ورأى الأب مسوح أن الظاهرة التكفيرية هي دهرية وليست دينية كما نعتقد، فهم يصادرون قرار الله ويعزلونه عن عرشه ويعطون اوامر الفتل والذبح، إذ لم يتركوا لله أن يفعل شيئاً إنهم يفعلون كل شيء عنه. .!!
أجمع النّقاد والقراء، في قصر الأونيسكو يوم أمس، على أن صدور كتاب " "التكفير، ضوابط الإسلام وتطبيقات المسلمين" للدكتور الشيخ أكرم بركات جاء في وقته، لحاجة الأمة إليه في هذا الوقت العصيب من الفتن التي تعيشها الأمة الإسلامية في المنطقة العربية تحديدا.
راعي الحفل نائب أمين عام حزب الله فضيلة الشيخ نعيم قاسم، أوجز ثلاث ملاحظات حول الكتاب : الأولى وقوفه عند قدم النشأة التاريخية المفصلة التي يحتاجها أي باحث لمعرفة جذور التكفير الذي بدأ مع الخوارج في زمن الإمام علي (ع)، مرورا بالتحديات والتطورات التي تتبلو معها هذا الفكر. والثانية يتميز بشمولية المعالجة في عرض الرأي والرأي الأخر حيث قدم نصوص في مظانها دون التصرف بها توخيا للموضوعية والآمانة العلمية. والثالثة اختار شرح نظرية التكفير في بناء العقيدة لأهمية البناء العقائدي في مبنى الاجتهادات والفتاوى.
وتابع سماحة الشيخ انه لو أجرينا مقارنة مع الحالة التكفيرية التي نواجهها لوجدنا بأن التكفيريين يخالفون بديهيات تعاليم الإسلام، قال تعالى:"لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ "، وهم يُكرهون الناس. وقال تعالى: "أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ "، وهم يتصرفون بغلظة مع المؤمنين بشكل خاص. وقال تعالى: "وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"، وهم يعتدون، ويتفننون في اعتداءاتهم ويبتكرون طرقًا جديدة تذكِّرنا بمجاهل التاريخ.التكفيريون هم في الواقع خوارج العصر الذين خالفت شعاراتهم سلوكهم، قال تعالى: "الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ". بالله عليكم ماذا عملوا؟
التكفيريون هم ضد جميع البشر، وليسوا ضد المسلمين فقط، وليسوا ضد الشيعة فقط، هم ضد كل إنسان على وجه هذه الأرض، بل هم الذين يتنافسون على السلطة فيقاتل بعضهم بعضًا إلى درجة أن ينحصروا في عصابة قليلة محدودة تستخدم العنف والقتل.
بكل وضوح، نحن نعتبر أن أمريكا ودولًا إقليمية يتحملون المسؤولية الكاملة في حضور هؤلاء التكفيريين في منطقتنا، لقد استخدموا التكفيريين في سوريا والعراق والمنطقة، لتعديل موازين القوى لإقامة مشروع الشرق الأوسط الجديد، ولكنهم فشلوا مجددًا في سوريا، ولم ينجحوا في إقامة هذا المشروع بعد أن فشلوا في المرة الأولى في عدوان تموز عندما أطلقت "رايس" كلمتها المشهورة بأن العدوان على لبنان هو آلام مخاض شرق أوسط جديد، فعندما فشلوا من هذه البوابة اختاروا بوابة التكفيريين من أجل أن ينشئوا مشروعهم ومع سقوطهم في سوريا يعني أن مشروعهم سقط سقوطًا مدويًا للمرة الثانية.
هؤلاء التكفيريون يحملون مشروعًا خاصًا بهم في السيطرة والاحتلال والأهم من ذلك هم يتمردون على مشغليهم، وأوافق كل الذين يقولون أن منشأهم المال والنفط والغرب وأمريكا ولكن في الواقع هم بعد ذلك سيتمردون كما تمردوا بعد أفغانستان.
لقد أثبتت الأحداث التي تجري الآن بأنَّ خيار حزب الله كان صائبًا في المساهمة بمنع سقوط سوريا المقاومة، وإلاَّ امتدَّ الخطر التكفيري إلى لبنان بأسوأ مما يحصل اليوم في العراق، هنا بدأ العرب والغرب يشعرون بخطر التكفيريين عليهم، بعد أن أمدَّوهم بالدعم والملاذات الآمنة والتغطية الإعلامية والسياسية، وبذلك انكشفت خياراتهم الخاطئة، وللأسف فإن شعوب منطقتنا هي التي تدفع ثمن تجارب وأحلام المستكبرين في السيطرة على مقدراتنا.
الآن يواجه العراق خطر التكفيريين بشكل واسع، ولكن مع التكاتف الداخلي في العراق وشحذ الهمم والتصميم والإرادة بالإمكان أن يهزم العراقيون التكفيريين ومن وراءهم من دول كما هُزموا في سوريا بإذن الله تعالى. والحل بتشكيل تحالف دولي إقليمي ضد الإرهاب التكفيري، وكشف حقيقته أمام الرأي العام، ولو تم ذلك برؤية موحدة من دون إطارٍ تنظيمي يجمع بين هذا التحالف، فليواجه كل طرف هذا الخطر بما يُتاح له وبطريقته. المهم أن تتجه الأنظار لمواجهة هذا الخطر التكفيري.
وهنا كلمة خاصة لأولئك الذين يتمسكنون فيبررون أعمال داعش، ليكن معلومًا: كل تبرير لأعمال داعش هو مشاركة في أعمالهم وإجرامهم وقتلهم للأبرياء، ونسأل الله تعالى أن يلهم المغرر بهم البصيرة كي لا ينقادوا إلى من اتبعوا أهواءهم وأساؤوا إلى شرع الله تعالى ولم يتوفقوا لمعرفة الحق وتمييزه عن الباطل.
الأب جوروج مسوح أعرب عن فرحته بنشر الكتاب إذ إنه كان يتمنى صدور مثله من منطلق إسلامي يبحث في هذه الظاهرة التي تؤثر في مستقبلنا جمعيا مسلمين ومسيحيين. واكد الأب مسوح أنه لا بد من القول إن الشيخ بركات قد نجح في عرضه التاريخي والموضوعي لهذه الظاهرة لدرجة أن هذا الكتب يمكن أن يعدّ مرجعاً أساسيا في هذا الموضوع، حيث هناك تشويه كبير لحقيقة الفكر الإسلامي من هنا عنوان الكتاب كان ضروريا لاعادة الاعتبار لهذا الفكر. ورأى الأب مسوح أن الظاهرة التكفيرية هي دهرية وليست دينية كما نعتقد، فهم يصادرون قرار الله ويعزلونه عن عرشه ويعطون اوامر الفتل والذبح، إذ لم يتركوا لله أن يفعل شيئاً إنهم يفعلون كل شيء عنه. .!!
وأبدى الأب أسفه لما ينسب للإسلام خصوصا من الذين يتلبسون بلباس الدين إذ إنهم من المنافقين وهؤلاء يجب محاربتهم من قبل المسلمين أنفسهم قبل غيرهم. وأعرب مسوح ان لا مشكلة لديه في أن يقول عنه الإسلام بأنه كافر كصفة تعبيرية عن واقع أني مخالف بالعقيدة، "ولكني متأكد أن الإسلام لا يامر بقتلي لأني مخالف لهذه العقيدة". فإذا لم نواجه هذه الظاهرة فإننا نخرب الدين والدنيا معا كما قال بطرس البستاني إثر فتنة جبل لبنان في العام 1860 :"إن الحرب الأهلية التي تقوم بين أهل الأديان هي خراب للدين والدنيا معاً". وتابع الأب خاتما :" نحن نخرّب بلادنا وديننا الذي يحتاج إلى مسيرة طويل لإعادة ترميم ما تصدع من هنا أهمية قبول الأخر وفكره. ولكن ما دام لدينا حكمة مثل حكمة السيد حسن نصرالله لن ننزلق إن شاء الله إلى هذه المزالق في لبنان.
أما الشيخ خالد محرم فقد رأى أن هذه الظاهرة من أقوى الظواهر التي فرضت نفسها على الشارع الإسلامي، وأصبح الناطقون بها يتحولون من الاجتهاد إلى التكفير، ويحلل الواحد منهم ويحرم ما يشاء وكل ذلك لتحقيق اهداف شخصية ومصلحية نفعية. وأكد الشبخ محرم ضرور معالجة هذه الظاهرة الخطيرة على الإسلام والمسلمين سواء، بكشف أثارها على المجتمع ونشر العلم والمعرفة ومن هنا يأتي أهمية مثل هذا الكتاب للشيخ أكرم بركات إذ إنه يحارب العصبيات ويكشف ألوانه الخبيثة ويدعو إلى الاحتكام للفقهاء المعترف بهم في الأمة.
وختمت هذه الندوة بكلمة قصيرة لصاحب الكتاب الشيخ أكرم بركات بيّن أهمية الكتاب في هذه المرحلة المصيرية من حياتنا وشكر كل من شارك في الندوة محاضرين ومستمعين.
وجرى بعد ذلك حفل التوقيع الذي شهد اقبالا كبيرا على شراء الكتاب.