملاقة لكيانٍ مؤمن بالله وبذاته وبالقيم الإنسانية المشتركة، جاءت مواقف الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني بعد عودته من تركيا وموافقته على المساهمة في مكافحة الإرهاب، مع سحب إقرار من أردوغان بضرورة حلّ سياسي في سوريا، كررها الشيخ روحاني منذ أيام : لن ننتظر طويلاً وسنتدخَّل في الوقت المناسب لمكافحة الإرهاب في المنطقة والعالم، وسندعم العراق إذا طلب مساعدتنا، ولا مانع لدينا من التعاون مع أميركا في مكافحة الإرهاب، وبدا الفارس الإيراني وكأنه يقول: الأمر لي في هذا الشرق وأنتم طلبتم ذلك ولكن بالمعايير التي نراها عادلة ودون محادثات مباشرة مع أميركا بهذا الخصوص، وإيران التي تشكَّل محور النشاط السياسي والديبلوماسي في الإقليم، لديها من الوعي لكيفية محاربة الإرهاب دون أن تؤجِّج صراعات مذهبية تسعى إليها بعض الأنظمة الخليجية.
هنيئاً لإيران عصامية شعبها وصبره وجهده، وهنيئاً لها نزع صفة "محور الشر" الظالمة لتاريخها، وهنيئاً لها تتويجها والية على الشرق، بل وليَّة الأمر على القاصرين في السياسة والرؤية، وهنيئاً لشعوب الشرق وللأقليات بشكل خاص، بالثورة الحسينية المستدامة عنوان كرامة في مواجهة الإستكبار والإستعمار والهيمنة على القرار وتكفيرالآخر، وكفى الدمى العربية لعِب أدوار هزيلة لأن الساحة ستخلو قريباً لمواقف الكبار...
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه