أما وقد أُعلنت "الخلافة الإسلامية" يوم الأحد الماضي، وبايعت داعش أبا بكر البغدادي "أول خليفة للمسلمين"، فلا بدَّ لنا من قراءة صريحة
أمين أبوراشد
أما وقد أُعلنت "الخلافة الإسلامية" يوم الأحد الماضي، وبايعت داعش أبا بكر البغدادي "أول خليفة للمسلمين"، فلا بدَّ لنا من قراءة صريحة لما تناقلته وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية من أخبار ورسومات لخريطة ما تُسمَّى بدولة الإسلام في العراق والشام منذ أسبوعين، وورد في آخر نسخة معدَّلة منها، ضمُّ الأردن والكويت ولبنان الى "الدولة" الموعودة، وبصرف النظر عمَّا يأخذه الغرب على محمل الجدِّية في رهاناته على التكفيريين من منطلق السذاجة في القراءة الجيو- سياسية، ومن أن قصم ظهر دول "الهلال الشيعي" يتمّ عبر تمزيق العراق وسوريا ولبنان وعزل إيران وبالتالي تأمين الأمان للكيان الإسرائيلي، فإن الجغرافيا والسياسة تصطدمان بالتاريخ، التاريخ الحديث جداً الذي لم يمرّ عليه الكثير من الزمن عندما سطَّر لبنان أشرف صفحات هذا التاريخ، سواء ما حصل عام 2000 أو 2006 أو ما قبلهما وبعدهما، والذي لا يبشِّر الأميركيين بنهاية سعيدة لمشروعهم ولو أن إنتصار المقاومة عام 2006 أعاد إنعاش ضرورة كينونة الشرق الأوسط الجديد في أوهام أميركا، لإعادة بعض من أمل لإسرائيل بالبقاء فترة أطول.
نحن في هذه المقالة، معنيون بموقع لبنان على خارطة داعش لنحدِّد لمن يهمّه الأمر موقعنا، إنطلاقاً من الهوَّة الثقافية الساحقة التي تُظهر استحالة أن يكون لنا موقع على خريطتهم أو أن يكون لهم سطرٌ واحد في كتاب تاريخنا.
يقول الشيخ نبيل نعيم، أحد قادة تنظيم القاعدة سابقاً، وأحد أقرب المقرّبين من أيمن الظواهري في شرحه لفكر القاعدة ومتفرِّعاتها الجهادية التكفيرية ومن ضمنها داعش:
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول من العام 2001 حصل إنقسام داخل المنظومة الفكرية الجهادية للتنظيم، وتقرَّر أخيراً وقف العمليات الكبيرة واعتماد القضم المنظَّم في مسيرة الجهاد لإقامة "الخلافة الإسلامية"، واعتمدت بعض المجموعات لاحقاً ومن ضمنها داعش كتاب "إدارة التوحُّش" لأبي بكر ناجي، مرجعاً ثقافياً للفكر الجهادي والتكتيك الهجومي، عبر اعتماد أساليب الإبادة لترهيب الخصم بالقتل والتنكيل والسبي والإغتصاب وإحراق قرى ببشرِها وشجرِها وحجرِها بصرف النظر عن إنتمائها الديني... وحتى الدواجن لا يجب أن تسلم، بهدف زرع الرعب في المناطق والقرى المجاورة التي قد تسقط رهبةً وتستسلم مما يوفِّر على "المجاهدين" العناء ويكون كل ما يقع بين أيديهم حلالٌ لهم.
أمام مخاطر هذه الثقافة التكفيرية وسُبُل مواجهتها، نحن لسنا بصدد تعليم الغرب قراءة تاريخ الشعوب، لأنه قرأ جيداً ما تمَّ تسطيره بدمِ الشهادة على تراب لبنان، وما يتمُّ تسطيره حالياً في المناطق السورية المحاذية للحدود كونها ظهير المقاومة وخاصرتها، ويقرأ في الداخل السوري مواقف نضال شعبها وجيشها ضدّ هجمات التكفير، ويقرأ المواجهات العراقية للشياطين الفالتة، وسيقرأ المواقف الإيرانية قولاً وفعلاً على الحدود مع العراق لو تخطّت دواعش التكفير حدود الممنوع خاصة في المناطق التي تحتضن الأماكن المقدَّسة والمراقد الشريفة، ورغم ذلك، ما زال الجهل الغربي بالثقافة الإيمانية والإنسانية والوطنية للمقاومة وحلفائها ضمن حدود الظنون الواهمة، أن كل ما تخطِّط له أميركا لإقامة إسرائيليات مذهبية لحماية الكيان الصهيوني الغاصب هو واقعٌ لا محالة، إضافة الى أن أميركا لا ترغب ربما بالإستيعاب أن المقاومة في لبنان ممنوعٌ لبنانياً المساس بها، إلاَّ إذا كانت أميركا ما زالت تقرأ "أخبار لبنان" من سفارتها في عوكر عبر ضيوفٍ لبنانيين ليسوا بمستوى تمثيل لبنان حتى في حفلة شاي.
مشكلة أميركا ومعها دواعش الإقليم ولبنان، أنهم إذا كان يعتبرون حزب الله مجرَّد قوة عسكرية، سحقت أعتى جيش عنصري في العالم، ولم ترهبها طائرات ولا بوارج فإن وقع حوافر القادمين على صهيل الإنتحار الى لبنان لا يشكِّل أكثر من "إزعاج مزاج" لمجتمعٍ مقاوم أو نوع من التوتير السياسي المحدود في الداخل اللبناني وليس أكثر، وإذا كانوا يدركون أن حزب الله مقاومة إسلامية وطنية لبنانية لديها أهلها وناسها وحلفاؤها على امتداد الخارطة اللبنانية فحقُّنا أن نتساءل أية خارطة داعشية بإمكانها أن تستوعب مارد الحقّ المؤمن بحقِّه؟
الأدهى من كل هذا، أن أميركا والغرب وبعض عملائهم من العربان لم يفهموا على سماحة السيد نصرالله عندما حذَّر من المساس بسوريا، وبالمقدسات كل المقدسات وليس فقط مقام السيدة زينب عليها السلام، وما البطولات التي سطَّرها حزب الله في معلولا رغم تواجده الرمزي، وجهاده لإسترداد البلدة المسيحية الأقدم في التاريخ، سوى ترجمة لفكر هذا الحزب القائم على قيم المحبة والأخوَّة الإنسانية وعداءه للتكفير من أية جهة كان هذا التكفير، وأن نفس المواقف الصلبة التي ينتهجها في مواجهة الصهيونية يواجه بها التكفيريين الرافضين للآخر، أيّ آخر، ليس من منطلق طائفي أو مذهبي بل من الإيمان بالقيم الإنسانية المشتركة بين الأديان والمذاهب وحقوق الآخر بالمساواة، وأن لبنان ليس اليمن ولا ليبيا ولا أية دولة ترضى بخلافة البغدادي، لأنه لن يكون بيئة حاضنة للتكفير، ولا بأس أن يبقى على خارطة داعش وأحلام دويلتها، لكن موقعه على خارطتها وكل خرائط الشرق هو هو ولن يتغيَّر:
لبنان هو الراية التي تخفق سلاماً لأبناء الديانات السماوية جميعها، وهو الخنجر في خاصرة التكفير والسيف القاطع لمقارعة الظلم، وهو الصدر الدرع في مواجهة وطاويط الغدر وثقافة الإنتحار و"الجهاد الشيطاني"، وهو الأرض التي تفيأت بعمامة سيِّد مقاومٍ مؤمنٍ بالله والوطن، احتضن بعباءته الشريفة الشعب بكل شرائحه في أحلك الشدائد، قائدٌ لديه اليد الطولى التي تقطع أيادي الشر عند استحقاق المواجهة مع شياطين الأرض وأعداء الله والإنسانية.
ولبنان أخيراً وليس آخراً، لديه أهل الرؤية والحكمة ممَّن لا يراهنون على الخارج، بل على معادلة ذهبية تجمع الجيش والشعب والمقاومة والتي وحدها كانت وستبقى الكفيلة بحماية لبنان في محيطٍ يصول ويجول فيه أعداء الله وعَبَدة الشيطان...