كائنات أخرى تصوم لتعرف أنك لست وحدك في هذا الكون صائماً،
الصيام سنة الله ليس للإنسان فقط وإنما لجميع مخلوقاته فكما يصوم الإنسان هناك كائنات اخرى تصوم ولفترات طويلة يعجز عنها الإنسان وقد تمتد لشهورعديدة. وفي معظم الأحيان يكون صيام الحيوانات خلال فترة يخلد فيها الحيوان إلى السكون التام فيما يسمى “البيات الشتوي” ويمتنع خلالها عن الحركة والطعام والشراب وهذه الفترات مرتبطة غالباً بالحالة المناخية.
فالصيام قبل أن يكون إفطاراً وسحوراً فهو علاج للإنسان وسائر الكائنات الحية.
وفي هذا التقرير نعرض نماذج لكائنات أخرى تصوم لتعرف أنك لست وحدك في هذا الكون صائماً، فالحيوانات تصوم عند المرض أو الخطر أو البيات الشتوي، نقص أو غياب الغذاء، الإستثارة، والتزاوج.
السناجب:
تمتاز السناجب الأرضية بأنها تأكل بنهم زائد خلال فصل الخريف، الأمر الذي يترتب عليه أن تسمن بصورة ملحوظة، وكأنها تستعد لأمر عظيم، وعندما يأتي فصل الشتاء فإنها تدخل في نوع عجيب من الصيام، حيث لا تستطيع أن تمارس الحركة، أو النشاط، فتتخذ لأنفسها مخابئ مريحة ومناسبة داخل الكهوف أو الأخشاب المجوفة وتنام نوماً عميقاً، وتتكور على أنفسها، وكأنها قد ودعت الدنيا ومن فيها ويختلف هذا النوع من النوم عن النوم المعهود، فلا توقظها الأصوات المرتفعة أو الهزات العنيفة، فقد دخلت في حالة بيات أو نوم شتوي، وتبطؤ فيها العمليات الحيوية، فتتنفس ببطء شديد وتريح عضلاتها، وتستريح أيضاً أمعاؤها ومعداتها، وترتاح أيضاً أعينها نظراً لإطباق جفونها، وبمرور وقت الشتاء تستهلك مخزونها الدهني، حتى إذا ما ولى فصل الشتاء أدراجه، وبدأت الحرارة تدب في الأجسام من جديد، إذا بهذه الحيوانات تستيقظ من رقادها الطويل، وقد بدت أجسامها نحيلة رشيقة، فتتحرك هنا وهناك سعياً وراء رزق الله الذي تتناوله في خفة ورشاقة، معلنة بذلك إباحة الفطر وانتهاء الصيام، فتمثل لها هذه الأيام أيام عيد..
الفقمة (كلب البحر):
الفقمة نوع من الحيوانات الثديية الضخمة، التي تعيش في البحار، وتتغذى على اللحوم، وتقضي هذه الحيوانات فصل الشتاء بأكمله في البحار سابحة، وفي نهاية شهر أغسطس من كل عام تهرع إلى الشاطئ، حيث تكون على وشك التزاوج، فتعسكر على الشاطئ عدة أشهر، وتقوم الذكور باختيار الإناث المفضلة، وقد يستحوذ الذكر الواحد على نحو ثلاثين أنثى، وعندئذ يدخل في نوع خاص من الصيام يطلق عليه صيام التكاثر، ويمتد هذا الصيام عدة أسابيع، تظل فيها الذكور الصائمة ساهرة على حراسة الإناث الشابة، أما الإناث المسنة فإنها تكون حوامل وتضع صغارها في غضون أيام قلائل.
وتظل الصغار تحظى برعاية الأمهات لها فيكتسى جسمها بفراء صوفي أسود، تترسب أسفله طبقة دهنية سميكة، وعلى الحيوان الصغير أن يستبدل هذا الفراء بسترة جديدة تناسب حياة الماء عندما يعود إليه، ويلزم الحيوان أن ينسلخ من هذا الجلد القديم، فينفصل عن أمه، ويدخل في مرحلة من الصيام لا يشرب فيها ماء ولا يذوق طعاماً، بل يظل مستلقياً على الشاطئ.
وتستمر فترة الصيام هذه ستة أسابيع كاملة، تنتهي بحلول شهر يناير، وهنالك يحين موعد فطرها، وقد تبدل جلدها الصوفي بجلد يناسب حياة الماء، فتنزل إلى لجة الماء معتمدة على الله، معلنة انقضاء الصيام، فتقبل على الطعام والشراب بشهية وبنهم، فلا تلبث أجسامها أن تكتنز بالدهن فتبدو ممتلئة الأجسام، ومن هنا يصح أن يطلق عليها كلاب البحر، وتقضي الشتاء كله على هذا الحال، حتى إذا ما ولى الشتاء وانقضى ودعت حياة البحر لتأخذ حمامات شمسية على الشاطئ، وحينئذ تكون قد بلغت حد النضج الجنسي فتتزاوج وتتكاثر، وتصوم وتفطر من جديد.
العناكب :
تصوم أثناء فترة وضع البيض وحضانته, هناك أنواع من العناكب تصنع خيمة من الحرير أثناء فترة وضع البيض لكي تضع البيض فيها، وتكون قائمة عليها وترعاها في هذه الخيمة لا تغادرها طوال الفترة وهى صائمة حتى تفقس فتصبح الأم ضعيفة وهزيلة، والسبب لكي تجهز السوائل اللازمة لتغذية صغارها بعد نفسها عن طريق نشاط بعض الغدد الخاصة في فترة وضع البيض ولأن صغارها لا تستطيع رعاية نفسها فتتعلق فوق ظهر أمها لكي تتغذى منها.
سمك السلمون:
يسافر 1600 كيلو متر راجعاً إلى موطنه الأصلي ليقوم بعملية الإباضة وفي هذه الفترة يصوم والسبب لكي لا يثقل ويبقى رشيقاً وخفيف الوزن ليسهل عليه السفر والهرب من أعدائه المتربصين به طوال فترة سفرة في المحيطات الغريبة عليها.
وتصوم أسماك السلمون خلال فترة التزاوج التي ربما تمتد لشهور خلال الهجرة للأنهار، وتخرج أسماك السلمون للحياة في الأنهار وتهاجر لتعيش في المحيطات سابحة عكس التيار، ثم تعود للأنهارموطنها الأول مرة أخرى للتزاوج والإنجاب.
طيور الزينة:
نلاحظ عندما تنقلها من قفص إلى قفص آخر جديد فإنه يبدأ مباشرة بالصيام والسبب لتغير المكان عليه ولحزنه على قفصه وبيته القديم ومع الوقت يبدأ الطير بالتغريد ويوقف الصيام ويبدأ بالفطور.
الأسد يصوم :
هناك الكثير من الحيوانات يتم عمل نظام غذائي لها خوفاً على صحتها ومنها الأسود والثعابين، حيث تصوم الأسود يوماً كاملاً وهو يوم الأثنين من كل أسبوع. فملك الغابة كما يطلق عليه يجب عليه الصيام يوماً في الأسبوع والسبب هو التخلص من حمض البوليك السام المضر على جسمه والذي قد يسبب له مرض النقرس وقد يأتي هذا الحمض من أكل اللحوم الذي لا يأكل غيرها.
الضفادع:
كما نعلم أن الضفدع من الحيوانات البرمائية ويكون دم الضفادع بارد وبسبب ذلك تعيش في فصلي الربيع والصيف ولكن في الشتاء فأنها تختزن طعاماً هائلا في معدتها فيصبح وزنها ثلاث أضعاف لكي يكون مخزونها الوافر في هذا الفصل وتكون في حالة من السبات لدرجة التجمد مثلها مثل الجليد حتى ينتهي فصل الشتاء فتبدأ بسريان الدم والتدفق في جسمها المتجمد فتخرج من السبات إلى الحياة.
قنفذ النمل الشوكي:
يصوم قنفذ النمل الشوكي عن تناول الطعام لمدة تزيد على الشهر، دون أن يُحدث ذلك تأثيراً على نشاطها وحيويتها، ودون أن تعتريها مظاهر الهزال والضعف، والسر وراء ذلك أن هذه الحيوانات نهمة في تغذيتها، فهي تظل تتغذى على ما يصادفها ليلاً أو نهاراً، الأمر الذي يترتب عليه تكوين مخزون احتياطي من المواد الدهنية، التي تشكل عبئاً على أجسامها، فحينما ينضب معين الغذاء عند كثرة أعدادها، أو عند ارتحالها إلى مناطق أخرى، فإنها تصمد أمام هذه الظروف فتصوم عن الطعام صياماً إجبارياً، فرب ضارة نافعة، فتستعيد رشاقتها وقدرتها على الحركة، وتلك آية من آيات الله في خلقه.
صيام البطريق:
تصوم طيور البطريق خلال فترات التزاوج، الرقود على البيض، كما تتناول طيور البطريق السحور مثل الإنسان ولكن لفترة مستمرة تمتد لـ 3 شهور لتخزين الدهون تحت الجلد، وذلك عدا البطريق الإمبراطور الذي يرقد فيه الذكر على البيضة, وتذهب الأنثى شهرين للتغذية من البحر على الأسماك.
فالصيام يختلف حسب نوع البطريق والجنس ونوع الصيام، فالبطريق الملك يصوم 120 يوماً سنوياً، أما أفراخ البطريق الملك تصوم 150 يوماً سنوياً، أما البطريق الإمبراطور يصوم 115 يوماً سنوياً.
صيام أوز الثلج:
تصوم أوز الثلوج عن الطعام فترات طويلة خلال الهجرة للمناطق الدافئة، وخلال الرقود على البيض حتى الفقس عادةً على 3- 5 بيضة 22 يوماً.
الجرذان النوامة:
الجرذان النوامة مجموعة من الثدييات التي تنتمي إلى رتبة القوارض، وهي حيوانات اجتماعية، تعيش في جماعات أو على الأقل في أزواج، وتعنى الإناث بتربية الصغار، وعندما تنخفض درجة الحرارة في بداية فصل الشتاء فإن هذه الجرذان تنوي الصيام، وتدخل في بيات شتوي، فيعتريها الخمول والكسل، وتدخل في شبه غيبوبة، حتى إنها لا تكاد تحس بما حولها، وربما يكون ذلك بسبب كمية الدهن المخزنة في أجسامها، ويتم استهلاك هذا الدهن خلال فترة الصيام، وبانقضاء فصل الشتاء وحلول الدفء فإن هذه الجرذان تستيقظ من نومها، وتفتح عيونها على ما حولها، ثم تتحرك بحذر منهية صيامها بتناول ما يصادفها من طعام.
حيوانات تصوم عند الحزن والمرض:
بعض الحيوانات تصوم، فالحصان المريض يصوم ويمتنع عن الطعام، والكلاب إذا ما أصيبت بكسر في عظامها تصوم فترة قد تمتد إلى عشرين يوم، كما أنها تصوم حزناً على فقد صاحبها. وبعض الحيوانات البرية كالغزال والطيور غير الداجنة تصوم إذا وقعت في الأسر تعبيراً عن الأسى والحزن.
صيام الدببة:
من الدروس المستفادة من صيام الدببة، أنها تصوم في البيات الشتوي لمدة 130 يوماً في المتوسط بدون حركة ثم تعود قوية في بداية الربيع بلا أي ضعف في عضلاتها. وبالرغم من معرفتنا بأن العضلات الهيكلية تتناقص وتبلي بغياب الحركة مثل ما نلاحظه في عالم الإنسان عند الإصابة بالشلل والوقود لفترة طويلة ورحلات رواد الفضاء التي تسبب لهم ضمور العضلات.
فالدببه تستطيع إعادة تدوير النيتروجين من البول واستخدامه لإنتاج بروتينات للعضلات تحل محل الخلايا العضلية التالفة.
صيام الحشرات:
الحشرات كلها تصوم، فكل حشرة تمر أثناء تطورها بمرحلة الشرنقة التي تصوم فيها تماما.ً
ويرقة دودة القز الشهيرة بصنع الحرير تصوم أسبوعين في مرحلة الشرنقة ملتفة بحوالي 1000 متر من الحرير. فاليرقة حين تدخل شرانقها تصوم ويمتد صومها نحو أسبوعين وحين تتبدل من عذراوات إلى فراشات تخرج لتطير وتعيش حياة عادية.
الشجر يصوم:
والشجر يصوم أيضاً فالأشجار التي تتساقط أوراقها في فصل الشتاء مثل الكرمة والمشمش وتقوم بالسبات الشتوي وتمارس خلاله الصيام. ولأن الاشجار ثابتة فإنها لاتستطيع أن تختبئ في جحور كما الحيوانات لذلك تمارس سباتها وصومها واقفة, فحين يلف البرد والصقيع كل شيء لا تجد هذه الأشجار أمامها، إلا أن تتخلص من أوراقها التي يحتاج بقاؤها إلى غذاء دائم ويجف النسغ داخلها وتصوم عن تناول الغذاء ومع عودة فصل الربيع يتدفق النسغ من جديد وتبزغ البراعم وتدب الحياة من جديد بالشجر.
صيام الديدان:
الديدان التي تصوم أطول عمراً و طولا من التي لا تعرف الصيام، حيث ثبت حديثا أن صوم بعض أنواع الديدان الأسطوانية يزيد من مناعتها.
البيات الشتوي:
البيات الشتوي هو صورة من صور التكيف مع الطبيعة فنظراً للبرودة يقل معدل الحركة أو ينعدم تماما وتنخفض درجة حرارة الجسم وتقل معدلات ضربات القلب والتنفس للحفاظ على الطاقة قدر الإمكان.
ومثلما يتسحر الإنسان استعداداً للصيام تأكل هذه الحيوانات الكثير من الطعام في الخريف وتختزنه على هيئة دهون توفر الطاقة عند الصيام في فترة البيات.
وقد تستطيع بعض أنواع العناكب والدببه خاصةً السوداء الصيام التام حتى ستة شهور متصلة.
فالأشجار مثل أشجار المشمش تمارس الصيام خلال السبات الشتوي.
كما تمارسه الحشرات والقواقع والقشريات والعناكب و بعض الزواحف والبرمائيات والأسماك.
وتمارسه أيضاً العديد من الثدييات التي تعيش في المناطق الباردة وتتكيف مع قلة الغذاء وبرودة الجو, تقل فيه معدلات ضربات القلب والتنفس إلى أقل من 5% من المعدلات الطبيعية.
وتأكل حيوانات السنجاب في البيات الشتوي مرة واحدة كل خمسة أيام.
كما تلجأ الضفادع والثعابين والفئران إلي البيات الشتوي هروباً من برد الشتاء.
فبعض الضفادع تختبئ في شقوق الجدران أو الصخور والبعض يقبع تحت الماء، حيث ان الحيوانات ذوات الدم البارد تدخل في حالة من سبات التمثيل الغذائي بمثابة جمود كامل، مع الحفاظ على الحد الأدنى من النشاط الفسيولوجي ودرجة معينة من حرارة الجسم، وبدون استنفاذ احتياطيات الطعام قبل نهاية فصل الشتاء حتى لا تموت من التجمد.