26-11-2024 02:34 PM بتوقيت القدس المحتلة

أسواق دمشق الشعبية.. ملاذ المواطن العادي في زمن الحرب

أسواق دمشق الشعبية.. ملاذ المواطن العادي في زمن الحرب

قول أبو أحمد بنبرة الواثق من نفسه إن لديه الأمل أن «الشام ستخرج من أزمتها، وربما حين تخرج، قد أكون في القبر، ولكن الأمل لدي يبقى كبيراً»

في سوق الحميدية- الشاملم تعد الأسواق الشعبية ذات الأسقف المغلقة في دمشق القديمة، مكاناً للهرب من حر الشمس فحسب، بل أصبحت أكثر مما سبق مكاناً للهرب من حرارة الأسعار المرتفعة في الأسواق العادية.وفي الوقت الذي قلّت فيه الحركة بشكل ملحوظ في الأسواق المعروفة بأسعارها المرتفعة، نشطت الأسواق الشعبية الدمشقية، لتصبح أكثر «شعبية» من ذي قبل.

وسام عبد الله/ جريدة السفير

تدرك أنك وصلت إلى سوق مدحت باشا، حين تستقبلك رائحة التوابل والبهارات والأعشاب الطبية على مدخله، ممزوجة بأصوات الباعة وهم يدعونك إلى دخول محالّهم. فجأة، ترى نفسك وأنت تدخل في حالة التدافع بين الناس الذين يتبضعون من المحال المنتشرة على طرفي الطريق المستقيم.

وبعد دخول سوريا في أزمتها، اختفى السياح من الأسواق الشعبية التي كانت تعد مساحة سياحية أساسية، فكان لهذا تأثيره على العديد من المهن مثل الشرقيات والموزاييك، والتي كانت تعتمد اعتمادا رئيسيا عليهم. ولكن ارتفاع عدد سكان دمشق، بعد تدفق النازحين من المناطق السورية الساخنة، جاء ليعوض اختفاء السياح، فصارت هذه الأسواق ملاذاً للنازحين لتأمين احتياجاتهم بأسعار منخفضة نسبياً، وبما يتناسب مع تراجع قدرتهم الشرائية.

تُكتبُ أسعار المواد على قطعة من الورق المقوى، فليس هناك من تسعيرة ثابتة، وخاصة في زمن الأزمة التي ترتفع وتنخفض أسعارها بتفاوت، فتبديل أرقام الأسعار يحتاج فقط إلى تبديل الورقة، أو قلم يشطب السعر القديم ليكتب الجديد. ويرتبط هذا التغيير بنواح مختلفة، فتغير سعر صرف الدولار له تأثيره على سعر السلع، وخاصة مع التفاوت بين سعر صرفه لدى مصرف سوريا المركزي والسوق السوداء.

وكذلك، مع خروج مصانع ومعامل من الخدمة، انخفض توزيع وبيع الكثير من السلع، وخاصة ما كانت مصانع حلب تنتجه وتبيعه في دمشق من ألبسة وقطنيات. أما التأثير الثالث، فهو صعوبة التنقل بين العاصمة والريف وباقي المحافظات، ما أدى الى ارتفاع تكلفة تأمين سيارات نقل البضائع، خوفاً من التهديدات التي يمكن أن تحدث لها. ولتجار الأزمة الذين يتلاعبون بالأسعار نتيجة صعوبة المراقبة من مديرية حماية المستهلك دور أيضاً في الغلاء وعدم استقرار السلع على سعر محدد.

كل التأثيرات السابقة وغيرها أدت إلى اهتمام المواطنين بشراء احتياجاتهم الضرورية مثل السكر والأرز، مبتعدين عما يسمى بـ«الكماليات».

وفي هذا الإطار، يقول صاحب محل في سوق مدحت باشا لـ«السفير»: «هناك مواد وسلع أصبحت قريبة في سعرها في الأسواق الشعبية من الأسواق العادية، وخاصة في المرحلة التي كان يرتفع فيها سعر الدولار، ما شكل انخفاضاً في القوة الشرائية»، مشيراً بيده إلى مدخل سوق يمتلئ بالقماش على طرفيه، حيث يجلس الباعة على مقاعدهم بالقرب من محالهم، من دون أن يدخل عليهم زبونٌ إلا نادراً.

في الأسواق الشعبية تنوع في التجارة والتراث. هنا بائع خضار، يليه محل لبيع الثياب، وعلى مقربة منهما بداية سوق لبيع الذهب. وليست الأسواق الشعبية مكاناً للتجارة فحسب، ففيها المقاهي القديمة والحمامات الشعبية، مثل حمام عز الدين في باب السريجة وحمام الملك الظاهر بالقرب من الجامع الأموي.. وغيرهما.

وتكثر الحواجز داخل الأسواق أيضاً، ولكنها من نوعٍ مختلف، فهناك حاجز الحلواني العربي الذي يستوقفك ليقدم إليك قطعة من «القطايف» لتتذوقها، وحاجزٌ لبائع العصير الطبيعي، وغيرها من الحواجز التي يصفها أحد باعة التوت الشامي بقوله: «حين تصل إلى عربتي، لا تحتاج إلى هوية لكي تروي عطشك».

أما حلب فموجودة على باب سوق الحميدية في مكانها التي اعتادت عليه، في محل لبيع صابون الغار الحلبي. في الداخل، يوضح البائع أن الغار الموجود حالياً «هو في قسمين، الغار المصنع في حلب والمعروف بالختم الموجود فوقه، والمصنع في دمشق، ولكن صاحبه حلبي».

خارج سوق مدحت باشا، وأمام باب السريجة، هذه السوق التي تشتهر بتخصص محالها بالمواد الغذائية، يجلس أبو أحمد متكئاً على عصاه التي أصبحت جزءًا من السوق الشعبية وجدرانها القديمة، ليتحدث بلغة التاجر العريق عما يسميه «بلد الفقير»، فيشير إلى أن ذاكرته تمتلئ بقصص أهله «عن الأزمات القاسية التي مرت بها البلاد، ولكنها خرجت منها»، متعجباً «كيف أن هناك شباباً لا يملكون هذا الأمل في الخروج من الأزمة».

يقول أبو أحمد بنبرة الواثق من نفسه إن لديه الأمل أن «الشام ستخرج من أزمتها، وربما حين تخرج، قد أكون في القبر، ولكن الأمل لدي يبقى كبيراً»، مضيفاً أن هذه البلاد «فيها خيرٌ للجميع، فهي بلد الفقير، حيث الكل بمقدوره أن يعيش... وفي هذه السوق، تجد الفقراء الأغنياء على حد سواء، وهؤلاء أعرفهم جيداً، فهم من كبار تجار دمشق».

وأخيراً، يبقى الخبز هو الثابت الوحيد في السعر بين الأسواق الشعبية والعادية، إذ تقوم الحكومة بدعمه وصناعته. وتنتشر الأفران في معظم الأسواق، بالرغم من توقفها في أوقات سابقة بسبب توقف وصول مادة المازوت لقطع الطرق الدولية، والحصار الذي فرضته المعارك على زراعة القمح في المناطق الشرقية، ما أدى إلى تراجع استيراده إلى العاصمة، وكانت له أيضاً في تلك الفترة سوقه السوداء التي يباع فيها بأضعاف سعره الحقيقي.