في محاولة شبه يائسة لوقف موجة الهبّات الشعبية الزاحفة في أحياء القدس المحتلة وبلدات مناطق 48، احتجاجاً على استشهاد محمد أبو خضير، أعلنت الشرطة الإسرائيلية عن اعتقال ستة متطرفين يهود
حلمي موسى
في محاولة شبه يائسة لوقف موجة الهبّات الشعبية الزاحفة في أحياء القدس المحتلة وبلدات مناطق 48، احتجاجاً على استشهاد محمد أبو خضير، أعلنت الشرطة الإسرائيلية عن اعتقال ستة متطرفين يهود للاشتباه بارتكابهم عملية خطف وحرق الفتى الفلسطيني الأسبوع الماضي. لكن الموجة تنال زخماً بانضمام بلدات جديدة، خصوصاً داخل الخط الأخضر، إلى التظاهرات والاحتجاجات العنيفة ما يؤكد أن شهادة أبو خضير كانت الشرارة التي تهدد بحريق واسع.
في الوقت نفسه، لا تزال إسرائيل تتعامل بارتباك مع قطاع غزة في ظل انتهاء مهلة الـ48 ساعة واستمرار إطلاق الصواريخ وإن بشكل محدود. قاد كل ذلك إلى تشتت وزراء اسرائيل الذين تبادلوا اتهامات علانية وبرزت خلافات شديدة بين أعضاء الحكومة الإسرائيلية ممن يريدون التهدئة أو يطلبون التصعيد.
من ناحيتها حاولت الشرطة الإسرائيلية الإيحاء بوجود تطورات مثيرة في التحقيق في اغتيال أبو خضير، عبر الإعلان فجأة عن اعتقال ستة يهود "تشتبه" في انتمائهم إلى خلية متطرفة نفذت هذه الجريمة. غير أن "التطورات" المثيرة هذه لم تقنع أحداً وخصوصاً عائلة الشهيد التي كانت قد قدمت للشرطة شريط فيديو منذ بضعة أيام يحوي صوراً لبعض من قاموا بالاختطاف.
عمّ المغدور أكد أن "اعتقال المطلوبين كان مفاجأة للشرطة وأجهزة الأمن لكن ليس مفاجأة لنا. نحن نعرف ما جرى". فالشرطة الإسرائيلية أهملت البحث عن الخاطفين وسهّلت القتل لأنها لم تفعل شيئاً رغم إبلاغها بأمر الاختطاف ومواصفات السيارة بعد خمس دقائق من حدوث الفعل. فبعد العثور على جثة أبو خضير حاولت الشرطة الإسرائيلية الإيحاء أنها تحقق في دوافع جنائية خلف الجريمة وأن لا دلائل لديها على أنها ارتُكبت لأسباب قومية.
أما الصدامات داخل الخط الأخضر فلم تقتصرعلى مدن وبلدات المثلث والجليل، بل وصلت أيضاً إلى القرى البدوية في النقب. الشرطة الإسرائيلية اعتقلت ما لا يقل عن 12 متظاهراً في بلدة راهط البدوية بعد اتهامهم برشقها بالحجارة والإخلال بالنظام العام. ما اضطر وزراء إسرائيليين للتواصل مع أعضاء كنيست فلسطينيين ومع رؤساء البلديات التي لا يزال فيها سكان فلسطينيون، طالبين منهم العمل على تهدئة الأجواء. كما كان الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، قد اتصل أيضاً برئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية محمد زيدان، طالباً منه المساعدة في التهدئة.
في هذه الأثناء، برزت الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية إلى العلن أمس في الاجتماع الأسبوعي حينما انتقد وزيرا الخارجية أفيغدور ليبرمان، والاقتصاد نفتالي بينت، وأعضاء حزبيهما، سياسة ضبط النفس التي يتبعها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، خصوصاً في مواجهة إطلاق الصواريخ من قطاع غزة. وكان بينت قد شدد على أن ضبط النفس في مواجهة الصواريخ على بئر السبع وغيرها هو تعبير عن "ضعف" وليس قوة. وأشار الى وجوب أن تنتهج سياسة "صفر تحمّل" لأي إطلاق صواريخ من القطاع.
أما ليبرمان فدعا إلى رفض معادلة "هدوء مقابل هدوء" وإلى الرد بتدمير البنى التحتية للإرهاب ومصانع إنتاج الصواريخ في الأنفاق عبر عملية برية.
لكن نتنياهو انتقد بشدة منطق وتصريحات ليبرمان وبينت، قائلاً "سنفعل كل ما هو مطلوب لإعادة الهدوء والأمن الى الجنوب. وعلينا التصرف ببرودة أعصاب ومسؤولية لا بتهور وتسرع".
من جهته، انتقد وزير المالية يائير لبيد، الوزيرين ليبرمان وبينت أيضاً، موضحاً أن ليس من حق الوزراء الحديث كما لو أنهم مدونون يكتبون على الانترنت. وقال "ينبغي لنا أن لا نزيد النار اشتعالاً، وكل ما ينبغي فعله هو السماح للقانون بعمل ما ينبغي، وأن نجتمع ونتحادث وليس أن ندع للمتطرفين سواء العرب أو اليهود إدارة دولة إسرائيل، وإنما نترك الحكومة وقوى الأمن تعالج ما يجري".
بدوره، حمل وزير البيئة عمير بيرتس، بشدة على ليبرمان وبينت، مشدداً على أن "الهدف المركزي للحكومة هو وقف إطلاق الصواريخ على الجنوب، ولكن من المحظور أن ينزلق النقاش حول الأسلوب إلى خارج المجلس الوزاري المصغر"، مشيراً الى أن "هناك وزراء يخلقون الإحباط وانعدام الثقة بالمؤسسة الأمنية ويتصرفون بانعدام مسؤولية".
كذلك عمد أحد الوزراء إلى استفزاز بيرتس بسؤاله، عما فعل من أجل أمن الدولة؟ وحينها صرخ عليه بيرتس "لا تعلمني عن الأمن. لقد عملت أكثر منكم جميعاً للأمن وينبغي لكم شكري على ذلك. لو لم تكن لدينا القبة الحديدية لكنا جميعاً الآن في مكان آخر".
وحاول نتنياهو منع إجراء نقاش داخل الحكومة حول الوضع الأمني، ولكن قسماً من الوزراء أصرّ وبدأت جلسة تبادل اتهامات، بينما طلب نتنياهو من الوزراء الكف عن إطلاق التصريحات وعدم التهور في إبداء الرأي وهو ما استفز وزراء اليمين. فردّ ليبرمان على نتنياهو قائلاً: "لا توزع لي علامات على تصريحاتي".
وفي ما يتعلق بقطاع غزة، فإن التصعيد لا يزال احتمالاً وارداً رغم كل الأحاديث عن وساطة واتفاق لوقف النار. يبدو أنه فيما لـ"حركة حماس" مصلحة في التسخين في هذا الوقت - خصوصاً أنها بحاجة لتحريك موقف كل من مصر والسلطة الفلسطينية إزاءها -، فإن إسرائيل تلح على التهدئة.
في غضون ذلك، يشيع الجيش الإسرائيلي أنه يتصرف من الرأس وليس من البطن، خصوصاً أن "الدخول إلى قطاع غزة سيكون قصة أخرى تختلف عما اعتاد الجميع عليه حتى الآن". وكان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق عاموس يادلين، قد أعلن أن إسرائيل قد تضطر لعملية واسعة في قطاع غزة تستمر عدة أسابيع وتشمل اجتياحاً برياً.
ولكن المعلق العسكري لـ"إسرائيل اليوم" يؤاف ليمور، كتب أن الجيش الإسرائيلي لا يزال يطمح إلى احتواء الوضع الراهن وتجنب التصعيد، مشيراً إلى أن الواقع في القطاع يشهد على أن القيادة السياسية لـ"حماس" تتحدث بلغة غير تلك التي تتحدث بها القيادة العسكرية على الأرض.
كذلك تشيع عدة جهات إسرائيلية أن الغاية من إطلاق الصواريخ هي إجبار السلطة الفلسطينية على حل مشكلة رواتب موظفي حكومة غزة. لكن جهات فلسطينية تؤكد أن "حماس" يصعب عليها إبرام تهدئة في وقت تغلي فيه الضفة الغربية ومناطق 48.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه