دخلت محاولات حل المشكلة الكردية في تركيا، منعطفاً جديداً مع تقديم الحكومة التركية مشروع قانون من ست مواد الى البرلمان، ليناقشها ويقرّها خلال ما تبقى من دورته الحالية.
محمد نورالدين - صحيفة "السفير"
دخلت محاولات حل المشكلة الكردية في تركيا، منعطفاً جديداً مع تقديم الحكومة التركية مشروع قانون من ست مواد الى البرلمان، ليناقشها ويقرّها خلال ما تبقى من دورته الحالية التي مُددت حتى الخامس والعشرين من تموز المقبل، من أجل تمرير هذا المشروع.
ويحمل المشروع، اسم "مشروع قانون لإنهاء الإرهاب وتعزيز اللحمة الاجتماعية". وكان هذا مثار انتقاد الأوساط الكردية التي اشارت إلى أن حل المشكلة بشكل صحيح يتوجب توصيفها بشكل سليم لأنها لا تكمن في الإرهاب بل في الاعتراف بالحقوق والهوية الكردية.
ويلحظ المشروع اعطاء الحكومة صلاحيات واسعة لاتخاذ القرارات اللازمة بشأن حل المشكلة الكردية، وهو يستجيب لمطلب اساسي لزعيم "حزب العمال الكردستاني" عبد الله أوجلان المعتقل في جزيرة ايمرالي، وهو تشريع المفاوضات بينه وبين الدولة التركية.
وحتى الآن كانت المفاوضات تتم عبر طرف ثالث، أي الاستخبارات التركية من جهة، و"حزب السلام والديموقراطية الكردي" الذي كان يرسل بعض نوابه لنقل مواقف ورسائل أوجلان الى الدولة التركية وقيادة "حزب العمال الكردستاني" في جبال قنديل في شمال العراق والى ممثلي الحزب في أوروبا.
اما في المشروع الجديد فإنّ أي لقاء بين أي مسؤول تركي مع أوجلان وأي جهة أخرى لا يرتب أي عقوبات جزائية على هذا المسؤول، ما يفتح أمام لقاءات مباشرة بين الوزراء والمسؤولين مع الزعيم الكردي التاريخي، بل ايضا مع قيادات "حزب العمال الكردستاني" في قنديل وأوروبا.
ويلحظ المشروع تقديم كل المساعدات لكل مسلّح يرمي السلاح ويعود الى بيته ومجتمعه شرط ألا يكون متهما بجرم، وهو ما يعتبر عفواً غير مباشر عن المقاتلين، ولا سيما في الداخل التركي. وسيتم تشكيل لجنة متابعة، كما يطالب أوجلان، بشأن تطبيق هذه الخطوات. وستضع الحكومة التركية الرأي العام في مناخ ما يحدث في اطار الشفافية.
وفي حال مرّ المشروع في البرلمان فإنه ينقل الكرة بكاملها الى الحكومة التي ستكون صلاحياتها شبه كاملة، وفقاً لمشروع القانون، لاتخاذ القرارات اللازمة حتى من دون العودة الى البرلمان، ما يسهّل اتخاذ القرارات بعيداً عن اعتراضات المعارضة.
وهنا تبدو المعارضة محرجة جدا إزاء مشروع القانون، فمعارضة المشروع ستضرب محاولات "حزب الشعب الجمهوري" خصوصاً التقرب من الأكراد، لا سيما بعد مؤتمر نظمه الحزب في ديار بكر وحضره زعيمه كمال كيليتشدار أوغلو شخصياً عشية انتخابات رئاسة الجمهورية. كما ان اي موقف متحفظ او معارض من قبل مرشح المعارضة اكمل الدين احسان اوغلو لمشروع القانون سيفقده اي تأييد في الوسط الكردي. اما الإعراب عن تأييده للمشروع فسيدخله في اشتباك مع حزب "الحركة القومية" الذي رشّحه ايضاً للرئاسة.
واذ يدرك الجميع ان المشروع خطوة كبيرة على صعيد حل المشكلة الكردية والتفاوض المباشر مع اوجلان وقادة "حزب العمال الكردستاني"، فإن الاعتراض الأساسي هو على توقيت الخطوة، وخصوصاً انه يأتي عشية الانتخابات الرئاسية، وسعي رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان لكسب أصوات الأكراد ان لم يكن من الدورة الأولى فعلى الأقل في الدورة الثانية.
ويستجيب المشروع لجانب من المطالب الكردية، وخصوصاً إضفاء المشروعية القانونية على عملية التفاوض مع أوجلان لحل المشكلة الكردية، وهو يأتي في وقت تعصف تطورات كبيرة وخطيرة بالمنطقة، ولا سيما في العراق.
ولعل اعلان رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البرزاني ان كركوك عادت إلى الأكراد، وأنهم سيدافعون عنها ولو بقوة السلاح، وقوله امام وزير الخارجية الأميركية جون كيري إن الوقت قد حان لاعلان الدولة الكردية المستقلة في شمال العراق، سيزيد من تسريع الحكومة التركية لاتخاذ خطوات استيعابية للمشكلة الكردية ومحاولة حلها في اطار وحدة الأراضي التركية ومنع انتشار رياح التقسيم في تركيا.
ويفتح المشروع الجديد، رغم غموض بعض عباراته، الباب واسعا امام تحول مهم على صعيد المشكلة الكردية في تركيا. لكن العبرة هي في مرحلة ما بعد انتخابات رئاسة الجمهورية، وذلك لتحديد ما إذا كان المشروع مجرّد مناورة من اردوغان لكسب اصوات الاكراد والعودة من بعدها للانقلاب عليه، ام انه فعلا بداية مرحلة جديدة ستفضي الى حل نهائي لهذه المشكلة.