لم تعد منطقة الهوتة في الرقة، مجرد حفرة شكلتها عوامل الطبيعة، بل أصبحت رمزاً وشاهداً على ممارسات المسلحين على مختلف فصائلهم وعلى جرائم حربهم، بحق المدنيين والدولة السورية.
احمد فرحات
في مرحلة حساسة ومفصلية من تاريخ عالمنا العربي والإسلامي، تكثر المنزلقات الخطيرة، وتتسع الهوة بين أبناء الشعب الواحد والدين الواحد. وفي جغرافيا وطننا هوات كثيرة، أحدثتها العوامل الطبيعية، وجعلها الخالق آية، يمجدون فيها عظيم خلقه وجليل صنعه.
غير ان الإنسان تجبر في الأرض وظلم، وحوّل ما كان ينبغي أن يكون عبرة، إلى صورة تمثل أبشع صور الإجرام والتنكيل.
جنوب منطقة سلوك وشمال منطقة الكنطري بريف الرقة السورية، منخفض طبيعي، يدعى "الهوتة" وفق المصطلح المحلي، باتت مقبرة جماعية، ألقى فيها تنظيم "داعش" ومن سلفه من الجماعات المسلحة التابعة لـ "الجيش الحر" و"جبهة النصرة" جثث من يقتلونه بالإعدامات الميدانية، والتصفيات الجسدية، حيث تكاد هذه الحفرة تمتلئ بالجثث.
وفي شريط فيديو بث على شبكة الإنترنت وعرضته بعض وسائل الإعلام، تظهر مجموعة من عناصر داعش أثناء رمي ثلاثة جثث يرجح انهم لمسلحين من "الجيش الحر" أعدموا في مدينة سلوك بالرقة، كما يظهر هذا الفيديو مدى فرحة المسلحين أثناء عمليتهم، وسخريتهم، حيث بادر أحدهم إلى القول "الحمام صار يعيش عاللحم"، فهكذا يتم إكرام الميت وفق عقيدة "الدولة الإسلامية" التابعة لتنظيم داعش الإرهابي.
غير أن الإرهاب لم يكن يوماً حكراً على داعش فقط، ففي نفس المكان، يكشف شريط فيديو آخر، أن تشكيلات الجيش الحر وابان سيطرتها على الرقة، استخدمت نفس أسلوب هذا التنظيم المنبوذ عالمياً، ورمت جثث مؤيدي الدولة السورية في نفس "الهوتة"، وبالسخرية نفسها، حيث علق الناشط الإعلامي التابع للجيش الحر بأن هذه الحفرة تحوي المئات من عناصر الجيش السوري والمؤيدين له.
ففي هذه المنطقة الجغرافية، رميت مئات "الحكايات" عن إجرام جماعات الجيش الحر المدعوم غربياً وعربياً، وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة العالمي .. فتلك الثورة المزعومة شيدت مفاهيمها على آلاف جثث الأبرياء التي رميت في الهوتة، وفي غيرها من المناطق السورية، (جسر الشغور في ادلب)، (مبنى البريد وجريمة قتل آل بري في حلب)، (تعليم الأطفال قطع الرؤوس)، (أكل القلوب)، (عدرا العمالية شاهدة على إجرام الجبهة الإسلامية)، (ريف اللاذقية الشمالي وسبي النساء والاطفال شاهد أيضاً)، جرائم لا تتنهي بدأتها فصائل الجيش الحر.
وأتت داعش، لتكمل ما بدأته الجماعات السالفة قتلا وتدميراً، بنفس الأسلوب، وبنفس الصيحات، وكأن التاريخ يعيد نفسه، والهوتة تبقى المكان الذي طبق داعش والجماعات الأخرى من جيش حر وجبهة إسلامية ونصرة، عدالته وفكره.
ومن المثير للإستغراب وللتساؤلات تركيز الإعلام الغربي وبعض العربي على جرائم داعش، فأين كان هذا الإعلام في عهد الجيش الحر، (للتذكير، أن فصائل الجبهة الإسلامية هي بالأساس من تشكيلات الجيش الحر، وتربى الجيش والجبهة على نفس الأفكار والتعاليم الإجرامية).
ويبدو أن من خلال التركيز على لا إنسانية داعش، تعويم الفصائل الأخرى، على أنها "معتدلة" وفق التصنيفات الغربية، وبالتالي تبرير جرائمها، فهل يراد من الرأي العام تصديق أن عناصر داعش مجرمون، وباقي الفصائل ينشدون التغيير والديمقراطية؟.
المتتبع لهذه الجماعات المتقاتلة في سوريا لا يرى فرقاً بينها، فكراً وتطبيقاً وممارسة. منذ البدايات حمل المسلحون السيوف، وقطعوا الرؤوس وقتلوا ورموا الجثث عن الاسطح وفي الطرقات وفي مجرى الأنهر.
لم تعد منطقة الهوتة في الرقة، مجرد حفرة شكلتها عوامل الطبيعة، بل أصبحت رمزاً وشاهداً على ممارسات المسلحين على مختلف فصائلهم وعلى جرائم حربهم، بحق المدنيين والدولة السورية.