16-11-2024 09:45 AM بتوقيت القدس المحتلة

نصر الله يطوّر استراتيجية الردع... «والآتي أعظم»

نصر الله يطوّر استراتيجية الردع... «والآتي أعظم»

«معادلة الجليل»: أفضل وسيلة للدفاع... الهجوم


«معادلة الجليل»: أفضل وسيلة للدفاع... الهجوم 
  
 

عماد مرمل

يهدد السيد حسن نصر الله بتحرير الجليل الفلسطيني إذا فُرضت الحرب على لبنان، ورئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو يرد مؤكدا ان جيشه قادر على الدفاع عن إسرائيل والمستوطنين المقيمين فيها.
حتى ما قبل أمس الاول كان مثل هذا السيناريو سيبدو اقرب الى الخيال ونوعا من الرومانسية الثورية، ذلك ان إسرائيل عودت العرب خلال عقود من الصراع، انها هي التي تهدد بالاجتياح، فيما الآخرون سلاحهم الوحيد هو الشرعية الدولية العاجزة وقرارتها العقيمة!
بهذا المعنى، فإن خطاب نصر الله حقق تحولا استراتيجيا في فلسفة الصراع وأدبياته، حتى قبل ان تبدأ الحرب. يكفيه انه حطم عقدة النقص التي تلازم الكثيرين في هذا العالم العربي، ممن يفترضون ان الصمود في مواجهة إسرائيل يكاد يكون مستحيلا، فكيف باختراق الحدود المحصنة وتحرير بعض الارض المحتلة.
لقد انقلبت الأدوار هذه المرة، وباتت المقاومة هي التي تهدد بالسيطرة على شمال فلسطين المحتلة، فيما يتحول نتنياهو الى موقع الدفاع، مطمئنا سكان المستوطنات الى ان جيشه قوي ويملك القدرة على حمايتهم. انه بالفعل مشهد جميل ونادر، يستحق التأمل، بعدما كان العدو يملك في الماضي «الحق الحصري» في المنطقة بالهجوم.
لكن، في موازاة القيمة الاستراتيجية لـ«معادلة الجليل»، تبدو المقاومة حريصة على وضعها في سياق حماية لبنان حصرا، على قاعدة ان أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، وبالتالي، فإن فرضية السعي للسيطرة على الجليل، ليست مطروحة «إلا إذا فرضت الحرب على لبنان»، ولا تعكس أي نية او رغبة في المبادرة الى الهجوم من طرف واحد.
ولعل ما طرحه «السيد» يكتسب أهميته، ليس فقط من «بُعده العسكري» المتصل بقدرة المقاومة على تغيير قواعد اللعبة في حال وقعت الحرب، وإنما أيضا من «بُعده الوقائي» الذي من شأنه ان يحول دون حصول هذه الحرب أصلا، او أن يؤخر اندلاعها على الاقل، «باعتبار ان المعطى المستجد سيدفع اسرائيل الى إجراء المزيد من الحسابات والتفكير مليا قبل ان تُقدم على أي مغامرة جديدة في لبنان».
ولئن كان البعض تمنى ان يحتفط نصرة الله بـ«مفاجأة الجليل» الى حين اندلاع المواجهة المقبلة، لئلا يحرقها الضوء وحتى لا تتاح للاسرائيلي فرصة ان يستعد لها، إلا ان العارفين يؤكدون ان «السيد» تعمد ان يفجر قنبلته في هذا التوقيت، في سياق تعزيز مفهوم قوة الردع، لان الاولوية بالنسبة اليه هي فعل كل ما هو ممكن لمنع جيش الاحتلال من شن عدوان جديد، وليس انتظار حصوله. وما دام التهديد بالدخول الى الجليل يمكن ان يساهم في لجم النيات العدوانية الاسرائيلية ـ لا سيما بعد دعوة ايهود باراك جنوده الى الاستعداد للعودة الى لبنان ـ فلا موجب للتردد او للتكتم.
ومن المؤكد ان الجانب الاسرائيلي الذي اختبر مصداقية نصر الله في العديد من المحطات المفصلية، يدرك جيدا انه ما كان ليطلق «معادلة الجليل» لو لم يكن واثقا بأن المقاومة أصبحت تستطيع ترجمتها في الميدان عندما تدق ساعة الصفر، وربما يدرك الإسرائيلي أيضا أن نصر الله ما كان لـ«يلعب» هذه الورقة ويكشفها لولا انه يخفي في جعبته غيرها من الأوراق الأشد تأثيرا وفعالية، والتي قد تصنع مفاجآت الحرب المقبلة.
وتعكس «معادلة الجليل» تصاعدا متدرجا في الخط البياني لاستراتيجية الردع التي تبنيها المقاومة، منذ سنوات، في تعبير عن التطور المتنامي في إمكانياتها التي تجلى بعضها خلال «حرب تموز»، حيث كانت «تل أبيب في مقابل بيروت»، لتتحقق بعد الحرب قفزات نوعية على مستوى الجهوزية جعلت «تل أبيب في مقابل الضاحية»، ومن ثم «المبنى في مقابل المبنى»، و«مطار بن غوريون في مقابل مطار رفيق الحريري»، و«المرفأ في مقابل المرفأ»، و«البحر في مقابل البحر»، وصولا الى «معادلة الجليل» التي وضعت الأرض في مقابل الارض، ما أحدث إرباكا في الحسابات الإسرائيلية المبنية على فرضيات من نوع آخر.
والمفارقة ان فريق 14 آذار قرر من إحدى قاعات «البيال» في وسط بيروت، تفعيل معركته حول السلاح في اللحظة التي باتت فيها فعالية هذا السلاح تسمح بإعادة صياغة وجه المنطقة برمتها، بحيث بات الفارق في المسافة بين ما يطرحه هذا الفريق وواقع المقاومة كبيرا الى الحد الذي لا يسمح بتقليصه، مهما اشتدت الضغوط، ومهما تحسنت اللياقة البدنية للراغبين في خوض السباق.
ويتقاطع هذا الاستنفار لدى بعض الاوساط الداخلية مع معلومات وصلت الى مرجع بارز في الاكثرية الجديدة، مفادها ان مجموعات لبنانية في الولايات المتحدة، تابعة لـ 14 آذار، تسعى مع منظمة «أيباك» الى استصدار قرارات عن الكونغرس الاميركي تمنح الرئيس باراك أوباما هامشا واسعا لاتخاذ القرارات التي يراها مناسبة للضغط على حكومة نجيب ميقاتي وعلى حزب الله، في استعادة لـ«خريطة الطريق» التي جرى استخدامها في السابق لإصدار القرار 1559.
وأمام هذا المشهد، نُقل عن الرئيس نبيه بري أسفه لأن «جماعة 14 آذار يعتبرون ان باراك يمزح حين يهدد باجتياح لبنان ولا يكترثون لما يصدر عنه، بينما يتعاملون مع المقاومة بعدائية وسلبية. فهل من كان بعيدا عن الحدود لا يعرف قيمة المقاومة والدفاع عن الارض، وهل يجب ان يقيم هؤلاء في القرى الجنوبية ليعرفوا ما الذي نقصده»؟