لطالما كانت «الخلافة» بالنسبة إلى تيار الإسلام السياسي بفصائله المختلفة، حلما يداعب الخيال، يستدعي من التاريخ نموذج الإمبراطورية الإسلامية المترامية الأطراف، والتي أنتجت علماً وأدباً وفناً وحضارة للعالم أجمع
الخلافة دعوية فقط.. أمّا السياسية فباطلة
مصطفى بسيوني
لطالما كانت «الخلافة» بالنسبة إلى تيار الإسلام السياسي بفصائله المختلفة، حلما يداعب الخيال، يستدعي من التاريخ نموذج الإمبراطورية الإسلامية المترامية الأطراف، والتي أنتجت علماً وأدباً وفناً وحضارة للعالم أجمع.
ومع تدهور أوضاع الدول العربية والإسلامية، وفشل مشاريع نهوضها واحداً تلو الآخر، كانت الخلافة الإسلامية هي الملاذ الآمن والمجرّب من انهيار الواقع، وكانت العودة إلى القرآن والسنة تمثل الطريقة المثلى لاستعادة حلم الخلافة.
اليوم تعود «الخلافة» من البوابتين السورية والعراقية، عبر تنظيم «داعش»، ولكن حلم الإسلاميين تحول إلى كابوس، فالخلافة المنتظرة، لم تقم في أمّة ناهضة، بل على أنقاض دول مزقتها القوى الاستعمارية والحروب المذهبية، ودفعتها الصراعات خارج التاريخ، وعلى ايدي قوى ظلامية، ابعد ما تكون عن الثقافة والحضارة والإسلامية.
لم تظهر «الخلافة» المعلنة من العراق والشام ما جاء في تاريخ الخلافة الإسلامية، الرسمي على الأقل، من تسامح ونشر للدعوة وحماية للأقليات، بل انطلقت تنشر الرعب والخوف في الأماكن التي سيطرت فيها.
ولم تشبه تلك «الخلافة» المعلنة قدوتها في أي شيء، حتى أنها بدلا من أن تظهر كمخلص لمجتمعاتها من السيطرة الخارجية، بدت كأداة في أيدي أجهزة الاستخبارات والعائلات المالكة.
الملفت للانتباه هنا، أن الهزيمة الأكبر التي لحقت بحلم الخلافة الإسلامية لم تأت من أعدائها أو ناقضيها هذه المرة، بل من أنصارها ودعاتها بالذات، حتى أن ظهور موقف من علماء الدين الإسلامي تجاه إعلان خلافة «داعش» أصبح ضرورة، لكي لا يتحمل كل المسلمين تبعات ما تقوم به الخلافة المعلنة.
أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر أحمد كريمة يوضح رأي الفقه الإسلامي في إعلان «دولة الخلافة» في حديث إلى «السفير» بالقول «لا توجد في التاريخ الإسلامي خلافة سياسية نسبت إلى الإسلام، بل كانت خلافة لمهام دعوية. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ستكون خلافة على نهج النبوة، ثم تكون ملكا عضوضاً».
ويوضح أن الخلافة الدعوية كانت في عهد الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن، رضي الله عنهم، خلافة لحراسة الدين، بدليل قول الرسول «على نهج النبوة»، ثم انقلبت إلى حكم سياسي في العهد الأموي والعباسي والتركي، بدليل قوله «ملكاً عضوضاً».
ويشير كريمة إلى ان الخلافة بهذا ينبغي أن تكون في الأئمة من قريش بناء على الحديث الشريف «الخلافة في قريش».
ويضيف كريمة «وبتنزيل هذه النصوص على الواقع، قرر الفقيه الدستوري الدكتور عبد الرازق السنهوري أن الخلافة في عالمنا المعاصر تبدو مستحيلة، واقترح أن تحل محلها جامعة إسلامية. وفي ضوء ذلك فإن ما تروجه جماعة الإخوان وتنظيمات العنف المسلح من خلافة سياسية كلام باطل من الناحية العلمية الصحيحة السليمة».
ويرى كريمة انه «عندما يكون للمسلمين والعرب سوق اقتصادية على غرار الاتحاد الأوروبي، وعملة موحدة على غرار اليورو، وكيان عسكري وسياسي، وعندما تزال حواجز التأشيرات، يمكن أن نتكلم ساعتها عن خلافة»، مؤكداً ان «هذه الدعوات باطلة نشجبها ونرفضها من الناحية الفقهية».
العجز عن تقديم حلول حقيقية لمشاكل الواقع يدفع البعض الى استدعاء نماذج تاريخية وفرضها قصرا على الواقع المعاصر. ولا شك أن هذا يمكن أن يؤدي إلى كوارث. ولكن عندما تقوم بذلك عصابات مسلحة تتحرك بوعي أو من دون وعي وفقا لمصالح قوى أكبر منها فإن النتيجة ستكون مأساة كالتي نراها اليوم. والتردد في إعلان موقف رسمي من الجهات التي تعتبر مرجعا فقهيا لدى المسلمين يساعد في خلط الأوراق وتعميق المفاهيم الخاطئة والإسلاموفوبيا.
وفي هذا الإطار، يقول وكيل وزارة الأوقاف المصرية السابق عبد الجليل سالم لـ«السفير» إن «مسألة إعلان رأي وموقف فقهي يسأل فيها الأزهر».
ويضيف أن «منظمة داعش معروفة بأنها لا تمثل المسلمين، ولا حتى فصيلا منهم. وهي مجرد منظمة إرهابية. وغير منطقي أن تكون الداعية للخلافة. أما دعوتها إلى الهجرة إليها (الدولة الإسلامية المعلنة) فكلام تافه، فالمسلمون يعيشون في بلادهم، ويقيمون شعائرهم الدينية، ويؤدون واجباتهم والتزامتهم، فلماذا إذاً الدعوة إلى الهجرة»، مشدداً على ان «داعش مثل باقي التنظيمات الإرهابية وستنتهي مثل غيرها».
من جهته، يتجاوز رئيس قسم الفقه المقارن في جامعة الأزهر سعد الدين الهلالي المسميات ويوضح جوهر فكرة الحكم في الإسلام قائلا لـ«السفير» إن «الإسلام لا يعرف إلا حكم العدل بناء على قوله تعالى (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، هذا هو جوهر الحكم في الإسلام بعيدا عن المسميات».
ويشير إلى ان «المسميات التي تذكر تحت شعار ديني القصد منها مكسب دنيوي»، ولفظ الخلافة تطلقه داعش لمداعبة مشاعر المسلمين، في حين أن الإسلام لا يدعو إلا للحكم العادل، حتى ولو كان الحاكم غير مسلم».
ويضيف أن «الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن النجاشي ملك الحبشة (ملك لا يظلم عنده أحد)، ولم يكن مسلماً. إذاً الخلافة التي تقوم على الدماء والسلب وهتك الأعراض ليست من الإسلام. والمقدمات التي بادرت بها داعش كانت دموية ولا ترقى إلى ان تكون من الأخلاق الإسلامية».
ويرى الهلالي أن «داعش جماعة سياسية واستخدامها لمصطلح الخلافة استخدام سياسي، مثلما استخدم الإخوان المصطلح ذاته، ومثلما استخدم الخوارج مصطلح (الحاكمية)، مشيراً إلى ان هذه «مجرد شعارات القصد منها التجارة والمكاسب السياسية».
وعما إذا كان من الضروري إعلان موقف من «الأزهر» يبين موقف صحيح الإسلام من هذا الإعلان حتى لا تطول المسلمين والإسلام سلبيات تلك الممارسات، يرى الهلالي أن هذا السؤال يجيب عليه الأزهر وهيئة كبار العلماء.
حتى الآن لم يصدر اي موقف رسمي من قبل الأزهر بشأن «داعش» باستثناء بعض التصريحات الصادرة عن الامام الأكبر الشيخ احمد الطيب أو بعض العلماء الأزهريين، من بينهم الشيخ علوي امين الذي اعتبر ان «جماعة داعش الارهابية صنيعة الاستعمار والاستخبارات الاميركية والغربية وغرضها تقطيع رقاب المسلمين وتفتيت الامة الاسلامية»، داعياً «المجتمع الاسلامي أجمع الى الوحدة والوقوف جنبا الى جنب للتصدي الى هذه الجماعة»، التي اعتبر ان «الدين منها براء».
وقبل ذلك ببضعة أيام، أصدر الأزهر بياناً قال فيه إنه «يراقب بقلق بالغ الأحداث المتسارعة، في العراق، وتنامي البعد المذهبي والطائفي في هذه الأحداث»، مهيباً «بجميع المسؤولين بذل أقصى ما في وسعهم للحيلولة دون إزهاق أرواح المواطنين الأبرياء، أياً كانت انتماءاتهم المذهبية أو العرقية أو الطائفية أو الجغرافية، بما في ذلك ضرورة التصدي بكل الوسائل لأي تحريض قد يطال أو يمس الرموز أو المؤسسات الدينية حفاظاً على وحدة الأمة».
اما الطيب فاكتفى بالقول، لدى لقائه المرجع السني العراقي عبد الله السعدي قبل اسبوعين، إن «بروز تنظيم داعش نتيجة طبيعية لسياسة التهميش في العراق، مهيبا بجميع العراقيين وخاصة رجال الساسية أن ينحوا مصالحهم الحزبية والطائفية والعرقية، وأن يبحثوا فورا عن صيغة توافقية جديدة ينقذون بها العراق وشعبه من التطرف بكل أشكاله، ومن القوى الخارجية التي تتربص به حفاظا على سيادته ووحدة أراضيه».
http://www.assafir.com/Article/1/359236
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه