26-11-2024 05:25 PM بتوقيت القدس المحتلة

البغدادي هاجم الملوك لا المالكي: مفاجآت عراقية قريبة؟

البغدادي هاجم الملوك لا المالكي: مفاجآت عراقية قريبة؟

لم يذكر أبو بكر البغدادي في خطبته رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. أورد، في المقابل، جملة ينبغي أن يتوقف عندها قادة الخليج بتمعن.


سامي كليب

لم يذكر أبو بكر البغدادي في خطبته رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. أورد، في المقابل، جملة ينبغي أن يتوقف عندها قادة الخليج بتمعن. قال: «إني لا أَعِدُكُم كما يَعِد الملوك والحكام أتباعهم ورعيتهم من رفاهية وأمن...». هذا الانتقاد للملوك والحكّام تُرجم فوراً بهجوم انتحاري نفّذه إرهابيان في مبنى حكومي سعودي في منطقة شرورة عند الحدود مع اليمن.

معركة «داعش» بقيادة البغدادي إذاً لا تستثني أحداً، من المالكي إلى قادة الخليج، إلى لبنان وسوريا والأردن وإيران والعالم. لعله، لذلك، أرادها خطبة أممية إسلامية وتجنّب التفاصيل العراقية الداخلية. تحدث عن نصر في «مشارق الأرض ومغاربها».

هذه الملاحظة الأولى. ماذا أيضاً؟
ــــ ظهور البغدادي في أهم مساجد الموصل صفعة مؤلمة لأميركا ورئيسها وأجهزة استخباراتها والأطلسي. منذ تشرين الأول 2011 وسمته أميركا بالإرهابي، وعرضت مكافأة 10 ملايين دولار لمن يساعد في القبض عليه. من المفترض أن أميركا تعرف كل زاوية وشارع في العراق بعد احتلالها له وتركيب جيشه. هل يُعقل أن البغدادي يملك من وسائل الأمن والتخفي ما عجزت عن كشفه أهم استخبارات العالم؟ أم أن في الأمر تواطؤاً لأهداف ستظهر لاحقاً؟ ثمة من يشكّك أصلاً في أسباب إطلاق سراح البغدادي من السجون الأميركية في العراق، رغم معرفة الاستخبارات الأميركية بخطورته.

ــــ واضح من خلال دقة التصوير أن أمن البغدادي بالغ الاحتراف. ثمة فريق تقني وإخراجي أخذ كل وقته ليجرب أربع أو خمس كاميرات، ويرتّب الإضاءة والصوت. إجراءات الحماية تميّزت باحترافية عالية. قطع كل الاتصالات ونشر الأمن مع أجهزة دقيقة. كل شيء كان يوحي بأن القادم إلى المسجد شخصية داعشية كبيرة ومهمة. هل يعقل أن أحداً لم ينتبه؟

ــــ وفق الصور القليلة التي وزعتها الاستخبارات الأميركية، ثم العراقية، قبل 3 سنوات، فإن الذي ظهر في المسجد الكبير في الموصل هو فعلاً البغدادي. فقط تاريخ تسجيل الخطبة غير معروف، لكنه على الأرجح في الأيام القليلة الماضية. ربما أراد تكذيب خبر إصابته. استهلال الخطبة بالحديث عن رمضان يؤكد التاريخ.

ــــ واضح أيضاً أن البغدادي معتادٌ الخطابة. فالقيادي «القاعدي» الفكر، والمولود عام 1971، كان خطيباً في مساجد العراق وحاصلاً على دكتوراه في الدراسات الإسلامية. لعله أراد من خطبته إظهار هذه الشخصية الخطابية لرجل كان حتى الأمس القريب مجهولاً. ولعل الإكثار من الإسناد القرآني والأحاديث فيه رغبة، ليس فقط بالإقناع، بل في إظهار التعمق والحفظ.

ــــــ الجهاد والفتح والنصر كانت الكلمات الأكثر حضوراً. يمكن إحصاء 6 أو 7 مرات ذكر فيها الجهاد والمجاهدين. هذا يعني أن لا مشاريع عنده غير إقامة الخلافة بالقوة والإقناع. تحدث عن «كتاب يُهدي، وسيف ينصر». أما قوله: «فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فانصحوني...»، فهو على الأرجح يستند إلى خطبة عمر بن الخطاب حين قال: «أيها الناس من رأى منكم فيّ اعوجاجاً فليقوِّمه ...».

ــــ لم يذكر البغدادي شيئاً عمن سبقوه في رحلة الجهاد «القاعدي». هو يكمل بذلك إذاً رحلة القطيعة مع قيادة تنظيم «القاعدة»، وسيّدها الحالي الدكتور أيمن الظواهري، ويضع نفسه فوق الجميع. لنتذكر أنه رفض سابقاً مبايعة الظواهري وحارب «النصرة». لعل في الأمر

ما بدأ يقلق قيادات دينية سنية تجاهر حالياً برفض خلافته على المسلمين. القلق يكمن في أن البغدادي طالب الجميع بإطاعته. لا شك في أن خلف هذا القلق يكمن صراع نفوذ أيضاً بين دول إقليمية.


ماذا بعد؟
يقول مسؤول روسي «إن القيادة الروسية تعتبر أن الإرهاب التكفيري الذي يضرب العراق حالياً، بعد سوريا، هو العدو الأول لموسكو. نحن جرّبنا هذا الإرهاب في الشيشان وجورجيا، ووصلت التفجيرات إلى قلب موسكو. لا حل إذاً إلا باقتلاعه من جذوره. ونحن نسعى إلى تشكيل جبهة جدية دولية وإقليمية، ونؤكد أن من واجب أميركا والأطلسي العمل جدياً على تسريع تشكيل هذه الجبهة التي تضم كل الدول من دون استثناء لمحاربة الإرهاب. كذلك على دول الخليج، وفي مقدمها السعودية وقطر، وقف كل تسليح أو تمويل للمسلحين في سوريا».

يبدو من خلال المعلومات المتوافرة في موسكو حالياً أن الخطوات تتسارع في هذا السياق على مستويين. من جهة، تكثّف القيادة الروسية مساعداتها العسكرية للحكومة العراقية وتنسّق مع إيران وسوريا. ومن جهة ثانية تجري اتصالات شبه يومية مع قيادات خليجية وغربية لتطويق «داعش» عسكرياً ومالياً وسياسياً.

الخطوات الروسية والإيرانية لا تزال تصطدم بموقف أميركي ــــ أطلسي يقول بأن لا تكثيف للمساعدات العسكرية قبل اتفاق سياسي داخلي في العراق. المقصود بهذا الاتفاق هو: إما إبعاد نوري المالكي عن رئاسة الحكومة المقبلة، أو تعزيز الحضور السني في المفاصل الأساسية. إيران، حتى الآن، ترفض إبعاد المالكي، ولكنها منفتحة على تعزيز الحضور السني.

يقول دبلوماسي أوروبي: «الاتفاق الإيراني ــــ الأميركي أنتج حكومة في لبنان كان للسنّة فيها حضور جيد، والسعودية أعطت آنذاك الضوء الأخضر لحلفائها في لبنان للدخول إلى الحكومة والشروع في الخطة الأمنية. هذا جنّب لبنان غرقاً في أتون الإرهاب. كانت معلوماتنا آنذاك تؤكد أن الوضع اللبناني مرشح لانهيار أمني جدي ما لم يحصل تفاهم داخلي بغطاء إقليمي ــــ دولي. حاولنا أن نفعل الشيء نفسه في العراق، لكن تعنّت الأطراف مهد الطريق لدخول «داعش» بقوة على الخط. الآن علينا أن نعالج سريعاً ما حصل لأن خطر الإرهاب يطاول الجميع، بما في ذلك أوروبا وأميركا نفسها».

تقاطع المعلومات الروسية والغربية، يشير إلى رغبة في تطويق «داعش» قبل فوات الأوان، وعدم السماح لقادتها بالتمدد والاستقرار، ورغبة أخرى بتفكيك بيئتها الحاضنة عبر اجتذاب بعثيين وضباط سابقين وزعماء عشائر. ثمة اتصالات مع دول خليجية لها تأثير على العشائر للعب جزء من هذا الدور.

تعترف الأوساط الأوروبية بصعوبة المرحلة أمام تيار تكفيري مدرب ومجهز على نحو قل نظيره بين التيارات الجهادية. لكنها تقول: «هذه هي المرة الأولى في تاريخ محاربة الإرهاب التي تلتقي فيها كل الدول الإقليمية والدولية حول ضرورة التنسيق لمكافحته». تكشف الأوساط نفسها أن تنسيقاً أمنياً دولياً يجري على أكثر من خط ويشمل إيران وتركيا والسعودية وسوريا وقطر واليمن والكويت والإمارات وغيرها بغض النظر عن الصراعات السياسية.

ثمة من بات في أوروبا يتحدث عن «مفاجآت أمنية قريبة»، رغم القلق من ردود الفعل الإرهابية التي قد تحصل ضد مصالح غربية أو على أراضٍ غربية.

ينسجم الكلام عن مفاجآت أمنية مع القرار الإيراني المركزي بمنع «داعش» من تحويل العراق إلى الساحة الكبرى للفتنة السنية ــــ الشيعية. ثمة خطط عسكرية بوشر بوضعها بهدف شل قدرات «داعش» عن التوسع أكثر، ومنعه من الوصول إلى العتبات الشيعية المقدسة. لا معلومات دقيقة عمّا يجري العمل عليه، لكن الأوساط القريبة تقول: «لن يتأخر الأمر كثيراً، وسيظهر بعض النتائج بأسرع مما يتوقع البعض».

إذا كان البعض يرى في ما يحصل في العراق فخاً كبيراً لإيران سيدفعها إلى تقديم تنازلات نووية وفي سوريا والعراق، فإن دبلوماسياً أوروبياً سابقاً متخصصاً بملف الشيعة وإيران، يقول «إن لدى طهران من النفس الطويل ما يجعلها تهضم صدمات كهذه ثم تحوّلها لمصلحتها. وليس من مصلحة أميركا ولا إيران ضرب التفاهم النووي الحالي. ثم إن التوازن العددي المذهبي في الخليج بين الشيعة والسنة، ووجود معظم الآبار النفطية عند شيعة إيران والخليج يناقض مقولات انتصار فريق على آخر. تماماً كما أن الخطر على مضيق هرمز يبقى قائماً دائماً».

الدبلوماسي الأوروبي جازم لجهة القول إن باراك أوباما لا يستطيع مطلقاً استخدام العراق للضغط على إيران مهما ارتفعت نسبة الضغط الإسرائيلي أو الخليجي عليه. السبب هو أن الإرهاب بات كبير الخطر على مصالح أميركا والخليج وإسرائيل نفسها. ثم إن الانهيار الكبير في شعبية الرئيس الأميركي داخلياً قد يصبح كارثياً لو وقعت عمليات إرهابية ضد المصالح الأميركية أو على الأراضي الأميركية، إذ إن أوباما الذي تباهى بقتل أسامة بن لادن في ربيع 2011، يجد نفسه اليوم أمام شخص ربما كان يفوق زعيم القاعدة الراحل بأشواط، خطورةً ودمويةً وطموحاً إلى إقامة الخلافة.

www.al-akhbar.com

     موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه