26-11-2024 01:43 AM بتوقيت القدس المحتلة

فانوس رمضان..تقليد مصري يضيء ليالي الشهر الأنيسة

فانوس رمضان..تقليد مصري يضيء ليالي الشهر الأنيسة

يفترش العم سلامة الأرض داخل ورشته الصغيرة، المزدحمة بأدواته البسيطة وخبرته الممتدة لأكثر من ستين عاماً، ليروي في حديث لا يسأمه، الكثير عن مهنة صناعة الفوانيس

فانوس رمضان..تقليد مصري يضيء ليالي الشهر الأنيسةيعد الفانوس، تلك القطعة التي لا تفارق أيدي الصغار، والتي تضيء الطرقات المؤدية إلى منازلهم طوال ليالي شهر رمضان، احدى أهم الصناعات التي يعكف عليها الحرفيون المصريون لمدة أسابيع، استعداداً لصناعة قطع مختلفة الأشكال والأحجام منها، كأحد أهم مظاهر استقبال شهر الصوم الكريم.

وعلى بُعد بضعة أمتار من ورش متجاورة في حي الرَّبْع وسط القاهرة، يفترش العم سلامة الأرض داخل ورشته الصغيرة، المزدحمة بأدواته البسيطة وخبرته الممتدة لأكثر من ستين عاماً، ليروي في حديث لا يسأمه، الكثير عن مهنة صناعة الفوانيس التي "لا توجد دولة عربية أو غربية تستطيع منافسة بلادنا فيها"، على حد قوله.

ولا يعتبر العم سلامة، وهو واحد من أقدم صانعي الفوانيس في مصر، مهنته "موسمية"، لأنه يعمل فيها طوال العام دون كلل، إذ يبحث عن أهم متطلبات السوق المصرية والعربية لصناعة الفوانيس، والأشكال الفلكلورية والعصرية التي يمكن أن يبتكرها كل عام، ويدخلها في مزيج مع الأشكال الإسلامية التقليدية للفانوس.

وبعكس ما يعتقد الكثيرون، لا يقف وراء مهنة صناعة الفوانيس، بتفصيلاتها الفنية وأشكالها الجذابة، فنانون متخصصون في التاريخ الإسلامي؛ فالعم سلامة مثلاً، يقوم بهذه الصناعة بمفرده، مستخدماً من أجلها كل ما تعلَّمه منذ زمن بعيد على أيدي والده وأجداده.

ويقول الرجل السبعيني: "أخذنا من الفاطميين (حكموا مصر من 972 إلى 1171م) صناعة الفوانيس، منذ الوقت الذي حاولوا فيه استطلاع رؤية الهلال، إذ كانوا يصطحبون معهم فوانيس كبيرة بداخلها شمع"، مضيفاً أنه "بعد ذلك، تطورت الصناعة، وأصبح في داخل الفانوس مصباح كهربي، ثم انتهى الأمر بصناعة الفوانيس ذات الشمع والباب الجانبي، وأخرى تعمل بالكهرباء". ويتابع العم سلامة: "لا أحتاج إلى دراسة الفنون، فأنا أعتبر الفانوس مثل إبني، أبدع فيه وأضع فيه كل طاقتي، ولا أعمل في أي مهنة أخرى".

ويحتاج الفانوس إلى أسابيع أو أشهر لصناعته، وهو ما يدفع الرجل السبعيني إلى أن يعمل في مهنته طوال العام. ويؤكد في هذا الصدد: "بعد رمضان، نبدأ في تحضير فوانيس العام المقبل، لتبدأ رحلة البحث عن الأصناف التي يحتاجها السوق، وبعدها أتفحص جيداً المواد الخام التي أصبح الكثير منها رديئاً في هذا الزمن".

أما الخامات التي يستخدمها العم سلامة لصناعة فوانيسه، فهي الصفيح والزجاج، ويقوم بتقطيعها إلى قطع صغيرة، ثم يصنع أشكالاً منها من خلال فتحات، وتلوينها، قبل أن يبدأ باستخدام النار الموقدة للثني واللحام.

ويبدو صانع الفوانيس المصري أكثر تفاؤلاً هذا العام، لأنه، بحسب قوله: "أفضل عام منذ ثلاث سنوات، لأن هناك إقبالاً من المصريين على شراء الفوانيس"، وهو ما لا يقدم له العم سلامة تفسيراً سوى أن "الناس عاوزة تفرح".
وتواجه صناعة الفوانيس في مصر تحديات كثيرة، يأتي في مقدمتها، ما يطلق عليه الحرفيون المصريون عبارة "غزو" الصين لهذه الصناعة، وانتشار تلك الفوانيس البلاستيكية الجاهزة الصنع.

ويقول العم سلامة: "صناعتنا لا توجد في أي دولة في العالم، وما زال لها زبائنها، حتى وإن تراجع الإقبال عليها خصوصا مع وجود الفوانيس الصينية، لكننا مستمرون، وسنصنعها لصغارنا، حتى لا تنقرض بموتنا".
وبحسب روايات تاريخية، فإن أول من عرف "فانوس رمضان" هم المصريون، وذلك على يد الفاطميين خلال فترة حكمهم لمصر.

وتذكر الروايات أن يوم دخول المعز لدين الله الفاطمي مدينة القاهرة قادماً من المغرب، وكان ذلك في شهر رمضان، خرج المصريون في موكب كبير للترحيب بالخليفة الذي وصل ليلاً، وكانوا يحملون المشاعل والفوانيس الملونة والمزينة لإضاءة الطريق. هكذا، بقيت الفوانيس تضيء الشوارع المصرية حتى آخر شهر رمضان، ولتتحول إلى عادة يلتزم بها السكان كل عام.

ومن مصر، انتقلت فكرة الفانوس إلى معظم الدول العربية، لتصبح جزءاً من تقاليد شهر رمضان الثابتة، لا سيما في دمشق وحلب والقدس وغزة.

(عن "الأناضول")