يبدو أن الدول المعاصرة وعلاقاتها دخلت زمن «الواقع المعزّز بالافتراضي»، بمعنى أنه بات من العسير فصل البعد الافتراضي عن مجريات السياسة ووقائعها
هل تحاول الصين الدخول على خط «الخلافة الإسلاميّة» ودولتها المعلنة فجأة في العراق وسورية، عبر اختراقها حواسيب خبراء أميركيين في الشأن العراقي؟.
الدكتور أحمد مغربي / جريدة الحياة
ففي زمن ما بعد تسريبات «ويكيليكس»، في أوقات ما بعد فضيحة التجسّس الأميركي الشامل على العالم التي فجّرها خبير المعلوماتية إدوارد سنودن، صارت السياسة مساحة مختلطة بين وقائعها ومعطيات التقنيّات المعلوماتية. وفي مطالع العام الحالي، سارت الأمور في اتجاه أكثر لطافة، لكنه ليس أقل قوة، عبر مناورات افتراضية مشتركة بين الصين وأميركا.
ويبدو ان التعاون لا يتعارض مع التنافس في منطق تجاذب النفوذ بين القوى الكبرى، فتستمر الاختراقات والاختراقات المضادة، تحت سقف العلاقات المتشابكة بين تلك القوى.
والأرجح أن مجريات «دولة الخلافة» في العراق، ليست بعيدة عن تلك الصورة. إذ أعلنت شركة أمنية أميركية أمس أن مجموعة متمرسة من الـ «هاكرز» الذين ربما كانوا يلقون رعاية الحكومة الصينية، اخترقوا أجهزة الكومبيوتر لخبراء معنيين في الشأن العراقي. وجاء الإعلان بعد أيام قليلة من اجتياح «داعش» مناطق واسعة في وسط العراق وشرق سورية، وإعلان «دولة الخلافة» فيها.
يبدو أن الدول المعاصرة وعلاقاتها دخلت زمن «الواقع المعزّز بالافتراضي»، بمعنى أنه بات من العسير فصل البعد الافتراضي عن مجريات السياسة ووقائعها. وأعرب دميتري ألبيروفيتش، مؤسس شركة «كراود سترايك»، عن ثقته بأن مجموعة سمّاها «ديب باندا» (في إشارة إلى إمكان ارتباطها بالحكومة الصينية)، اخترقت حواسيب خبراء أميركيين في الشأن العراقي، لكنه أحجم عن تقديم مزيد من التفاصيل.
وأشار إلى أن «ديب باندا» نظّمت هجوماً على وثائق إلكترونية لخبراء أميركيين يعملون في معاهد بحوث متخصّصة في الشأن العراقي، بالتزامن مع اجتياح «داعش» مصفاة بيجي العراقية، في 18 حزيران (يونيو) 2014.
وبحسب «كراود سترايك» سبق للمجموعة عينها أن استهدفت لسنوات خبراء أميركيين في الشؤون السياسية لقارة آسيا التي تشهد تجاذباً بين الولايات المتحدة وروسيا والصين. وأوضحت الشركة أن المجموعة هي واحدة من 30 جماعة متمرّسة في اختراق الكومبيوتر، تتعقبها الولايات المتحدة ، مع وجود دلائل على تمترسها في الصين.
في سياق الصراع في الفضاء الافتراضي للانترنت، يبدو سجل الصين «حافلاً»، خصوصاً في علاقاتها مع الولايات المتحدة، لأنها الدولة الأكثر توسّعاً في استخدام الانترنت كمساحة لقوة الدولة ونفوذها. قبل سنوات، شكت أميركا من أن الصين رعت عملية «أورورا» التي تضمّنت اختراق مجموعة من الـ «هاكرز» مواقع علمية واستخباراتية وعسكرية واقتصادية أميركية.
وتحرص الصين دوماً على التذكير بأنها لا ترعى رسميّاً مجموعات محترفة من الـ «هاكرز»، وأنها ليست المصدر الوحيد لهجمات الـ «هاكرز»، خصوصاً الهجمات الإلكترونيّة التي تحمل طابعاً سياسيّاً.
في المقابل، عبّرت الولايات المتحدة عن اقتناعها بأن الحكومة الصينية إنما تمارس سياسة التنصّل في شأن هجمات الـ «هاكرز»، بمعنى أنها تحرص على التمويه على العمليات التي ترعاها فعليّاً. ولم تتردّد الصحافة الأميركية في الإشارة تكراراً إلى وجود وحدات في «جيش التحرير الصيني» تخصّص في اختراق نظم الكومبيوتر وشبكاته عالميّاً.
ورفضت وزارة الخارجية الصينية المعطيات المتصلة باختراق حواسيب خبراء أميركيين بالشأن العراقي بأكملها. وكعهدها، أكّدت الحكومة أنها تعارض التسلل الإلكتروني وهجمات الـ «هاكرز»، نافية التقارير المتواترة عن علاقتها باختراق أجهزة الخبراء الأميركيين الشأن العراقي.