يجسد "عمار شلق" في "ملح التراب" شخصية رجل ثري يدعم المقاومة بكل إمكانياته إلى أن يتعرض للأسر من العدو الإسرائيلي فتنقطع أخباره عن أهله ومعارفه وأصحابه، "ومن هنا تبدأ القصة في الغموض والتحريات الأمنية
"ملح التراب" يشي عنوان المسلسل بروح المكان، وأصالة ارتباطه بالأرض فلا فكاك بين التراب والأرض، وما يجعل انفكاكهما صعباً علاقة الإنسان بهما. هذه العلاقة الثنائية هي في حركة تبادلية يؤثر كل منهما بالأخر، فبقدر ما يصوغ المكان الشخصيات والأحداث يكون هو أيضاً من صياغتها، وإن البشر الفاعلين صانعي الأحداث هم الذين أقاموه وحددوا سماته، وهم القادرون على تفسيره..
لا يبتعد البناء النصي لمسلسل "ملح التراب" (مركز بيروت الدولي للإنتاج - يعرض على أكثر من قناة تلفزيونية في شهر رمضان) على إقامة هذه العلاقة التي تؤسس لمبدأ التمسك بالأرض/ المكان، والتي يجزم البعض أنها لا تبنى إلا مع ذاك الإنسان المتصل بالتراب مباشرة، ريفياً ..فلاحاً، مزارعاً بستنانياً .. ولكن المغايرة أن تبني تلك العلاقة مع أناس قد تراهم أبعد ما يكونون عن هذا التواصل والتعلق.. فما رأيك في أن يكون ذاك الثري المترف الذي تسحبه الدنيا إلى مساحاتها الشاسعة هو واحد من أولئك الذين يصعنون المقاومة ضد محتل الأرض ومغتصبيها؟!!.. مفارقة قد يراها البعض غريبة للغاية فقد عوّدتنا الحياة أن تستقطب حركات التحرر والمقاومة الفقراء أولا والمحرومين والمسحوقين والمستضعفين..
- مجتمع المقاومة متنوع يضمّ مختلف المستويات :
"ملح التراب" يقدّم هذا الوجه الأخر من المقاومة في لبنان، هذه المقاومة التي أدهشت العالم بانتصاراتها التاريخية على العدو الصهيوني، يقول الممثل محمد علاء الدين لموقع المنار، إن هذا المسلسل يعكس صورة حقيقية لمجتمع المقاومة، فهو يضم الفقير والغني ومتوسط الحال، والإنسان العادي والمثقف والأكاديمي. وليس في هذا مبالغة قط، لإنه إذا أجرينا مقارنة عملية يتبيّن أن ما نسبته 90 بالمئة من المجاهدين استشهدوا قبل التخرج من جامعاتهم. وينسج المسلسل حكاياته ضمن سياق اجتماعي وعائلي يظهر فيه كيف أن هؤلاء المقاومين جزء من المجتمع اللبناني، يعيشون الحياة ويستمتعون بها، ويهتمون بأناقتهم وهندامهم ويحبّون كل ما هو جديد، ولكن كل هذا الذي يدل على التمسك بالحياة لا يحول دون روح التضحية والإباء والفداء في سبيل الوطن والأرض والدين.
الممثل محمد علاء الدين، وهو زميل أيضاً لنا في قناة المنار، لا يرى أن قضية الالتزام الديني يمكن لها أن تؤثر سلباً في عملية الإبداع الفني، فعن مسيرته الشخصية قال إنه عمل مع مخرجين لبنانيين وعرب، والجميع كان يقدّر ويحترم فيه التزامه الديني وحتى أن بعضهم كان يغيّر في بعض المشاهد كي لا تتعارض وهذا الالتزام، بينما كان يرفض في أحياناً أخرى عندما يرى العمل ورسالته لا تنسجم مع مبادئه وعقيدته الإسلامية.
الفنان طارق قنيش، الذي شاهدناه في "قيامة البنادق"، و"الغالبون -1" يؤدي دور المجاهد "عادل" يعمل في الجهاز الأمني للمقاومة، إذ ترافق هذه الشخصية تطورات عديدة في عمليات المراقبة لأشخاص مشكوك بأمرهم يتخللها أحداث غريبة، لا يمكن الكشف عنها حرصاً على عدم "حرق المسلسل"، كما يقول قنيش. وكان له مشاركات سابقة في مسلسلات تحكي عن المقاومة، ولكن دوره هذه المرة فيه الكثير من التعقيدات والآلغاز.
وعن مشاركته للمرة الثالثة في هذا النوع من الدراما يروي لنا إنه عرض عليه في أول مشواره الفني دور عميل في مسلسل "أهل الوفا" فرفض على الفور إذ خاف أن تكون أول إطلالة له على الناس في هذا الدور، ولكنّه انتظر الفرصة المناسبة حتى أتته في "الغالبون" وفي "قيامة البنادق"، واليوم في "ملح التراب". و"هذا يشرفني للغاية" أن يسجل لي في سيرتي المهنية، لأثبت كم اكنّ لهؤلاء المحاهدين الأبطال كل احترامي واجلالي.
الفنان القدير "عمّار شلق"، عوّدنا على مشاركة دائمة في "الدراما المقاومة"، إن صحت التسمية، إذ إنه مؤمن بأنه يمارس فعلاً مقاوماً حين يساهم في نقل هذه التجربة الإنسانية الفريدة إلى الناس ويجسد مفاهيم الحق والثورة والحياة والكرامة. وهو يجسد في "ملح التراب" شخصية رجل ثري يدعم المقاومة بكل إمكانياته إلى أن يتعرض للأسر من العدو الإسرائيلي فتنقطع أخباره عن أهله ومعارفه وأصحابه، "ومن هنا تبدأ القصة في الغموض إذ تقع تطورات ليست في الحسبان ولا يمكنني الإفصاح عنها لكم حرصاً على نجاح العمل".
مسلسل "ملح التراب" في الخط البياني لـ"دراما المقاومة":
بدأنا نشهد إنطلاق دراما من نوع خاص في لبنان تحكي عن قصص المقاومة والتصدي لأشكال الاحتلال، الذي تعرضت له المنطقة العربية عبر التاريخ. ولكن أين يكمن الفرق بين الدراما السورية التي تعرضت للاحتلال الفرنسي في القرن العشرين، وبين الدراما اللبنانية التي بدأت تروي نتفاً من قصص المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان؟!.
مخرج المسلسل السوري أياد نحاس، خاض سابقاً تجارب إخراج أعمال درامية تروي قصص المقاومين ضد الاستعمار الفرنسي والعثماني في بلاده، ولكن تجربته مع "ملح التراب"، يراها الأولى من نوعها نظراً لحداثة التجربة المقاومة في لبنان وقربها الزمني منا، فبرأيه "الجميل في الأمر أن المقاومة في لبنان تجربة عاصرناها وما زلنا، عشنا معها بكل جوارحنا وآمانينا عند كل عملية كان ينفّذها المجاهدون حيث كنا نشاهدها على شاشة التلفزيون بشكلها الحي والحقيقي، فنفرح بها نتفاعل معها، من هنا تأتي التجربة مختلفة إلى حد بعيد عن عمل درامي تأتي بقصته من كتب التاريخ".
ولا يجرؤ نحاس مع ذلك على الإدعاء أن هذه المسلسل يمكن أن يضيف شيئاً مميزاً للدراما المقاومة، فهذا تقويم يدلي به المشاهدون، ولكنه على ثقة تامة أن هذا العمل سيلقى نجاحاً ملحوظاً حين يعرض في شهر رمضان المبارك.
وما لم يقله المخرج نحاس قاله طارق قنيش وعمّار شلق، في تفاؤل بارز حول المسلسل، الذي يريان أنه سيدخل ضمن الخط البياني لدراما المقاومة في لبنان. قنيش يرى أنها انطلقت مع مسلسل الغالبون، ومسارها اليوم تصاعدي. بينما "شلق" يقول إن دراما المقاومة بدأت مع مسلسل "زمن الأوغاد" و"طيف المدينة، وهو شارك في كلاهما، ولكنّه يستدرك موضحاً أنه برز منذ سنوات خط ممنهج يأخذ على عاتقه العمل على الدراما المقاومة ضمن رؤية انتاجية خاصة به يحمي سيرة المقاومة الحقيقية بعيدا عن التزيف والتزوير. وهذا المسلسل يحمل رؤية مغايرة عن مجتمع المقاومة وبإخراج مختلف ومميز. ولا يخفي "شلق" كعادته اعتزازه بالمشاركة في هذا النوع من الدراما.
"دراما المقاومة" في تحدٍ يتطلب منها أن تكون جماهيرية :
إلى أي حدٍ يمكن أن تلقى "دراما المقاومة" رواجاً بين الجمهور العربي، الذي تغرقه المحطات بأشكال مختلفة من الدراما، والتي تبعده عن القضايا الكبرى للأمة؟!..
يعترف المخرج أياد نحاس بصعوبة المنافسة بين هذين النوعين من الدراما، "إذ إن معظم القنوات المنتجة لأعمال فنية يتحكّم فيها المزاج التجاري بشكل أكبر من محورية الفكرة الملتزمة والرسالة الهادفة. ففي صناعة الدراما في العالم العربي ممنوع التطرق إلى السياسة والدين، فيميلون للحديث عن قضايا الفساد الأخلاقي والفضائحي على طريقة الصحافة الصفراء". ويتابع نحاس فإذا أردنا أن نكون الوجه الأخر لهذه الدراما علينا أن نصنع عملاً فنياً جماهيرياً يجذب الناس "بحيث أننا ندخل المنافسة ونوضح الفرق بين أن هذا عمل مهم وجماهيري ويقدّم رسالة قيمة فيتميز عن الاعمال التجارية والترفيهيه..".
في الختام يعرب المخرج أياد نحاس عن سعادته في العمل في لبنان وبالتعاون مع مركز بيروت الدولي للإنتاج، وهو لا يشعر بأية غربة، لأن المجتمعين اللبناني والسوري متشابهان إلى ابعد الحدود.
تصوير : محمد علوش