أحرف اللغة ومقدمات العلماء والفلاسفة التي صدّرت تاريخاً من بلاد العرب، ستشتتها رياح العواصف الممتدة
طالب جرادي
أحرف اللغة ومقدمات العلماء والفلاسفة التي صدّرت تاريخاً من بلاد العرب، ستشتتها رياح العواصف الممتدة من كابول إلى بغداد ودمشق، عواصم في عوالم الفكر منارةٌ وفي عوالم الكفر جهالة وظلمة، إنه الثأر من ذاك التاريخ، تاريخٌ يريدونه أن يكون تاريخ كفر وذبح وسبي وصلب.
"ابادة تعليمية"، "ارهاب تربوي"، مصطلحات اطلقت على موجة التكفير الجديدة التي طالت الساحة التربوية، فتوزعت فتاواها إلى عمليات خطف واعتقال الأساتذة وتفجير داخل الصروح التربوية بوصفها "خارج اطار الشريعة الإسلامية" في محاولة لخلق منظومة فكرية تحدد مكانة الإنسان وفق مفاهيم هذا التيار ومواقفه التاريخية، وأصدقأنموذج ما قامت به حركة "طالبان" فترة حكمها لأفغانستان، حيث اعتبرت مثلاً اختصاص الكيمياء "رجس من عمل الشيطان وسحرُ بَين"، وكان منطلقهم في هذا الأمر هو أن الكيمائيين يصنعون الخمر من العنب.
أفغانستان.. استهداف للقيادات الجامعية
فأفغانستان، ما قبل حكومة "طالبان"، كانت تتفاخر بجامعاتها بين دول المنطقة، قبل أن تفرض الأخيرة قيوداً مشددة على مناهجها التعليمية، فجامعة "كابول" التي افتتحت عام 1932 بكلية الطب، كان يعمل بها نحو ألف استاذ ومساعد في شتى الإختصاصات، وارتبطت بعلاقات وثيقة مع مؤسسات تعليمية في العالم، حيث كان من أبرز خريجيها اساتذة وقياديون كبار مثل احمد شاه مسعود زعيم التحالف الشمالي الاسبق الذي اغتاله تنظيم القاعدة في ايلول2001، وغلب الدين حكمتيار، وعبد الرسول سياف، وبرهان الدين رباني بن محمد يوسف، الذي تخرج من جامعة كابول عام 1963، وعين مدرساً بها وحَصل على منحة دراسية من الأزهر الشريف عام 1966، ودرس هناك الماجستير في العقيدة والفلسفة وكان من اشد المعارضين لحكم "طالبان".
كما أن الحرب الأهلية التي شهدتها أفغانستان ابان الحرب الأهلية بين ما يسمون بـ "المجاهدين"، حوّل الحرم الجامعي إلى ساحات قتال وأحدث تدميراً كاملاًلبعض المباني ونهب للمكتبات والمستلزمات الجامعية، لتتوج هذه التصرفات مع وصول "طالبان" الى الحكم عام1996 بحظر التعليم على النساء، حيث وجدت حوالي 3500 امرأة مسجلات في جامعة كابل بين ليلة وضحاها ملازمة منازلهن.
العراق.. تدمير للمنظومة التعليمية
إلى العراق، حطّ "التكفير" رحاله مع مجيئ قوات الإحتلال الأميركي آذار 2003، عمليات القتل والإختطاف لم توفر ذوي الإختصاصات العلمية المختلفة، في جزء من عملية ممنهجة واستراتيجية منظمة لتدمير مقدرات العراق الذي كان سباقاً في تسطير أبجدية الأحرف.
قليلٌ من واقع الإرهاب التربوي الذي عصف بالعراق، يكفي لتوضيح الصورة:
وفق آخر التقارير التي أعدتها وزارة التعليم العالي العراقية، فإن 548 استاذاً ومدرساً في جامعات وهيئات تعليمية عراقية، تعرضوا إما للاغتيال او الاختطاف او الاعتقال منذ نيسان عام2003 وحتى اول ايلول2013.
كما اشار تقرير شعبة حقوق الانسان التابعة لدائرة جهاز الاشراف والتقويم العلمي بالوزارة إلى اجمالي حالات استهداف اساتذة ومدرسين في جامعات وهيئات تعليمية عراقية منذ دخول قوات الاحتلال الأميركي وحتى الوقت الراهن، حيث أكد التقرير إغتيال 334 استاذاً جامعياً واعتقال 82 وإختطاف 52 وجرح 80 نتيجة استهدافهم من قبل مجهولين.ووفق التقرير، احتلت جامعة بغداد المرتبة الاولى بعدد الاساتذة المستهدفين، اذ اغتيل منهم 97 استاذاً واعتقل 22، وقد دفع هذا الإستهداف الممنهج بالعديد من الأساتذة الجامعيين للبحث عن مكان آمن خارج العراق.
إذاَ، وبكل الإتجاهات يتسابق التكفير باستهداف ممنهج للتعليم في العراق، الذي لم يتوقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى حرق ونهب وتدمير نحو 84% من مؤسسات التعليم العالي، إضافة إلى تعرّضها إلى عمليات عنف وتفجير واختطاف، كان أشهرها حادثة اختطاف نحو 150 من منتسبي وزارة التعليم العالي واقتياد موظفيها إلى مكان مجهول وبالأمس القريب حادثة اقتحام مسلحي "داعش" جامعة الأنبار غربي العراق واحتجاز أساتذتها وطلابها.
التفجيرات الدموية حصدت بدورها أرواح طلاب واساتذة..هكذا يتحضر انتحاري أعمى لتفجير نفسه في مبنى كلية الإدارة والاقتصاد ببغدادفي 25 شباط2007، يليه انفجار في 19 نيسان2007 مستهدفاً مقصفاً يقصده طلاب جامعة بغداد في منطقة الجادرية، وآخر عند بوابة جامعة الامام الصادق بتاريخ 18-6-2013، والضحية طلاب جامعيون، طلابٌ هم أيضاً ضحايا لهاشتاغ التكفير على صفحات الإنترنت، بيانات تخرج من دويلة وأخرى تحذر طلبة الجامعات العراقية الذين يحتفلون بتخرجهم من الاستمرار بأفعالهم هذه، مبيناً أن هذه الحفلات بعيدة عن الأخلاق الطلابية وخاصة حفل تخرج كلية الطب في جامعة بغداد..
سوريا.. جامعات للتكفير
استباحة الدم التعليمي، لم تكن حكراً على العراق، فها هي سوريا في ظل موجة التكفير والإرهاب، تتجرع الكأس المر، حينما ضرب الإرهاب جامعة حلب مطلع العام2013، أعقبها تفجير كلية الهندسة المعمارية بدمشق آذار 2013 والضحية طلاب وأساتذة، وفتاوى وقرارات تقوم على اغلاق كافة الجامعات والمعاهد التعليمية كتلك التي فرضتها ما يسمى بـ "دولة العراق وشمال سوريا (داعش)" على المدارس الابتدائية والاعدادية والثانوية، تحت عنوان الزامية الحجاب على طالبات المراحل الإبتدائية ومنع الإختلاط بين الجنسين، أضف إلى الغاء الكثير من الأنشطة الترفيهية التي تعتبر وفق شريعة هذه الجماعات حرام!.
والمنهج التكفيري التربوي له تتمته، مع معسكرات التدريب التي أقامها التنظيم في عدد من الأرياف ومنها ريف حلب الغربي والرقة، بغية تعليم الأطفال فنون القتال، إضافة إلى اعطائهم دروس شرعية يتم من خلالها تعريفهم على أسس "الفكر الجهادي".. وقد انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" استخدام أطفال تصل أعمارهم إلى 14 سنة من قبل كتائب "المعارضة السورية"، قالوا إنهم عملوا مع "مقاتلي المعارضة" في نقل أسلحة والمشاركة في عمليات هجومية واستطلاع في محافظة درعا وفي منطقة حمص وعلى الحدود الشمالية مع تركيا.
"ألف باء" التكفير، لم تقتصر عند هذا الحد، فقد انهكت الحرب الدائرة في سوريا مقدرات الواقع التعليمي وتدمير العديد من المؤسسات التعليمية، وهذا ما عكسه تقرير لوزارة التربية السورية، فـ "قد كانت المناطق السورية تحوي 22500 مدرسة، تستوعب خمسة ملايين تلميذ قبل الأزمة، بينما حالياً خسرت بفعل الحرب، أكثر من 3000 مدرسة بين أضرار مادية وتدمير كامل تركزت معظمها في إدلب وحلب ودرعا، و1500 مدرسة تُستعمل أماكن للجوء النازحين بحسب منظمة "يونيسف"، أي إن 10% من التلاميذ قد خرجوا من موقع الدراسة إلى مواقع أخرى".
الإرهاب التكفيري للساحة التعليمية يتمدد في بلاد المغرب العربي ومصر أيضاً، حيث أعلن تنظيم القاعدة في السودان في شهر ايلول الفائت(2013) عن ولادة "ذراعه الطلابي بجامعة الخرطوم، تحت مسمى (السلف الجهادي في بلاد النيلين)، وقبل اشهر، يهز محيط كلية الهندسة بجامعة القاهرة ثلاثة تفجيرات اسفرت عن سقوط عدد من الضحايا.
اليوم، وبعيداً عن المسوغات الأساسية التي تحكم عقلية التكفير تجاه الأنظمة التربوية المعاصرة والقدرة على التغلل في الأماكن التي بات يسيطر عليها، فإن هذا الخطر من شأنه أن يفجر مخاوف كبيرة على الواقع البشري، لا سيما بعد الاعلان عن "دويلات" تتلطى بالاسلام ديناً وتُفصل مدارس ومناهج وفق هواها واستتباعها ضمن منظومة تركيبية تؤمن بها أيضاً..مخاوف تنذر بحصول انهيارات كبرى تمتد من كابول الى رأس الرجاء الصالح. فهل سيخرج جيل تكفيري آخر، ليحاجج ويقول: ان الرياضيات هي ضرب من جنون البشرية وهي كفر وضلال؟!.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه