25-11-2024 02:38 PM بتوقيت القدس المحتلة

العراق أمام "حرب الفدرلة".. النموذج البوسني مثالاً!

العراق أمام

على ضوء العديد من الوقائع الميدانية، ظهر ان "النموذج البوسني" يراد تطبيقه في العراق باتجاه انشاء ثلاث كيانات على أسس قومية ومذهبية

علي عبادي

يتضح شيئاً فشيئاً أن الصراع في العراق يتحول باتجاه السعي لإنشاء اقليم آخر يضاف الى اقليم كردستان الذي أكمل بهدوء تجهيز معالم الدولة الكردية. وعلى ضوء العديد من الوقائع الميدانية، ظهر ان "النموذج البوسني" (جرى تقسيم البوسنة والهرسك في التسعينيات الى ثلاث كيانات بين الصرب والكروات والمسلمين بعد حملة "تطهير سكاني" حفلت بالمذابح المخزية) يراد تطبيقه في العراق باتجاه انشاء ثلاث كيانات على أسس قومية ومذهبية، بعد عملية فرز دموية يتم فيها التخلص من بعض الجيوب التي لا تتناسب مع التركيبة الجديدة. كل ذلك يجري بدعوى عدم امكانية الاستمرار في التعايش وفق الصيغة السابقة.

وكانت ذات دلالة خاصة تصريحاتُ نجيرفان البارزاني رئيس حكومة اقليم كردستان لهيئة الاذاعة البريطانية والتي قال فيها انه "من شبه المستحيل" ان يعود العراق كما كان عليه قبل احتلال متطرفين للموصل ثاني مدن العراق قبل اسبوع، واعتبر ان (المسلمين) السُنة يجب ان يكون لهم الحق في ان يقرروا، وان "النموذج الافضل" هو ان يقيموا منطقة خاصة بهم "كما فعلنا في كردستان"، ليختم بالدعوة لجلوس العراقيين جميعاً "لنعرف كيف يمكن العيش معا".

ولا تأتي تصريحات البارزاني من فراغ، وسط تعبئة مذهبية تؤمّنها حكومات اقليمية تتفق على الاطاحة بالحكومة العراقية المركزية وتتنافس على ضمان حصة سياسية واقتصادية لها في الاقليم الكردي المنجَز و"الاقليم السني" المشروع الغامض حتى الآن في هويته السياسية والدور الوظيفي. ولا تبدو الإدارة الاميركية بعيدة عن هذا المخطط وهي التي بخلت في دعم بغداد عسكرياً ساعة الأزمة وتحتفظ في جيبها برؤية جو بايدن التي اعلنها قبل ان يصبح نائباً للرئيس عام 2007 باقامة ثلاث فيدراليات في العراق: كردية وسنية وشيعية.

اللافت في الأسبوع الثاني على بدء "حرب تقسيم التركة" المحاولات الدؤوبة لتصفية المناطق التي تشكل عقبة ديمغرافية أمام اقامة مكون طائفي خاص وتوسيع نطاق حدوده ما أمكن، ولجأت الجماعات المسلحة المنخرطة في هذا المشروع الى اقتباس "التكتيك الصهيوني" الذي اتُبع مع العرب الفلسطينيين عام 1948 لجهة شن حرب نفسية وبث إشاعات وارتكاب مذابح والتهديد بها لحمل سكان هذه المناطق على مغادرتها، كما حصل في قضاء تلعفر ذي الغالبية التركمانية الشيعية وهو أكبر قضاء في محافظة نينوى بل في العراق ككل (يبلغ عديد سكانه حوالى 400 ألف نسمة نزح 95 % منهم)، وكما حصل في بعض نواحي محافظة ديالى التي سارعت دوائر اميركية وسعودية الى بث أخبار عن سقوط مركزها بعقوبة بيد المسلحين. وثمة من يقول (والعهدة على الراوي) ان قوات البشمركة الكردية لعبت دوراً مشبوهاً في تسهيل مهاجمة الجماعات المسلحة بعض المواقع المحددة ذات الطبيعة القومية المغايرة، وهذا ما حصل في مناطق ذات غالبية تركمانية جنوب كركوك من خلال الانسحاب المفاجئ للبشمركة من بعض مواقعها الأمامية بصورة غير مفهومة. ومعروفة حساسية النزاع بين الكرد والتركمان حول تحديد هوية كركوك.

وهناك سؤال في هذا المجال لا يجد جواباً بعد، يتعلق بمصداقية التصريحات الرسمية التركية التي حملت لواء الدفاع عن التركمان العراقيين، مؤكدة ان انقرة لن تقف مكتوفة الأيدي في حال تعرضهم للهجوم.

هذا في وقت يدور غزل وتناغم بين انقرة واربيل يمتد من عائدات النفط العراقي الشمالي الى تسهيل ولادة "الاقليم السني" الذي تقدّر القيادة الكردية انه سيكون حاجزاً جغرافياً وسياسياً يفصلها عن الحكومة المركزية بما يكفي لإلهاء بغداد بمشكلتها المستجدة وكفّ يدها عن الثروات الطبيعية في كردستان بعد ضم كركوك الغنية بالنفط اليها بهدوء ومن دون عناء كبير.

ومن المثير للإنتباه استعجال وزير الموارد الطبيعية في كردستان العراق آشتي هورامي تبشير المستثمرين الغربيين في لندن بأن الإقليم أكمل ربط حقول كركوك بخط الأنابيب الكردي الجديد الذي ينقل الخام إلى تركيا.