26-11-2024 08:21 PM بتوقيت القدس المحتلة

الفلسطينيون: "نصرلة" الثورة، أو الرحيل الى وطنٍ بديل!

الفلسطينيون:

ثلاثة من المستوطنين الإسرائيليين اختفوا، وإذا كانوا فعلاً قد وقعوا أسرى، فأسرهم ليس اختطافاً بالمعايير القانونية الدولية، لأن كيانهم ومستوطناتهم هي أوكار عدوان على امتداد فلسطين المحتلَّة،


أمين أبوراشد

ثلاثة من المستوطنين الإسرائيليين اختفوا، وإذا كانوا فعلاً قد وقعوا أسرى، فأسرهم ليس اختطافاً بالمعايير القانونية الدولية، لأن كيانهم ومستوطناتهم هي أوكار عدوان على امتداد فلسطين المحتلَّة، وحركة المستوطنين بلغت وقاحة إنتهاك المقدَّسات وقدسية البيوت حدود الإهانة منذ العام 48، وهنيئاً للفلسطينيين إستفاقة ولو متأخرة بكهذا عملية نوعية إن حصلت، وهم مدعوون الى المزيد من هذه العمليات، بصرف النظر عن رأي قيادة السلطة التي اعتبرت العمل غير مقبول من الناحية الإنسانية وأبدت كل استعداد للتنسيق الأمني مع قوات الإحتلال للبحث عن المخطوفين!

وجاءت المفارقة في ردود الفعل بين الإسرائيليين والفلسطينيين صادمة:
إسرائيلياً، أحد الحاخامات اعتبر الحادثة لعنة من السماء على حكومة نتانياهو لأنها لا تنتهج بعض النصوص الدينية في أدائها، واليمين المتطرِّف اعتمدها ذريعة للمطالبة بتعديل تشريعات واستحداث أخرى أكثر تشدداً لمزيد من الأمن لشعب إسرائيل، والحكومة الإسرائيلية المصغَّرة في حالة انعقاد دائم لمواكبة عمليات البحث وإدارة الإعتداءات التي تتفاقم على الخليل وغزَّة، والقيامة الشعبية قائمة على الشرطة و"الشاباك".
أما فلسطينياً، فإن الموقف الرسمي للسلطة في رام الله قد تعاطف مع المستوطنين، هذا التعاطف الذي كان حريَّاً أن ينسحب على أكثر من 5000 أسير فلسطيني مضى على بعضهم سنوات في معتقلات الظلم، إستجلب ردود الفعل "الحماسية"، وعادت لغة الإنقسام الفلسطيني ونشر الغسيل على الإعلام، وبدل أن يستفيد الفلسطينيون من هكذا عملية، إن حصلت، ومباركتها والتوحُّد حولها كَخَيار والعزم على تكرار مثيلاتها لإسترداد أسراهم، وقعوا من جديد أسرى إنقساماتهم التي لا تنتهي.

مشكلة الشعب الفلسطيني مع إنقسام قياداته باتت بحاجة للمعالجة الجدِّية، ليس بالإنتفاضات الغوغائية على طريقة "الربيع العربي" لا سمح الله، بل بثورة شعبية واعية ومنضبطة وضاغطة، تلغي مهزلة الشرذمة التي تعيشها "القوى والفصائل"، سيما وأن القضية الفلسطينية التي كانت الأولى عند العرب، دخلت بعد ربيعهم "مقبرة القضايا"، وبات من يؤمن باسترداد الحقوق وقِبلتُه القدس الشريف وبوصلته المقدَّسات هو في ثقافة العرب من "الروافض"، ومن ينحر العرب ويذبحهم ويشرِّدهم ويدمِّر بيوتهم ودور العبادة والأضرحة وكل ما يرتبط بالحضارة والتاريخ هو وحده من أهل الجنَّة الموعودة!

عندما نقرأ على الأخوة الفلسطينيين مقتطفات من تجربتنا اللبنانية مع الإحتلال، ومن فكر سيِّد المقاومة في لبنان، فلأن "مدرسة المقاومة والتحرير" استوحت مناهج التنشئة التربوية لمجاهديها وبيئتها اللبنانية من قرارها بوجوب استعادة الحقِّ السليب، وتحديد الهدف العدو، وبالثورة المؤمنة، والقيادة الواحدة الموحَّدة، وبتأمين مستلزمات إستعادة الحق ذاتياً، بعيداً عن القرارات الأممية التي لا تساوي الحبر الذي أُهدِر في إصدارها، وبعيداً عن ثغاء العرب في كل القِمَم التي عُقِدَت وتُعقد أو التي سوف تُعقَد، لأن "النصر الإلهي" الذي تحقَّق عام 2000 لم ينَل سوى بركة الله سُبحانه والإيمان بالحق، دون مباركة أُمم ولا قرارات قِمَم، و"الوعد الصادق" الذي لم يستوعب العالم حتى الآن كيف تحقَّق عام 2006، هو نتاج خبرات المقاومة في تطويع العدو عبر نقاط ضعفه.


على الفلسطينيين بدايةً، تخطِّي عقدة "القوى والفصائل" التي يبلغ عدد المعترف بها رسمياً سبعة عشر فصيلاً، وهذه الفصائل ما توحَّدت يوماً في زمن "الأبوات" الأوائل، ولن تتوحَّد في زمن "ابي مازن"، طالما أن "أبا عمار" بذاته عندما وقَّع إتفاق أوسلو بحجَّة أنه لم يكن لديه حلٌّ بديل، جاءه الردّ من بعض القوى والفصائل أن هذا الإتفاق لن يجعل منك أكثر من مختار على رام الله وهكذا كان لحين وفاته، حتى أن يهودا باراك إستغلَّ شرذمة الفلسطينيين الى "قوى وفصائل" وقال لهم في بداية إحدى المفاوضات: "وحِّدوا أنفسكم تحت قيادة واحدة لنعرف مع من نتفاوض"!  

والمشكلة الأدهى، أن انقسام الفلسطينيين إنسحب على مخيمات الشتات، وكل حادثة بسيطة تؤدي الى اشتباكات وتستلزم لقاء القوى والفصائل، ويتأبطون أذرع بعضهم وينزلون للمعاينة الميدانية وتتشكَّل القوّة الأمنية المشتركة، وهكذا دواليك في كل مخيَّم شتات!


كفى الفلسطينيين شرذمة، لأنهم مدعوون الى إعلان مقاومة موحَّدة الأهداف، والخروج من انقساماتهم ومن إرتهانهم للعرب كل العرب، وكما نجحت غزَّة في إيصال الوجع الى الداخل الإسرائيلي عبر الصواريخ وانتصرت لأنها انتهجت جزئية من تجربة المقاومة الشامخة في لبنان، فإن الفلسطيني اليوم، قادرٌ على استغلال صفقة تبادلٍ ثمينة لأسراه المظلومين، لا بل أن هذا النوع من عمليات الأسر والتبادل وحده يُعيد الحق الفلسطيني ويحرِّر الأسرى، تماماً كما الصواريخ للردِّ على العدوان هي اللغة التي يفهمها الإسرائيلي، وهم في الخُلاصة مدعوون الى "نصرلة" ثورتهم ومحاكاة الإسرائيلي بِلُغتِه في عقر الداخل، وكفاهم بناء أوهامٍ من كرتون بقرارات أمم واجتماعات قمم بينما إسرائيل تبني على أجسادهم مستوطنات التوسُّع وتهيء لهم الرحيل الى الوطن البديل...   

 

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه