نعم، رغم مخطَّطات "الضمّ والفرز" للبنان في العقول الداعشية التكفيرية المريضة فإن اللبنانيين مرتاحون!، بل على الأقل لا يعيشون القلق على مصير الوطن.
أمين أبوراشد
عند كل إطلالة لسماحة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، اعتدنا أن نقرأ في هدوء خطابه وفي صخبه على حدٍّ سواء ما سوف يحصل، من خلال تحليلٍ موضوعي ورؤيةٍ ثاقبة للأمور، وبتنا نحن اللبنانيين على اختلاف إنتماءاتنا ومناطقنا ومشاربنا الدينية والإجتماعية والسياسية ومعنا العرب والإقليم، والعدو الإسرائيلي ومعه دوائر الرصد في العالم، نتسمَّر أمام الشاشات، لأن ما يراه ويقرأه السيِّد يحصل، وبما أن سماحته دقيق في سرد دقائق الأمور من خفايا السياسة ومكامن الأخطار المحدقة، علينا على الأقل أن نقرأ بدقَّة ما قرأ وما سوف يقرأ ونتصرَّف على هذا الأساس.
شُكِّلت حكومة الرئيس تمَّام سلام بعد مخاض تسعة أشهر بتفاهمٍ إقليمي انسحب على الداخل تفاهماً في التشكيل، وأطلَّ السيِّد إثر ذلك وقال بما معناه: هي حكومة أرادها رئيسها حكومة "المصلحة الوطنية"، سمُّوها ما شئتم ولتكن تسميتها كذلك، لأن المصلحة الوطنية باتت تقتضي تشكيل حكومة، ولأنه "يجب أن يكون لدينا حكومة" بصرف النظر عن نسبة الإنسجام السياسيي بين أعضائها، ولتُصدر بيانها الوزاري، ولا حاجة للتلاعب على اللغة بهدف تحاشي ذكر المقاومة ضمن المعادلة الثلاثية، ونحن نرغب بتسهيل الأمور، لأن المقاومة سوف تُذكر في هذا البيان بصرف النظر عن السيناريو والإخراج.
يومها، كان السيِّد يستشعر الفراغ، تماماً كما استشعر التمديد عندما كشف صراحة عن إصرار فريق 14 آذار على "مرشّح غير جدِّي لقطع الطريق على مرشَّح جدِّي"، وأكَّد أن مسألة التمديد كان يُعمل عليها، لكن بما أن التمديد بالنسبة للمقاومة والحلفاء غير وارد، أُجهِضَت المحاولة في مهدها.
واليوم، ورغم الرمزية الكبيرة لرئاسة الجمهورية التي نحترم، فإن المركز الذي شغر بانتهاء ولاية الرئيس سليمان، هو واقعياً مجرَّد كرسيٍّ خشبيٍّ فارغ، ومهام الرئاسة مُناطة بمجلس الوزراء، والمعادلة الثلاثية التي رآها رئيس الجمهورية السابق خشبية وهذا رأيه الشخصي الذي لا يُلزم سوى شخصه، هذه المعادلة هي دون سواها التي تحتضن الحكومة وتحتضن الكرسي الشاغر وتحتضن الوطن والشعب في أخطر ظروف عرفتها المنطقة عبر تاريخها المعاصر.
نحن في هذا الإطار لن ندخل في السيناريوهات الجهنمية التي تُوضع للإقليم العربي والشرق- أوسطي، سواء كانت تهدف لإعادة رسم خرائط سايكس- بيكو وإزالة حدود وإقامة أخرى، أو هي خطط سوداء من غرف واشنطن السوداء لضرب المسلمين بالمسلمين أو ضربهم بالأقليات لإقامة "الإسرائليات المذهبية" خدمة لكيانٍ غاصب أو حمايةً لعروشٍ عائلية، بل نحن كنا وما زلنا في مواجهة شياطين تكفير جَهَلة يُعلنون "الخلافة الإسلامية" ووطننا الشامخ ضمنها، ويقيمونها حالياً في أجزاء من سوريا والعراق كالخيمة المتنَّقلة بشياطين متحرِّكة على جثث الأبرياء وأطلال المنازل والأرزاق والمساجد والكنائس والأضرحة والبنى الأثرية والحضارية، ويصومون عن ضمير ويفطرون على قلوبٍ وأكباد!
وأمام هذه الأخطار، حقنا أن نسأل، ماذا عن لبنان اليوم بعدما ذهب رئيسٌ من "ذهب"، لولا معادلة من "خشب"؟! ولماذا استثني لبنان من كافة مخطَّطات التقسيم والتمزيق، ولماذا هو محرَّم على أن يكون ملعباً لشياطين التكفير، بل لماذا يسخر اللبنانيون اليوم على مواقع التواصل الإجتماعي بكل راحة وفكاهة من خطوة "الخليفة البغدادي" في تعيينه المدعو عبد السلام الأردني أميراً على لبنان؟!
نعم، رغم مخطَّطات "الضمّ والفرز" للبنان في العقول الداعشية التكفيرية المريضة فإن اللبنانيين مرتاحون!، بل على الأقل لا يعيشون القلق على مصير الوطن.
شعب أصغر دولة عربية لا يخشى داعش ولا فروعها ولا خلاياها الظلامية التي تهدِّد، والجواب واضح: معادلة من "خشب" سيَّجت الوطن وزنَّرته بالصدور العارمة والجباه العالية في مواجهة منتهكي حدود الأوطان من حَمَلة زنانير الموت للأبرياء، سواء كان كرسي بعبدا ملآناً أو فارغاً، في وقتٍ ينتجع الرئيس السابق في فرنسا ويستقبل وفوداً من 14 آذار "الباريسيين" المؤيدين لخطابه "الإستقلالي"!، ولا نلوم المهاجرين إذا كانوا مفصولين عن واقع الأرض في الداخل اللبناني والمحيط، طالما أن من هُم في الداخل لم يستشعروا بعد مخاطر سقوط الكيانات، ودور المقاومة التاريخي في انتشال لبنان من على خارطة الدواعش العابرين للحدود..
خطأ واحدٌ ارتكبه التكفيريون المتسلِّلون الى لبنان ومن لبنان ودفعوا ثمنه غالياً، أنهم مسُّوا أقدس مقدَّسات لبنان، عبر المساس بالمدنيين الأبرياء وأهل المقاومة وحاضنتها المباشرة، علماً بأن كل مدنيي لبنان كما أرضه من مقدَّسات المقاومة وسيِّد المقاومة!
نعم، خطأهم أنهم لم يواجهوا الجيش ورجال المقاومة مواجهة الرجال للرجال، بل تسللوا كالخفافيش الفالتة والوطاويط الليلية الى عقر الدار الآمنة والى عرين "المعادلة المقدَّسة" ليزرعوا تكفيرهم موتاً ورعباً بين اللبنانيين الأبرياء، الذين في أصعب الظروف ورغم همجية المحتل الإسرائيلي عامي 2000 و 2006، كانوا لدى المقاومة من رجال ونساء وعجزة وأطفال، الخطّ الأحمر، وأُبعدوا قدر الإمكان عن الجبهات...
في الخلاصة، وبعد الذي حققته المقاومة على الحدود الشرقية لسوريا وبخاصة في القصير والقلمون، بإبعادها شبح داعش والتنظيمات التكفيرية، فإن لبنان بإذن الله سيكون بخير، ولسنا مشغولي البال على كرسيٍّ شاغرٍ مع إحترامنا الكبير للرمزية الوطنية، لأن إملاء الشغور عبر الإملاءات ممنوع، ولأن إملاء الفراغ في هذه الظروف بأيٍ كان هو فعل انتحار، وقصر بعبدا لن يُفتح سوى لمن عينه على الوطن وليس على كرسي، والكرسي هو فقط لمن يؤمن بقدسية المعادلة الثلاثية الوطنية الشريفة درع أمانٍ للوطن وإلا، تحية لفخامة الفراغ الى حين التوافق على رئيسٍ يليق بلبنان وبالمعادلة الذهبية الشريفة ويستحق عن جدارة وثقة لقب صاحب الفخامة ...