عام كامل مضى على انطلاق عمليات التفجير.. نجحت الأجهزة الأمنية في ضبط بعض خيوط ومفاصل الشبكات الإرهابية، لكن الخلايا لا تزال ناشطة في إطلاق تهديداتها بمزيد من التفجيرات.
لينا فخر الدين - صحيفة "السفير"
منذ عام بالتمام والكمال، لم تعد التهديدات بتحويل لبنان من «أرض نصرة إلى أرض جهاد» مجرّد تغريدات يتناقلها «جهاديون افتراضيّون» على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، بل صار لـ«كتائب عبد الله عزّام» و«جبهة النصرة» وتنظيم «داعش»... وغيرها من ألوية وكتائب وهمية، موطئ قدم في البلاد.
عامٌ كامل طُوي على 19 انفجاراً، 6 منهم بسيّارات مفخخة (من دون سائق) و12 انتحارياً مزنراً بأحزمة ناسفة أو يقودون سيارات مفخّخة. ولتكون نتيجة العام الدامي: 132 شهيداً و1378 جريحاً. بالإضافة إلى أعباء مالية تكبّدتها الدولة ممثلّة بـ«الهيئة العليا للإغاثة» وهي حوالي 28 مليار ليرة لبنانية (3 مليارات كتعويضات لعائلات الشهداء و25 مليار كتعويضات لمالكي الأبنية والمؤسسات والمنازل والسيارات المتضررة)، عدا الأموال التي دفعتها وزارة الصحة للمستشفيات لعلاج الجرحى.
العين على الضاحية
في 9 تمّوز من العام 2013، كان يوم التحوّل المصيريّ، فـ«عرقنة لبنان» بدت وكأنها حقيقة عندما دوّى انفجار صباحاً في منطقة بئر العبد السكنيّة، ليتبيّن في ما بعد أن سيارة من نوع «كيا» مزوّدة بـ35 كلغ من المتفجّرات قد ركنت داخل موقف للسيّارات.
«الثلاثاء الأسود» لم يخلّف شهداء بل 58 جريحاً (كانت جراحهم طفيفة)، وأضراراً ماديّة في السيارات وفجوة عميقة في الأرض، ولكنّه كان بمثابة الإنذار.
في اليوم التالي، كان الهدف مجدل عنجر ـ طريق المصنع: سيارة من نوع «جي. أم. سي» رصاصيّة اللون تحمل الرقم 259431/ب استهدفت موكباً تابعاً لـ«حزب الله». هذا الحادث لم يكن الأوّل من نوعه، بل الرابع في أقلّ من شهرين. ما بات معلوماً هو وقوع 3 جرحى.
تداعيات انفجار سيارة الـ«جي. أم. سي» لم تكن مهمّة، فاالعين بقيت على الضاحية. وبالفعل، الإشارة الأولى في بئر العبد سرعان ما تبعتها رسالة أوضح في أقلّ من شهر واحد ممهورة بتوقيع «سرايا عائشة ام المؤمنين».
الأهداف تكشّفت أكثر: سيارة من نوع «بي. أم. دبليو» ومفخخّة بـ60 كلغ من المتفجّرات، في منطقة مكتظّة في عمق الضاحية الجنوبيّة توقع 20 شهيداً و200 جريح، وتتبنّاها «سرايا افتراضيّة» تحمل اسم «عائشة ام المؤمنين».
الفتنة السنيّة ـ الشيعيّة تدقّ الأبواب، لا سيّما إذا ما أضيف إليها انقسام سياسي حاد في البلاد. حينها، كان إعلان الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله عن قتال عناصر من الحزب في القصير إلى جانب الجيش السوري في أيّار 2013، ما زال خبراً جديداً. وكان عقم المفاوضات السياسية ينذر باستحالة ولادة حكومة وحدة وطنيّة بعد خمسة أشهر من تكليف الرئيس تمّام سلام بتشكيلها، وكانت الافتراضات تشي بأن حكومة نجيب ميقاتي باقية إلى أجل غير مسمّى، تماماً كما كُتب على مروان شربل أن يبقى وزيراً للداخلية يتنقّل بين تفجير وآخر.
في ذلك الحين، كانت دفاعات لبنان أضعف مما كانت عليه اليوم. فالاتهامات السياسية ـ الحكوميّة وثقل الأزمة السوريّة والانقسام الطائفي، إضافةً إلى عدم تمرّس الأجهزة الأمنية في التعامل مع تفجيرات كهذا، كانت كلّها تلعب دوراً سلبياً في إمكان ضرب «العدو الجديد». ولم يكن في يد الأجهزة الأمنيّة إلا مشتبهاً به في تفجير بئر العبد ويدعى حسام دياب غانم (ابو خلف). مخابرات الجيش تأكدت أن أبي خلف (من الجنسيّة السوريّة) له علاقة بأشخاص آخرين يشتبه بعلاقتهم بالتفجير.. وذلك من دون تفاصيل إضافيّة.
إلى طرابلس
حاول «حزب الله» تشديد الإجراءات الأمنيّة في الضاحية الجنوبية من خلال تفتيش السيارات والتدقيق بهويات الداخلين والخارجين.. ولكن أتت الضربة على بُعد عشرات الكيلومترات من «معقل الحزب». هذه المرّة كانت في معقل القوى الإسلاميّة في طرابلس، حيث انفجرت سيارتان مفخختان أثناء خروج المصلين من مسجدي «التقوى» و«السلام».
حتى اليوم، لا انفجار أكبر من انفجاري 23 آب 2013، اللذين كانت نتيجتهما المباشرة 47 شهيداً و500 جريح. فيما كان يراد أن تكون نتيجته غير المباشرة دفقاً أكبر في شرايين الفتنة السنيّة ـ الشيعيّة» وإعادة النيران المشتعلة أصلاً إلى جبهة باب التبانة وجبل محسن.. النتيجة الثانية تحقّقت، فيما الأولى نفّستها اتصالات سياسيّة وحملة تضامن واسعة انطلقت من الضاحية وتحمل لافتات: «من الضاحية الجريحة إلى أهلنا في طرابلس.. جرحكم جرحنا».
نجحت الأجهزة الأمنية في كشف المتورّطين، وأوقفت بعضهم فيما توارى آخرون.
تغييرات استراتيجيّة
بعد تفجير طرابلس، انقطعت أخبار «السيارات المفخّخة» لثلاثة أشهر متتالية، ولكن الأمر لم يبق على حاله. ففي صباح 19 تشرين الثاني 2013، كانت السفارة الإيرانيّة في بئر حسن على موعدٍ مع انفجارين متتاليين.
انفجارا السفارة الإيرانية خلّفا 23 شهيداً و150 جريحاً، والأهمّ من ذلك هو «التحوّل الاستراتيجي» في مخطّط الإرهابيين. هؤلاء باتوا يعتمدون على الانتحاريين بدلاً من سيارات مفخّخة مركونة على جوانب الطرق.. وانتحاريين لبنانيين أيضاً. أن يكون شاب لبناني من صيدا (معين أبو ضهر)، ويتبعه شيخ لبناني (سراج الدين زريقات) ينتمي إلى «كتائب عبد الله» يتبنّى التفجير، فيعني أن لبنان صار حكماً «أرض جهاد» على خطّ الزلازل!
وبعد هذين الانفجارين بشهر إلا يومين، تلقّى «حزب الله» ضربة أخرى. انتحاري يقود سيارة «شيروكي» يفجّر نفسه بموكب تابع لـ«حزب الله» على الطريق المؤدية إلى بلدة صبوبا ـ غرب بلدة اللبوة في البقاع الشمالي. وكما العادة لم يعلن «الحزب» عن تفاصيل الحادثة.
في هذا الوقت، كانت الإجراءات الأمنيّة تتكثّف في أكثر من مكان ابتداء من الحدود السوريّة، إلا أنّ المفاجأة أتت باغتيال مستشار الرئيس سعد الحريري الوزير السابق محمد شطح «على باب» بيت الوسط.
كادت الأوضاع السياسية والأمنيّة أن توحي بأنّ «خيمة الأمن الإقليمية ـ الدولية» ذهبت إلى غير رجعة.
لم تغيّر «الاتهامات السياسيّة» من واقع الأمور شيئاً، سوى زيادة وتيرة التفجيرات وحركة الانتحاريين. وضرب عدد التفجيرات رقماً قياسياً، إذ سجّل حصول 7 عمليّات انتحاريّة في أقلّ من شهرين.. وأبرزها العملية الانتحاريّة المزدوجة التي استهدفت المستشاريّة الإيرانيّة وتبنّتها «كتائب عبد الله عزّام» بنشر صور انتحاريّ فلسطيني من سكّان البيساريّة.
وخلال هذه المدّة، حاولت المنظّمات الإرهابية جميعها أن «تبلّ يدها بلبنان»، وأن تشير إلى أنها تتحرّك في أكثر من منطقة في بيروت وخارجها. فقبل أن تتبنّى «عبد الله عزّام» تفجيرات السفارة، كانت «جبهة النصرة» تؤكّد أنها تقف خلف تفجير إحدى محطّات المحروقات في الهرمل. فيما سارعت «داعش» إلى الدخول على الخطّ بنشر صورة «الانتحاري الخاص فيها» قتيبة الصاطم (من وادي خالد في عكار)، الذي نفّذ انفجار حارة حريك.
الحكومة من رحم التفجيرات
أما سياسياً، فإن وتيرة العمليات الانتحاريّة سرّعت في «انتشال رأس» الحكومة من رحم الاختلافات السياسيّة. اكتملت معالم التسوية في 15 شباط حينما سلّم «حزب الله» مفاتيح الأمن والعدل لـ«تيار المستقبل»، وكان قد سبقها أوّل إنجاز أمني نوعي في 12 شباط باقتحام منزل نعيم عباس في الطريق الجديدة، يضاف إليها اعتقال الإرهابي السعودي ماجد الماجد (ثم إعلان موته قبل التحقيق معه بحسب ما أفادت قبل مخابرات الجيش في حينه) واعتقال القيادي في «عبد الله عزّام» جمال دفتردار في البقاع الغربي في كانون الثاني.
وإذا كان لا يمكن إغفال ترابط تداعيات المعركة السوريّة على الأمن اللبناني، فإنه أيضاً لا يمكن فصل وتيرة الانفجارات عن موضوع الإسراع بتشكيل حكومة الرئيس تمّام سلام، كذلك الأمر سيّان على ترابط وقوع الشبكات الإرهابية العنقوديّة في يد الأجهزة الأمنية بالتسوية السياسية أيضاً.. مشهد وزير الداخليّة نهاد المشنوق يتفقّد انفجار المستشاريّة الإيرانيّة وإلى جانبه مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» الحاج وفيق صفا يؤكّد المؤكّد.
خلال شهر آذار، انتقلت «رسمياً» العمليات الانتحارية إلى خارج بيروت، حيث وقع انفجاران: الأول في بلدة النبي عثمان في البقاع الشمالي، والثاني استهدف حاجزاً للجيش في وادي عطا على الحدود اللبنانية ـ السورية المتاخمة لبلدة عرسال.
عود على بدء
بعدها، توقّفت العمليات الانتحاريّة معطوفة على انتهاء معركة القلمون في نيسان الماضي، وتسجيل قدرة أكبر على ضبط الحدود وسدّ منافذ دخول السيارات المفخّخة، إضافةً إلى «الودّ السياسي» والتعاون الأمني الذي نجح نهاد المشنوق في تدشينه وأنتج إنجازات أمنيّة تمثّلت بالقبض على «الرؤوس الكبيرة» للخلايا الإرهابيّة.
ولكن لم يبق لبنان في منأى عن التداعيات الإقليميّة. بعد حوالي الأسبوع من إعلان «داعش» سيطرتها على الموصل وغيرها من المناطق العراقية على الحدود السوريّة، فجّر انتحاري نفسه عند حاجز ضهر البيدر. لم يكن حاجز قوى الأمن مقصوداً، بل كان المستهدف المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.
في هذا اليوم الواقع فيه 20 حزيران الماضي، لم تكن بيروت هي العاصمة المعتادة، بل كانت أشبه بثكنة عسكرية، بعد مداهمة فندق «نابليون» في الحمرا وتوقيف إرهابي فرنسي من جزر القمر (ينتمي إلى «داعش») كان يحضّر نفسه للقيام بعمليّة انتحاريّة، وورود معلومات إلى أكثر من جهاز أمني لبناني (مصدرها دول أجنبيّة) باحتمال استهداف مساجد في بيروت أو مناطق محدّدة بشاحنة محمّلة بكميّات كبيرة من المتفجّرات.
مداهمة «دو روي» وعدد من الفنادق في الحمرا، عزّز نجــاح نظريّة «الأمن الوقائي»، لكنه لم ينه العــمليات الانتــحارية. ففي 23 حزيران الماضي، انفجرت سيارة عند محلة الطيونة، ولم يعرف ما إذا كانت وجهتها الشيّاح لتحقيق هدف الفتنة مع الطريق الجديدة. ومهما يكن من أمر، استطاع الشهيد عبد الكريم حدرج أن يمنع سائق سيارة الـ«مرسيدس» من إكمال خطّ سيره.
لم تنجح عملية الطيونة في إفشال «الأمن الوقائي»، إذ سجّل عناصر الأمن العام إنجازاً نوعياً باقتحام غرفة انتحاريين في فندق «دو روي» كانا يخطّطان بمساعدة المنذر الحسن للقيام بعملية مزدوجة تستهدف مطعم «الساحة». واحد فقط من الانتحاريين وقع في يد الأجهزة الأمنيّة فيما الثاني نفّذ عمليته الانتحارية رامياً الحزام الناسف الذي كان بحوزته في وجه العناصر الأمنيّة.
عام كامل مضى على انطلاق عمليات التفجير.. نجحت الأجهزة الأمنية في ضبط بعض خيوط ومفاصل الشبكات الإرهابية، لكن الخلايا لا تزال ناشطة في إطلاق تهديداتها بمزيد من التفجيرات.
http://www.assafir.com/Article/20/360079