"حيا الله المملكة وحيا الله دورها المشرف ومواقفها الإيمانية العربية الأصيلة من ثورة الشعب السوري ومن البحرين والخليج عموماً، ومن شعب العراق"
لم يعد العراقيون وحدهم من يتحدث عن تمويل خليجي - تركي للارهاب. بعد أحداث الموصل وما تبعها من تطورات أمنية في العراق، الإرهاب عرّف عن نفسه، تماماً كما ممولوه.
أحداث الموصل قادتها مجموعات ما يُسمى بتنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش) متحالفة مع نخب وضباط رفيعي المستوى تابعين للبعثي-العراقي عزة الدوري، الرجل الثاني في عهد صدام حسين، والمطلوب في العراق لتورطه في جرائم إبادة في العهد المنحلّ.
لا يبدو مقنعاً ما يروّجه البعض، من أن الجماعات الارهابية المسلحة موّلت نشاطاتها من عمليات النهب التي مارسته فقط. فتنظيم "داعش" الذي استولى على 429 مليون دولار من المصرف المركزي في الموصل (أي ما يُعادل نصف مليار دولار) ليتحول إلى أغنى تنظيم إرهابي، متفوقاً بذلك على تنظيم القاعدة نفسه، معروف بتعدد مصادر تمويله، لكون مجموعاته المؤلفة بغالبيتها من مقاتلين أجانب مخترقة من أجهزة استخبارية عدة. الأمر نفسه ينطبق على مسلحي عزة الدوري، المنضويين تحت ما يُسمى "رجال الطريقة النقشبندية"*، فالرجل المطارد في العراق تمكن من تشكيل تنظيم مسلح على أساس مذهبي أيضاً ،حيث رجحت "بي بي سي" أن الدوري لعب دوراً رئيسياً في تمويل "المسلحين السنة في محاولة لتقويض الحكومة العراقية". لم يُصرح إعلامياً عن مصادر تمويل مسلحي الدوري، إلا أن تحركات المسؤول البعثي ومواقفه كفيلة بتبيان ذلك.
العراق: الارهاب تموله السعودية
في موقف صريح حملت الحكومة العراقية - في بيان- السعودية مسؤولية دعم الجماعات الارهابية مادياً ومعنوياً، "وما ينتج عن ذلك من جرائم تصل الى حد الابادة الجماعية" ، معتبرة أن موقف الرياض من العراق "ليس فقط تدخلا في الشأن الداخلي وانما يدل على نوع من المهادنة للإرهاب".
الكلام جاء منسجماً مع اتهامات وجهها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، في مواقف سابقة، اذ اتهم المملكة العربية السعودية وقطر "باعلان الحرب على العراق، محملا اياهما مسؤولية الازمة الامنية في هذا البلد"، "بخلفيات سياسية وطائفية". وأضاف أنهما يجندان المقاتلين والتكفيريين لارسالهم للعراق.
وفي مقابلة مع موقع قناة المنار، تحدثت النائبة عن ائتلاف دولة القانون زينب وحيد السلمان، أن الدور التدميري الذي لعبته المملكة العربية السعودية في سورية، تكرره في العراق. وتورط المملكة يؤكده مقتل ضابط سعودي من قوات درع الجزيرة على الأراضي العراقية قبل أيام، واعتقال سعوديين آخرين في محافظة ذي قار الجنوبية، وهو خبر نقلته وسائل الاعلام العراقية عن اللجنة الأمنية في المحافظة.
أغلب المقاتلين الذين تم اعتقالهم إما من جنسيات سعودية أو أشاروا في تحقيقات أُجريت معهم إلى تسهيلات قدمتها المملكة لعبورهم إلى العراق، الكلام لا تنقله النائبة في البرلمان العراقي فقط. الناشط السياسي فؤاد ابراهيم كتب في جريدة "الأخبار" اللبنانية عن مقاطع فيديو على "يوتيوب" لمقاتلين سعوديين في العراق كشفت عنهم "لهجاتهم النجدية والجنوبية السعودية". وأضاف: "مواقع التواصل الاجتماعي تفيض بروايات عن مقاتلين سعوديين في الموصل وصلاح الدين وديالى وغيرها.. وسوف تتكشف مع الأيام أعداد وأدوار السعوديين في البنية التنظيمية والعسكرية لتنظيم داعش".
عقب سرد المعلومات تساءلت سلمان عما تريده السعودية من العراق، "هل تريد الاستحواذ على المنطقة بكاملها على حساب شعوب المنطقة. السعودية لم تكتف بالتدخل في الشؤون البحرينية ولا السورية، هي اليوم تقود حرباً ضروس مستخدمة الجماعات الارهابية ضد العملية السياسية والمشروع الديمقراطي في العراق".
عزة الدوري: رجل للمملكة في العراق
في أواخر العام 2012، كشف القيادي في ائتلاف دولة القانون سامي العسكري أن الدوري غادر إلى السعودية عبر مطار أربيل، منتقداً عدم خضوع المطار للسلطة المركزية.
وقبل أشهر قليلة من الانتخابات العراقية، أجرى "الأهرام العربي" مقابلة مع عزة الدروي. مواقفه أتت متطابقة إلى أبعد الحدود مع تصريحات مسؤولي المملكة.
"المملكة العربية السعودية... تمثل قاعدة الصمود والتصدى لكل المؤامرات والمحاولات التى تستهدف الأمة هوية ووجوداً، ولولا المملكة العربية السعودية لهيمنت إيران الصفوية على دول الخليج هيمنة مطلقة، ولعانت فساداً في هذه المنطقة الحيوية من وطننا وأمتنا".
"فحيا الله المملكة وحيا الله دورها المشرف ومواقفها الإيمانية العربية الأصيلة من ثورة الشعب السوري ومن البحرين والخليج عموماً، ومن شعب العراق وثورته ومن شعب مصر وجيشه وثورته ومن اليمن وفلسطين ولبنان والصومال، وحيث ما يوجد التهديد الحقيقي لأمة و مصالحها الأساسية"، قال الدوري.
وفي مغازلة للود السعودي شن المطلوب للقضاء هجومه على الجمهورية الاسلامية الايرانية، واصفاً ما يجري في العراق بأنه "مقاومة باسلة" لمشروع "الهيمنة الإيراني"، ولم يُشِر الدروي إلى جماعات إرهابية في العراق بل تحدث عن "ثوار"، وهي المصطلحات نفسها التي يستخدمها الاعلام السعودي.
سُئل الدوري عما إذا كان يتوقع تغيراً للوضع العراقي بعد الانتخابات، فأكد أن الوضع "سيزداد سوءاً". ناصحاً شعب العراق بحل وحيد "هو التوحد والالتفاف حول مقاومته الباسلة وخلف قواه الوطنية والقومية والإسلامية لكنس هذه العملية" السياسية.
كلام يفسر آلية تنفيذ ما وعد به رئيس الاستخبارات السعودية سابقاً تركي الفيصل، في الجلسة العامة لمؤتمر الأمن، الذي نظّمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة في 22 نيسان/ أبريل الماضي، عندما حذر: "في حال فوز نوري المالكي رئيس الوزراء الحالي المنتهية ولايته، في الانتخابات التي يجري الإعداد لها في الفترة الراهنة، سوف يقسّم العراق".
حرب السعودية على إيران
"المعركة على العراق هي حرب السعودية على إيران" تحت هذا العنوان حاول مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، سايمون هندرسون، تفسير ما تشهده الساحة العراقية من أحداث فكتب عن الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز: "لا شك أنه أدرك أن الأحداث في العراق توفر له فرصة جديدة - حين لم تظهر بوادر تذكر على أي نجاح وشيك في سياسته التي تقضي بتوجيه نكسة استراتيجية إلى إيران من خلال تنظيم حملة لإسقاط بشار الأسد في دمشق".
وأضاف هندرسون أن ما جرى في العراق "يمثل منذ سنوات طويلة حلم العاهل السعودي الملك عبدالله". ورجح أن التنظيم الارهابي "داعش"، الذي وصفه بأنه "آلة قتل لا تعرف الرحمة"، يعتبر نشاطه في العراق هو "بمثابة رد على دعم المالكي للأسد".
ولفت إلى بُعد جوهري في السياسة السعودية يتمثل في "الاستعداد لدعم المتطرفين… في الخارج وتقييد أعمالهم في الداخل". وتابع: "من هنا أتى دعم الرياض عن بعد لأسامة بن لادن حين كان يقود الجهاديين في أفغانستان أثناء خضوعها للحكم السوفياتي، والتساهل مع الجهاديين في الشيشان والبوسنة وسورية".
وفي سورية "أعادت الاستخبارات السعودية فتح دفتر مخططاتها وبدأت تدعم المعارضة السنية وخصوصاً عناصرها الأكثر تطرفاً"، ورغم استقالة رئيس مخابراتها بندر بن سلطان "يبدو أن الدعم السعودي للمقاتلين الجهاديين بقي مستمراً"، بحسب هندرسون.
ويفسر هندرسون دعم المملكة للجماعات الارهابية وتخوفها من تمدد هذه الجماعات بما شهدته عشرينات القرن الماضي، "كان مقاتلو حركة «الإخوان» الدينية المتشددة يساعدون بن سعود على الاستحواذ على شبه الجزيرة العربية ويهددون أيضاً العراق وإمارة شرق الأردن اللتان كانتا خاضعتين للوصاية البريطانية. وحين هدده «الإخوان» في معركة "السبلة" عام 1929، أعطى بن سعود - والد الملك السعودي الحالي - البريطانيين الصلاحية المطلقة للقضاء على «الإخوان» بواسطة القاذفات المزودة بمدافع رشاشة، كما قاد شخصياً قواته الخاصة بهدف إتمام تلك المهمة".
* النقشبندية: هي أكبر الطرق الصوفية، وتنتشر في تركيا وسورية وفلسطين وكردستان كما باقي شمال العراق. ورغم أن الصوفية ركزت على العلاقة الروحية، إلا أن "رجال الطريقة النقشبندية" اتخذوا منحى متمايزاً في الموصل بعد سقوط صدام حسين ولجوء عزة الدوري إلى المنطقة، فحملوا السلاح وتبنوا لاحقاً العديد من العمليات المسلحة.