"تبدو سجلات وزارة المال كمغارة علي بابا، أو كما لو أنها نُظِّمَت لتُثبِت أن الأرقام في لبنان ليست أكثر من «وجهات نظر». الجديد في هذا الإطار هو فقدان أكثر من 2800 شيك، مسحوبة من حساب الخزينة العامة، و
كشفت صحيفة "الأخبار" عن فضيحة جديدة في وزارة المال اللبنانية عائدة للفترة الممتدة بين عامي 1997 و2009، وقالت الصحيفة "تبدو سجلات وزارة المال كمغارة علي بابا، أو كما لو أنها نُظِّمَت لتُثبِت أن الأرقام في لبنان ليست أكثر من «وجهات نظر». الجديد في هذا الإطار هو فقدان أكثر من 2800 شيك، مسحوبة من حساب الخزينة العامة، ومجهولة القيمة ووجهة الاستخدام". وأضافت "ليست وزارة المال جسماً غريباً عن غيرها من سائر الإدارات الرسمية. هي تشبه الدولة اللبنانية المفتوحة أبوابها للنهب وسوء الإدارة. رغم ذلك، ثمة من يريد تصويرها كجزيرة «فوق الشبهات»، وسط بحر الفساد. منذ أكثر من عام، بدأت أخبار تلك الوزارة تخرج إلى العلن. لجنة المال والموازنة فتحت سجلات الوزارة على مصراعيها".
ولفتت الى أنه "ورغم أن بعضاً من النقاش الدائر أخذ منحى سياسياً، ورغم أن القوى التي تولت وزارة المال منذ ما بعد اتفاق الطائف وضعت كل ما يُقال في خانة «الكيدية السياسية»، فارضة طوقاً من التقديس حول حسابات المالية العامة، فإن في ملفات وزارة المال ما يجدر التوقف عنده، ووقائع يصعب تجاوزها".
وقالت "تبدأ الأمور من الشكل. بعض الحسابات المتعلقة خاصة بالضرائب، يُتاح لعشرات الأشخاص الاطلاع عليها والتلاعب بها من دون ترك أي أثر. تغييب واستبعاد للمدير العام للوزارة، ومركزة الإدارة بين أيدي مستشاري برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ويوماً بعد آخر، يكتشف فريق وزير المال محمد الصفدي أن الإدارة مترهلة إلى حد لا يمكن وصفه سوى بأنه «لا يُصَدَّق»، على حد قول أحد العاملين في الوزارة. ترهل يكتشفه الصفدي داخل المباني التي بدأ يجول عليها في المناطق اللبنانية، أو في المباني المركزية في بيروت". اضافت "هذا الترهل يصفه أحد المطلعين على شؤون الوزارة بأنه حوّل المالية العامة، من الناحية المحاسبية، إلى ما يُشبه «دفاتر دكان الحي». لا حسابات ممسوكة بدقة، ولا آليات تدقيق تسمح بالعودة إلى ما هو مشكوك فيه".
وكتبت الاخبار "وجديد ما أنتجه هذا الواقع هو ما كشفته مصادر في وزارة المال، لناحية فقدان سجلات 2810 شيكات عائدة للفترة الممتدة بين عامي 1997 و2009. وهذه الشيكات صادرة عن مديرية الخزينة، ومسحوبة على حساب الخزينة المفتوح لدى مصرف لبنان. وبموجب هذه الشيكات، تُصرَف أموال الأمانات والكفالات و«رديات» الضرائب والرسوم المستوفاة من دون وجه حق".
"وهذه الشيكات، تكون منظمة في دفاتر خاصة داخل المديرية. وأكدت المصادر أن الكشف على هذه الدفاتر بيّن اختفاء 2810 شيكات، وفقاً للآتي:
عام 2009: 115 شيكاً، عام 2008: 153، عام 2007: 243، عام 2006: 208، عام 2005: 294، عام 2004: 134، عام 2003: 221، عام 2002: 193، عام 2001: 269، عام 2000: 264، عام 1999: 298، عام 1998: 161، عام 1997: 257.
وقالت الاخبار انها "اطلعت على جداول بالأرقام العائدة للشيكات «الضائعة» في كل عام على حدة. واللافت أن هذه العملية خارقة للعهود السياسية التي تحكّمت بوزارة المال. والشيكات غير معروفة القيمة ولا وجهة الاستخدام. ففي مديرية الخزينة، لم ترد أرقام هذه الشيكات في الدفاتر المخصصة لها. وبالأصل، من غير الثابت ما إذا كانت هذه الشيكات قد صُرِفَت أو لا. فبين وزارة المال ومصرف لبنان، ثمة آلية تسمح بتضييع فيل، وخاصة أن مصرف لبنان كان يصرف أحياناً كل 30 معاملة دفعة واحدة.
كذلك فإن هذه الشيكات لم تُصَنَّف ضمن خانة الشيكات الملغاة. ففي مديرية الخزينة، سجلات خاصة بالشيكات التي تحصل أخطاء خلال تنظيمها. وبحسب المتبع، يوسم الشيك في هذه الحالة بعبارة «ملغى»، ويُحفَظ مع «أرومته»، مع تحديد أسباب إلغائه.
مصدر مسؤول في وزارة المال أكد لـ«الأخبار» وجود شيكات مفقودة، على مدى السنوات الماضية، مشيراً إلى احتمال أن تكون السنوات السابقة لعام 1997 قد شهدت بدورها «تضييع» شيكات. لكن المصدر يلفت إلى ضرورة التعامل مع هذه القضية بواقعية، من خلال فتح تحقيق جدي يكشف وجهة هذه الشيكات. ويلفت المصدر إلى أن وزارة المال ليس فيها أكثر من خمسة أو ستة محاسبين «عليهم القيمة»، ما يعني أن أمام هؤلاء الكثير من العمل ليفعلوه، قبل تحديد ما جرى في هذه الشيكات، وخاصة أن معظم حسابات الوزارة، منذ عام 1993، بحاجة إلى تدقيق.
ويجزم المصدر بأن عدد الشيكات المفقودة غير معروف بدقة، مشيراً إلى وجود عدة احتمالات، أقلها ضرراً أن يكون المحتسب الذي نظم حسابات الخزينة غير دقيق في عمله، فضاعت معه أرقام الشيكات، وخاصة أن مديرية الخزينة تُصدر عشرات الآلاف منها سنوياً. وفي هذه الحالة، يضيف المصدر، «نكون أمام عملية إهمال إداري». أما الاحتمال الأخطر، بحسب المصدر ذاته، فهو أن يكون «تضييع» هذه الشيكات قد جرى على نحو متعمّد، لإخفاء عملية سرقة. وعندها نكون أمام جريمة ينبغي ملاحقة مرتكبيها أمام القضاء.
ويلفت مصدر معني بشؤون وزارة المال إلى أن مصرف لبنان «أمام تحدٍّ جدي»، إذ إنّ من واجبه كشف الحسابات التي تُظهر ما إذا كانت هذه الشيكات قد صُرِفَت أو لا. وإذا كانت مصروفة، فعليه تزويد وزارة المال بكل ما يمكّنها من كشف الخلل الإداري، أو إحالة المرتكبين على القضاء. وقبل مصرف لبنان، يضيف المصدر، «يجدر بوزارة المال أن تقتح تحقيقاً، وأن تراسل مصرف لبنان، طالبةً منه تزويدها بتفاصيل السجلات المتصلة بها».
وفي جميع الأحوال، يبقى أن احتمالَي مصير الشيكات المفقودة لا يحسمهما سوى التحقيق الجدي والشفاف. وكلاهما يبرز الحاجة الملحة إلى تنظيم حسابات الدولة اللبنانية، منذ عام 1993 حتى اليوم، والعودة إلى الصرف وفقاً للقانون، لكي لا يبقى مبلغ 11 مليار دولار ضائعاً، ولكي لا يبقى الرقم في لبنان «وجهة نظر»".