لا تتحمل المملكة العربية السعودية وحدها مسؤولية تدهور الأوضاع الأمنية وتنامي الارهاب في العراق، فالأدوار تتقاسمها تركيا كما قطر.
لا تتحمّل المملكة العربية السعودية وحدها مسؤولية تدهور الأوضاع الأمنية وتنامي الارهاب في العراق، فالأدوار تتقاسمها تركيا كما قطر. إضافة إلى تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش) المخترق من أجهزة مخابرات عديدة بينها السعودية والتركية والقطرية، فإن تنظيم "رجال الطريقة النقشبندية"، المدعوم من السعودية، ساندته ميليشيات مسلحة تابعة لطارق الهاشمي، النائب السابق للرئيس العراقي، والمقيم حالياً في تركيا.
وبعيداً عن السُعودية، اتهامات المسؤولين العراقيين تطال تركيا. فترى النائبة عن ائتلاف دولة القانون زينب وحيد سلمان، في اتصال مع موقع قناة المنار، أن ما شهدته مناطق عراقية هو "تنفيذ لمؤامرة تركية قديمة"، اشترك فيها أكراد العراق ودول خليجية. وبموجبها "يُمنح الأكراد كركوك، ويقسّم العراق بين ثلاثة أقاليم، اقليم كردي شمالاً، والوسط للسنة، وآخر جنوبي للشيعة".
وكركوك، التي يحتل الأكراد فيها المركز الثاني في التوزيع السكاني للعام 1957، هي إحدى أهم المدن النفطية في العراق، وقريبة من أربيل في اقليم كردستان، لذلك يطمح الأكراد لوضع اليد عليها. وهذا ما يُفسر المسارعة في ارسال قوات البشمركة للسيطرة على المدينة تحت عنوان حمايتها من تقدم الجماعات الارهابية، بحسب سلمان.
وتقف وراء التنسيق التركي مع أكراد العراق، في الأزمة الأخيرة، الرغبة التركية في تعويم رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني زعيماً كردياً بديلاً عن زعيم حزب "العمال الكردستاني" عبد الله أوجلان، المعتقل في السجون التركية.
وعلى غرار الأطماع الكردية، فإن للأتراك حسابات متعلقة بالموصل ثاني أكبر المدن العراقية تحديداً، والتي قال عنها مصطفى كمال اتاتورك: عندما تمتلك تركيا القدرة على استرجاعها ستفعل.إذ أن تركيا تعد الموصل جزءاً من الأراضي التي انتُزعت منها بعد خسارتها في الحرب العالمية الأولى، بموجب اتفاقية سيفر (1920).
"قبل تسليم الموصل بأربعة أيام، قام محافظ نينوى أثيل النجيفي، شقيق رئيس البرلمان العراقي، بزيارة خاصة الى تركيا. تبيّن بعدها أنها كانت للتنسيق حول تقسيم العراق، ولتسليم الموصل إلى داعش"، تضيف البرلمانية العراقية زينب سلمان.
من جهته، يتحدث النائب عن الائتلاف القاضي محمود الحسن، لموقع المنار، عن الدعم الاقليمي للجماعات الارهابية، ويرى في تعاطى مسلحي "داعش" مع القنصلية التركية في الموصل، مؤشراً على علاقة "طيبة" مع تركيا. العصابات التي تمتهن القتل الجماعي، حافظت على 80 رهينة تركية، بينهم فريق القنصلية التركية وسائقي شاحنات، في مكان آمن. وفتحت مفاوضات مع الحكومة التركية، قادها طارق الهاشمي.
أوغلو للهاشمي: تركيا وراءك بالكامل
بعد أحداث الموصل كتب طارق الهاشمي في تغريدة على "تويتر": "العاشر من حزيران نقطة تحول والمظلومون يحققون بفضل الله إنجازات ميدانية هامة على الارض لابد ان تقود إلى تغييرات داخلية هامة". وكشف السياسي العراقي، المتورط بجرائم ارهاب، بأن " اتصالات تجري خلف الكواليس لجمع الفرقاء السياسيين العراقيين... لغرض التداول بشأن مستقبل العراق"، مؤكداً على ضرورة إشراك "ثوار العشائر"، بحسب وصفه.
ولقد رفض الهاشمي الحديث عن "داعش" معتبراً أنه "تهديد مزعوم" مشابه لما رآه "توظيف للقاعدة" فيما سبق، ووصف في صحيفة "الشرق" القطرية التطورات الأمنية بأنها "ثورة للمظلومين والمهمشين".
وراسل السيناتور جون مكين شاكراً له كونه "أقر بظلم المالكي وفساده وتبعيته لإيران ، تعاطف مع الثوار كما رفض الاتهامات بان الثورة يقودها متشددون".
كلام الهاشمي وتعابيره، أتت مكملة لدور لعبه في ما يصفه بـ "ثورة العشائر". ففي شهر آذار/ مارس 2013، عرضت قناة "العهد" العراقية تسجيلاً صوتياً لاتصال جرى بين الهاشمي وأحد منظمي تظاهرات الأنبار. تحدث فيه عن اتصالات يجريها مع النقشبندية. وقال إن جماعة الدوري ستتحرك في الوقت المناسب لتنفيذ عمليات ضد القوات العراقية.
لاحقاً، في حزيران/ يونيو، نقلت قناة "الغدير" العراقية أن الهاشمي والدوري اجتمعا مرتين قبل إنطلاق أحداث الأنبار، الاجتماع الأولى استضافته العاصمة القطرية الدوحة، فيما امتد الثاني لساعات في احدى المدن التركية. والخبر نقلته وكالات ايرانية عن مصادر عراقية قالت إنها تمتلك وثيقة عن " توصيات و ما يسمى انجازات حزب العودة" تثبت التنسيق بين الطرفين.
والهاشمي الذي أعلن استقالته بصفته نائباً للرئيس العراقي أواخر العام 2013، فرّ للأراضي التركية بعدما صدر بحقه حكم إعدام لثبوت تورطه في جرائم ارهابية. احتضنته تركيا. وأيدته بقوة، ونقلت وسائل إعلام تركية عن داوود أوغلو أنه قال للهاشمي بعد لجوئه لتركيا: نحن وراءك بالكامل ويمكنك البقاء هنا بقدر ما تريد، وفق ما نقلت "الجزيرة" القطرية.
الخارجية التركية: داعش ليس خصماً
ودعم طارق الهاشمي كان احدى السياسات التي انتهجتها تركيا في عملية اسقاط حكومة نوري المالكي في العراق. ليس الهاشمي وحده بل حتى "تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام"، اذ لم يفكر الأتراك في مخاطر دعمهم للجماعات الارهابية التي تتكاثر بشكل سريع، فعملوا على قاعدة: عدو المالكي صديق. وهي سياسات أثارت الوسطين السياسي والاعلامي التركيين ضد حكومة رجب طيب أردوغان.
عقب لقاء ويزر الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو برئيس الحزب الشعب الجمهوري کمال قليجدار، لمّح الحزب على لسان نائب رئيسه فاروق أوغلو إلى ضرورة استقالة أوغلو، ونقل أن وزير الخارجية حُمل مسؤولية الأحداث الأخيرة، منتقداً سياسة الحكومة التي أوصلت البلاد إلى عزلة في المنطقة وادخلتها في مشاكل كانت بالغنى عنها. بينما، رفض رئيس حزب الحركة القومية التركي دولت باهتشلي مقابلة داوود أوغلو. وعلى غرار أكبر حزبين معارضين ارتفعت أصوات المطالبين باستقالة أوغلو، فيما أصر أردوغان على التمسك به.
وفي تصريحات نقلتها وكالة "الأناضول" في 13 الشهر الجاري، توجه أردوغان لكمال فليجدار بالقول: "نحن لاننتظر رضاك عن سياستنا في الشرق الأوسط". ووصف انتقادات المعارضة بأنها "لعب بالنار".
وفي الصحف التركية، نُشرت وثيقة تؤكد أن القنصل التركي في الموصل راسل وزارة الخارجية التركية قبل أيام من الهجوم، منبهاً أن الأوضاع في المدينة تتجه نحو الأسوأ، والأحاديث عن تقدم محتمل لتنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" بات تثير قلقاً جدياً. لم يتأخر رد الخارجية وأتى نصه: "داعش ليس خصماً لنا". والكلام أكده نائب رئيس الوزراء التركي بولند ارينج، بطريقة غير مباشرة، عندما أكد في تصريح صحفي: "لقد وصلتنا معلومات بأن الدولة الاسلامية في العراق والشام على وشك مهاجمة قنصليتنا".
وأكد الاعلام التركي أن تقديرات المخابرات التركية كانت على علم بما يُحضر للموصل. وتحدث عن عمليات ابتزاز "داعش" للحكومة، فالأولى طلبت فدية قدرها 5 ملايين دولار مقابل الافراج عن 31 من سائقي الشاحنات التركية الذين تم احتجازهم في محافظة نينوى، عدا رهائن القنصلية.
المفاوضات التركية-الداعشية قادت للافراج عن القيادي البارز في التنظيم الارهابي شندريم رمضاني، وهو شيشاني الجنسية يحمل جواز سفر سويسري. وقد اعتقل سابقاً بعد اشتباكات دارت بينه وبين القوات التركية في أضنة التركية بُعيد عودته من الأراضي السورية، قتل فيها القيادي الداعشي 3 رجال أمن أتراك. وشندريم رمضاني هو واحد من أربعة معتقلين تطالب "داعش" باطلاق سراحهم.
ورغم إدراج كل من "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش" على لائحة الارهاب التركية، إلا أن الاعلام التركي يتحدث عن دعم وتمويل مكشوف للتنظيمات الارهابية. فللحكومة التركية علاقة بتنظيم "داعش" المسيطر على محافظة الرقة شمال سورية، إذ أن بترول المحافظة السورية لا يمر إلا عبر الأراضي التركية للخارج، ما يعود بالفائدة على تركيا.
فشلت السياسة الخارجية لحكومة رجب طيب أردوغان. في مصر أُطيح بحكم الاخوان المسلمين، وفي سورية أُعيد انتخاب الرئيس السوري بشار الأسد بأغلبية مطلقة، واستمرت حكومة نوري المالكي في العراق، وحصدت الأغلبية في الانتخابات الأخيرة. فشل دفع تركيا للوقوف وراء التطورات التي رأى فيها البعض بأنها نذير"تقسيم". وكتب الخبير في الشؤون التركية محمد نورالدين، في صحيفة "السفير"اللبنانية، بأن نشوء "دولة سنية في الوسط"، من شأنه أن يضعف إيران " فينشطر (الهلال الشيعي) وينقطع التواصل بين طهران ـ بغداد من جهة وبين دمشق والمقاومة في لبنان من جهة ثانية، وتوجه ضربة قوية منشودة تركياً وخليجياً الى النفوذ الإيراني".
ولعل الحديث عن "التقسيم" هو الأكثر رواجاً اليوم، ولكنه يفتح الباب على التساؤلات. فهل ستسمح تركيا التي لم تطوِ صفحة مطالبتها باسترجاع الموصل، لتقبل بدولة "سنية" في الوسط يكون الموصل جزءاً لا يتجزأ منها؟! وهل لتركيا مصلحة في نشوء دول كردية على حدودها، تحرك حلم الانفصال الذي ينشده أكراد تركيا والذين يشكلون ما نسبته 20% من سكان تركيا (15 مليون كردي من أصل 70 مليون نسمة في تركيا)، و56% من أكراد العالم؟
إقرأ أيضاً عن الدور السعودي في أحداث العراق الأخيرة: